جابر عن “مشروع إعداد الموازنة”: رسالة قوية لبناء دولة تستعيد شفافيتها

لبنان 30 تموز, 2025
ياسين جابر

عقد وزير المالية ياسين جابر مؤتمرًا صحافيًا، بمشاركة السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو وممثلي الوكالة الفرنسية للتنمية وخبرات فرنسا AFD حول مشروع دعم عملية تحضير الموازنة العامة وتنفيذها.

ويأتي المؤتمر في إطار المرحلة الجديدة من مشروع إعداد الموازنة والذي يشكل محطة أساسية لتسليط الضوء على أبرز إنجازات المشروع وخططه المستقبلية بغية تطوير عملية الإعداد وتعزيز المساءلة والشفافية واستعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة.

بدايةً قدم مدير المالية العام جورج معراوي عرضاً شاملاً لمشروع “تمكين إعداد الموازنة من أجل إدارة مالية عامة سليمة”، وتضمن ما حققه المشروع من نتائج ملموسة، أبرزها:
– معالجة أكثر من 85 في المئة من الإيصالات الضريبية المتراكم.
– إعادة دمج الوسطاء غير المصرفيين ضمن النظام الضريبي الرسمي.
– تبسيط الإطار القانوني لإعداد الموازنة. – وضع قواعد واضحة لأولويات الإنفاق العام”.

وأكّد معراوي “أن الإصلاح لا يزال مستمرًا، وأن الخطوة المقبلة هي نشر تقارير شفافة عن تنفيذ الموازنة، في مسار تدريجي يعيد للدولة دورها ومكانتها”.

ثم تحدث السفير الفرنسي، فقال: “يسعدني أن أكون بينكم اليوم لتسليط الضوء على التقدّم الذي أحرزته وزارة المالية في مجال التحضير للموازنة خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بدعم من فرنسا”.

أضاف: تدعم فرنسا وزارة المالية منذ عام 2020 من خلال مساعدة تقنية قدمتها الوكالة الفرنسية للتنمية، وخبرة فرنسا، والخزانة الفرنسية.
ونحن اليوم نشهد تقدماً ملحوظاً، بفضل التزام قوي من فرق الوزارة، وذلك في ظروف صعبة للغاية.
فقد بذلت الوزارة جهوداً كبيرة لتحسين إعداد الموازنة، بمساعدة خبراء دوليين، تمكنت معهم من تطوير منهجية واضحة وواقعية لتنظيم هذه العملية الأساسية.
كما تم الانتهاء من إعداد دليل الموازنة، واعتماده وتعميمه داخل الإدارة، مما جمع سنوات من القرارات في وثيقة واحدة، ستُسهّل عمل الوزارات القطاعية وتعزز شفافية العمل العام. واعتمدت الوزارة نهجاً شبه آلي لإدخال بياناتها الضريبية، ما أدى إلى مضاعفة حجم البيانات المُعالَجة خمس مرات، واضعة بذلك أسساً لتقارير موازنية ذات مصداقية ومنتظمة”.

وأضاف: “وقد جاءت هذه الخطوات الهامة لتعزز العمل الذي تم بالتوازي، وتحت إشراف وزارتكم، في مجال التعاون الجمركي منذ عام 2020. وباعتبار أن الإيرادات الجمركية تمثل الركيزة الأساسية لتحصيل الضرائب، فهي تشكل الشريان الاقتصادي الحقيقي للبلاد؛ وسنواصل دعمكم، معالي الوزير، من أجل إنجاح هذا المسار. وقد تم تعزيز هذا الدعم بناءً على طلبكم منذ شهر أيار الماضي، من خلال انضمام خبيرة اقتصادية من الخزانة الفرنسية إلى فريقكم. وأنا على علم بأهمية هذا العمل المتعلق بالدين العام والإطار الكلي للموازنة في سياق المفاوضات التي تقودونها مع صندوق النقد الدولي، وأؤكد لكم التزامي الكامل لضمان استمرارية هذا التعاون. جميع هذه النتائج تبعث على التفاؤل، وهي دليل على التزام الدولة بتحقيق التغيير، وتحديث الممارسات، وإعادة بناء أسس دولة فعالة. لكن، لا يمكن تحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي في لبنان إلا عبر إصلاحات جذرية. إصلاحات شجاعة وطموحة، يتوق إليها الشعب وينتظرها الشركاء لإعادة بناء الثقة. تلعب وزارة المالية دوراً محورياً في هذا المسار”.

