الرئيس عون: تعبنا من حروب الآخرين ومن الرهانات والمغامرات .. وحرصي على حصرية السلاح نابع من حرصي على الدفاع على سيادة لبنان

لبنان 31 تموز, 2025

حملت الكلمة التي توجه بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى اللبنانيين بمناسبة عيد الجيش، الكثير من التأكيد على روحية خطاب القسم.
فجاء الخطاب واضحاً لا مجال للبس فيه، إذ أكّد الرئيس على حصرية السلاح بيد الجيش، موضحاً أنّ الحزب هو مكوّن سياسي وأنّ بيئته تنتمي للبنان والوطن أولاً وأخيراً.

الرئيس عون الذي شدّد على مصلحة لبنان، كشف للبنانيين الورقة الأميركية والتعديلات التي أدخلت عليها، موضحاً أننا أمام فرصة استثنائية يجب عدم تفويتها.

إليكم الكلمة كاملة:

أيها العسكريون ، يا رفاق السلاح، قبل نحو أربعين عاماً، أقسمتُ مثلكم قسماً صارَ لي حياة…
وقبل نحو ثمانيةِ أشهر، أقسمتُ أمام اللبنانيين، قسماً لا رجوعَ عنه.
رفاقَ السلاحِ والقضيةِ والشرف، بفضلِكم أنتم شرّفتُ قسمي الأوّل… وبفضلكم دوماً سأشرّفُ قسمي الثاني …
وها أنا هنا، لأقولَ لكم، جنوداً وجرحى وشهداء، لكم كلُ الشكرِ والجَميل… وفاءً لتضحياتِكم، ولطُهر دمائِكم، ولصلواتِ أمهاتِكم وقلقِ الآباء والأهل!
فلأنني أعرفُ معنى التضحية… وأعرفُ قدسيةَ الشهادة…
أدركُ أيضاً أنّ شعباً يستحقُّ الحياة، لا يتركُ شهداءَه، يسقطون مرتين …
مرةً في الدفاعِ عنه … ومرةً بالنسيانِ أو الإنكارِ أو المساومات …
فكلُ شهيدٍ قاتلَ وقاومَ وسقطَ من أجلِ لبنان، أياً كان مسقطُ رأسِه أو قُبلةُ ربِه … هو ذخرٌ لنا، في مسيرتِنا نحو تحقيقِ أهدافِ هذه الشهادة، ببناءِ وطنٍ مستقل مستقر، مزدهرٍ وعصريّ … يحضُنُ كل شعبِه، وينفتحُ على العالم …
والوفاءُ للشهداء ولتضحياتِهم وللقضية التي ارتقَوا من أجلها، يقتضي منا جميعاً، أنْ نوقفَ الموتَ على أرضنا… وأن نوقفَ الدمار … وأن نوقفَ الانتحار، خصوصاً حين تصبحُ الحروب عبثيةً مجانيةً ومستدامة، لمصالحِ الآخرين. وذلك حفاظاً على كرامةِ شعبِنا وأرضِنا ودولتِنا ووطنِنا.

أيها الجيش الأبيّ،
اليوم عيدُك، فافتخِرْ!
إفتخرْ، لأنْ لا مؤسسة في الدولةِ اللبنانية، يُجمعُ عليها اللبنانيون، أكثرَ من الجيشِ اللبناني.
ولا مؤسسة قدّمت التضحياتِ، مثلَ مؤسسةِ الجيش.
ولا مؤسسة صمدت بوجهِ الفسادِ والضيقِ معاً، كصمودِ الجيش.
ولا مؤسسة حمت وحدةَ لبنان، وضمَنت أمنَه، مثلَ عناصرِ وضباطِ الجيش.
فقد انهارَ اقتصادٌ كامل، ولم تنهَرْ.
واستُبيحت الحدودُ والسيادة، ولم تستسلمْ.
وزرعَ الأعداء عملاءَهم بيننا، ولم يجدوا فيك خائناً.
فالجيشُ هو نسيجٌ مصغّرٌ عن الشعبِ اللبناني بأبهى حُللِه. ولذلك فمن يحبُ جيشَه، يحبُ شعبَه ووطنَه!
وللجيشِ فضلٌ كبيرٌ عليّ ودَينٌ أكبر.
فضلُه أنه ربّاني على حبِ الوطن، كلِ الوطن دون اجتزاء، وعلى حبِ الشعبِ دون شعبوية، وعلى حبِ الله دون طائفية.
ودَيني له كقائدٍ أعلى للقواتِ المسلّحة، وِفقَ ميثاقِنا ودستورِنا، أن أحافظَ على هيبتِه وكرامتِه وقوّتِه ودورِه، حفاظاً مني على سيادةِ لبنان، وحُرمةِ حدودِه، ووحدةِ شعبِه، وسلامةِ أراضيه، من حروبٍ لا نريدُها واعتداءاتٍ نرفضُها.