وتابع : ” وأود هنا أن أشيد معالي الوزير التزامك شخصياً وباحترافية وإصرار فرقكم، في هذه الظروف الصعبة التي مر بها البلد خلال السنوات الماضية. كونوا على يقين أيضاً بأن فرنسا تبقى ملتزمة بالكامل إلى جانبكم. إنها تؤمن بهذا التعاون. وتؤمن بقدرة لبنان على النهوض. ولهذا السبب، يسرني أن أعلن اليوم عن تجديد دعمنا، من خلال تمويل جديد بقيمة 400,000 يورو، سيسمح بمواصلة العمل القائم على التحضير للموازنة. وآمل أيضاً أن أتمكن في الخريف من الإعلان عن وصول خبير من الخزانة الفرنسية، متخصص في القضايا الموازنية، يمكنه دعم فرقكم لمدة عامين على الأقل. يمكننا أن نفخر معاً بما تم إنجازه. وفي الختام، معالي الوزير، أود أن أتوجه إليكم وإلى جميع أفراد فرقكم بجزيل الشكر على التزامكم وتعاونكم وثقتكم. نكن بحاجة للالتزامكم من أجل المضي قدماً في هذا المسار”.
ثم كانت كلمة للوزير جابر الذي قال: “أستهل كلمتي بكلمة امتنان وترحيب. تتوجّه الدولة اللبنانية ووزارة المالية بالشكر الصادق للجمهورية الفرنسية، ليس فقط لتقديمها الدعم المالي، بل أيضًا لوقوفها إلى جانبنا كشريك حقيقي في وقت كانت فيه الشراكة الصادقة تحمل بُعدًا أخلاقيًا وسياسيًا يتجاوز أي تمويل أو دعم تقني.
ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن مساهمات فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي كانت بالغة الأهمية، إذ لا يزال هذا الاتحاد، المؤلف من 27 دولة عضو، منارة للاستقرار، ومحركًا للتنمية والإصلاح الجاد في دول مثل لبنان”.

أضاف: “إن مناسبة اليوم ليست مجرّد إعلان، بل فرصة للتأمل في الطريق الذي قطعناه سويًا؛ مسارٌ حافل بالصمود المؤسساتي، والكرامة في الخدمة العامة، والأمل المتجدد في إصلاحٍ جدي. ما يمنح هذا المشروع قيمته الحقيقية هو السياق الذي وُلد فيه. فقد انطلق في مرحلة انسحب فيها العديد من الشركاء الدوليين من مؤسسات الدولة اللبنانية، وركّزوا دعمهم على المجتمع المدني. في خضم أزمة ثقة عميقة وشلل شبه تام في وظائف الدولة، اختار هذا المشروع مسارًا مختلفًا. لم يتجاوز الدولة، بل عمل على إحيائها من الداخل. لقد كان خيارًا صعبًا، بلا أي ضمانة للنجاح، لكنه منح المشروع صدقية وعمقًا واستدامة. وهكذا أبصر مشروع “تمكين إعداد الموازنة من أجل إدارة مالية عامة سليمة” النور. ففي لحظات الانهيار، لم تعد الإدارة المالية العامة قضية تقنية فقط، بل أصبحت أداة تعافٍ ورسالة مفادها أن الدولة تعود وتستعد لتحمّل المسؤولية والمساءلة. بدأ تدخلنا عندما توقّف تنفيذ الموازنة نتيجة تراكم أكثر من 3.6 مليون إيصال ضريبي ورقي غير معالج، مكدّسة في مستودعات مغلقة، لم تُدمج يومًا بالكامل في النظام المالي الرسمي. هذا الواقع عطّل التحليل والتخطيط واتخاذ القرار”.