واجبي وواجبُ الأطرافِ السياسية كافة، عبر مجلسِ الوزراء والمجلسِ الأعلى للدفاع ومجلسِ النواب والقوى السياسية كافة، أنْ نقتنصَ الفرصةَ التاريخية، وندفعَ من دون تردّد، الى التأكيدِ على حصريةِ السلاحِ بيدِ الجيشِ والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى كافةِ الاراضي اللبنانية، اليوم قبل غد. كي نستعيدَ ثقةَ العالمِ بنا، وبقدرةِ الدولة على الحفاظِ على أمنِها بوجهِ الاعتداءاتِ الاسرائيلية، التي لا تتركُ فرصةً إلاّ وتنتهكُ فيها سيادتَنا. كما بوجهِ الإرهاب الذي يرتدي ثوبَ التطرّف، وهو من الأديان براء.
نعم، لقد انتهكت اسرائيلُ السيادةَ اللبنانية آلافَ المرات، وقتلت مئاتِ المواطنين، منذ إعلان وقفِ إطلاق النار في تشرين الثاني عام 2024، وحتى هذه الساعة. ومنعت الأهالي من العودةِ الى أراضيهم، ومن إعادةِ إعمارِ منازلِهم وقراهم. ورفضت إطلاقَ الأسرى والانسحابَ من الأراضي التي احتلّتها.
وقد وقفَ الجيشُ الى جانبِ الأهالي بكلِ شجاعة، رغمَ كلِ شيء. وخسرَ شهداءَ أعزاء. مثل المقدم الشهيد محمد فرحات، ابنِ بلدةِ دير قانون رأس العين، من الجنوبِ وليداً، والذي احتضنته كنائسُ زغرتا في الشمالِ شهيداً. بعدما تحدّى سابقاً المحتل وجهاً لوجه، أمام جميعِ العدسات، في وقفةٍ بطوليةٍ هي من بطولةِ هذا الشعبِ وتصميمِه على الصمود. قبل أن يعودَ سلاحُ الجو الإسرائيلي فيغدرَ به. ليرتقي رمزاً لتضحياتِ جيشِنا وشرفِه ووفائه. وتجسيداً لالتفافِ لبنانَ كلِه حولَ الجيش.
وقد أُوكلتْ للجيشِ مهماتُ تطبيقِ وقفِ النار. وذلك بالتنسيقِ مع اللجنة العسكرية الخماسيةِ الأطراف. وتمكّن على الرغم من تواضعِ الإمكانيات وكثرةِ مهامِه الأخرى، من أن يبسطَ سلطتَه على منطقةِ جنوبِ الليطاني غيرِ المحتلة، وأن يجمعَ السلاح، ويدمّرَ ما لا يمكنُ استخدامُه منه. وذلك بشهادةِ اللجنة العسكرية الخماسية. وهو مصممٌ على استكمالِ مهامِه، من خلالِ تطويعِ أكثرَ من 4500 جندي، وتدريبِهم وتجهيزِهم، ليُكملوا انتشارَهم في هذه المنطقة، على الرغم من عدمِ التزامِ إسرائيل بتعهداتِها. وقد ساعدَه في تسهيلِ انتشارِه، أهلُ الجنوبِ أبناءُ الأرض، الذين كانوا دوماً قدوةً في وطنيتِهم وصمودِهم.

لذا، وأمامَ مسؤوليتي التاريخية، وانطلاقاً من صلاحياتي الدستورية المنصوصِ عليها في المادة 52 من الدستور، واحتراماً لليمينِ التي حلفتُها، ولخطابِ القسم، أرى من واجبي اليومَ، أنْ أُكشفَ للبنانيين، وللرأيِ العامِ الدولي ولكلِ مهتمٍ ومعني، حقيقةَ المفاوضاتِ التي باشرتُها مع الجانبِ الاميركي، وذلك بالاتفاقِ الكاملِ مع رئيسِ مجلسِ الوزراء نواف سلام، وبالتنسيقِ الدائمِ مع رئيسِ مجلسِ النواب نبيه برّي. والتي تهدفُ الى احترامِ تنفيذِ إعلانِ وقفِ النار، والذي وافقت عليه الحكومةُ اللبنانيةُ السابقة بالإجماع.
وكان الجانبُ الاميركي قد عرضَ علينا مسودةَ أفكار، أجرينا عليها تعديلاتٍ جوهريةً، ستُطرحُ على مجلسِ الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وفق الأصول، ولتحديدِ المراحلِ الزمنية لتنفيذِها. وهذه أهمُ النقاط التي طالبنا بها:

1- وقفٌ فوريٌ للأعمالِ العدائية الإسرائيلية، في الجوِ والبرِ والبحر، بما في ذلك الاغتيالات.

2- انسحابُ إسرائيل خلفَ الحدودِ المعترفِ بها دوليًاً. وإطلاقُ سراحِ الأسرى.