وتابع: “فاخترنا خطوات عملية مدفوعة بإرادة سياسية قوية لكسر هذا الجمود، وانطلقنا بخطوة رقمية لمعالجة هذا التراكم. لم يُنقذ هذا الجهد بيانات مالية أساسية فحسب، بل وفّر أيضًا صورة دقيقة عن المالية العامة. وبموجب مرسوم إداري، تمّت إعادة دمج الوسطاء الماليين غير المصرفيين – الذين كانوا قد استحوذوا على دور المصارف في جباية الضرائب بعد الأزمة – في النظام الضريبي الرسمي.وقد تطلّب ذلك عمليات تسجيل جديدة، ونُظم تحصيل، وأتمتة شاملة. لم تكن مجرد تحديثات تقنية، بل استعادة لأدوات الرقابة والتحليل والتخطيط.

ثانيًا، وبدعم من المساعدة التقنية، أعدنا النظر في الإطار القانوني والمؤسساتي لإعداد الموازنة. لعقود، خضع هذا الإعداد لعشرات القرارات المتفرقة والمتناقضة أحيانًا، ما ولّد مزيدًا من الضبابية بدلًا من الوضوح.
وبفضل دعم المشروع، انتهت هذه التجزئة، فتمّ اعتماد مرسوم موحّد لإعداد الموازنة، وإصدار دليل رسمي، وتحقيق تبسيط كبير في الإجراءات. أصبحت الدولة أكثر وعيًا بذاتها، وبالتالي أكثر شفافية.
ما الإنجاز الثالث، فكان إصلاح آلية إعداد الموازنة نفسها، ووضع حد للممارسات الاعتباطية.

أدخلنا حدودًا للإنفاق تستند إلى الموارد الفعلية، ووضعنا إطارًا واضحًا لتحديد الأولويات. ولأول مرة منذ سنوات، أصبح لكل رقم دلالة، ولكل خيار سياسي مكان ضمن هيكل منطقي. هذه ليست إصلاحات تجميلية. إنها إصلاحات تمس جوهر الحوكمة. فقد تمت معالجة أكثر من 85% من البيانات المتراكمة، وأُعيد دمج الإيرادات الضريبية الخارجة عن الموازنة ضمن الإطار المالي الحكومي. وعادت رقابة الدولة على هذه الإيرادات على أساس متين”.

واستطرد: “لم يعد إعداد الموازنة مجرّد إجراء شكلي، بل أصبح عملية موثّقة ومُنظّمة وفق معايير واضحة. لكننا لا نعيش في الوهم. النجاح لا يعني أن المهمة قد اكتملت. فالإصلاح ليس محطة ثابتة. إنما نتقدّم بثقة أكبر، بفضل دعمكم المستمر. وسيتعزز هذا الزخم بمزيد من التمويل الذي سيتيح لنا التقدّم أكثر. وتكمن خطوتنا التالية في نشر تقارير داخلية وعامة عن تنفيذ الموازنة”.

وختم جابر: “أعزائي الشركاء، لبنان يتغيّر. ببطء، نعم. بصعوبة، بالتأكيد. لكن بثبات. يحمل هذا المشروع، رغم حجمه المحدود، رسالة قوية: حتى في قلب الانهيار، يمكن إعادة إرساء النظام، وإيجاد الوضوح، وتقديم خدمة عامة تليق بثقة المواطنين. باسم وزارة المالية، أشكركم على ثقتكم. فلنواصل هذا الطريق، لا كمجرّد منفّذين لمشروع، بل كشركاء حقيقيين في بناء دولة تستعيد شفافيتها وتنهض لتلبية تطلعات شعبها”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us