3- بسطُ سلطةِ الدولة اللبنانية، على كافةِ أراضيها، وسحبُ سلاحِ جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنِها حزبُ الله، وتسليمُه الى الجيشِ اللبناني.

4- تأمينُ مبلغ مليار دولار أميركي سنويا، ولفترةِ عشرِ سنوات، من الدولِ الصديقة، لدعمِ الجيشِ اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتِهما.

5- إقامةُ مؤتمرٍ دوليٍ للجهاتِ المانحة لإعادة إعمارِ لبنانَ في الخريفِ المقبل.

6- تحديدُ وترسيمُ وتثبيتُ الحدودِ البريّة والبحرية مع الجمهورية العربية السورية، بمساعدة كلٍ من الولاياتِ المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرقِ المتخصصة في الأمم المتحدة.

7- حلُ مسألةِ النازحين السوريين.

8- مكافحةُ التهريبِ والمخدراتِ، ودعمُ زراعاتٍ وصناعاتٍ بديلة.

هذه هي أهمُ بنودِ المذكرة التي حددنا مراحل تنفيذها بشكل متوازٍ، والتي لا يمكنُ لأيِ لبنانيٍ صادقٍ ومخلصٍ إلاّ أن يتبناها. بما يقطعُ الطريقَ على اسرائيل، في الاستمرارِ بعدوانِها، ويفرضُ عليها الانسحابَ من جميعِ الأراضي المحتلة، ويرسّمُ حدودَ لبنانَ جنوباً وشرقاً وشمالاً، لأولِ مرّةٍ في تاريخِه، ويضبطُ مراقبةَ هذه الحدود، ويمنعُ الاعتداءات، ويُعيد الناسَ الى أراضيهم، ويؤمّنُ لهم الأموال اللازمة لبناءِ البنى التحتية والبيوت، ويعزّز الثقةَ بالدولةِ اللبنانية ومؤسساتِها، وبالجيشِ أولاً، ويُعطينا فرصةً لإقامةِ استقرارٍ ثابتٍ ودائمٍ، هو الشرطُ الأولُ لازدهارِ الاقتصادِ اللبناني، وللمَضيِّ في الاصلاحاتِ البنيوية الضرورية، بدعمٍ دوليٍ وعربي.

لقد تعبنا من حروبِ الآخرين وحروبِنا على أرضِنا، ومن رهاناتِنا ومن كل المغامراتِ. وآن لنا أن ننهي أعذار وأطماع أعدائنا الذين يستثمرون في انشقاقاتِنا وهواجسِنا. والذين واجهناهم أحياناً فرادى من خارج أطر الدولة، اعتقاداً من بعضِنا، ولو عن حسنِ نيّة، بأنّ الدولةَ أضعفُ من أن تقاوم. أو أنّ العدوَّ هو في الداخل. أو أنّ طرفاً خارجياً يدعمُ أحدنا، سيحاربَ نيابةً عنه. وقد سقطت هذه الأوهامُ كلُها. بعدما أسقطت الآلافَ من شهدائنا ودمرت قسماً كبيراً من وطنِنا.
لا أضمنَ من سلاحِ الجيش بوجهِ العدوان. جيشٌ وراءه دولةٌ مبنيةٌ على المؤسساتِ والعدالةِ والمصلحة العامة. فلنحتمِ جميعاً خلفَ الجيش. لأن التجربة أثبتت أنّ سلاحَه هو الأمضى، وقيادتَه هي الأضمن، والولاءَ له هو الأمتن.

ندائي إلى الذين واجهوا العدوان، وإلى بيئتِهم الوطنية الكريمة، أن يكونَ رهانُكم على الدولةِ اللبنانية وحدَها. وإلّا سقطت تضحياتُكم هدراً، وسقطت معها الدولةُ أو ما تبقى منها.
وأنتم أشرفُ من أن تخاطروا بمشروعِ بناءِ الدولة، وأنبلُ من أن تقدّموا الذرائعَ لعدوانٍ يريد أن تستمرَّ الحرب علينا. فنستمرَّ نحن في مأساتِنا وتشرذمِنا وانتحارِنا. لكن هذه المرة، نكونُ قد تخلّينا عن الدعمِ الدولي والعربي بإرادتِنا. وخسرنا إجماعَنا الوطني. وهذا ما لا تريدونه ولا نريدُه.
وللمرةِ الألف أؤكدُ لكم، بأن حرصي على حصريةِ السلاح، نابعٌ من حرصي على الدفاعِ عن سيادةِ لبنانَ وحدودِه، وعلى تحريرِ الأراضي اللبنانية المحتلة، وبناءِ دولةٍ تتسعُ لجميعِ أبنائِها. وأنتم ركنٌ أساسيٌ فيها. عزُّكم من عزِّها. وحقوقُكم من حقوقِها. وأمنُكم من أمنِها.

من هنا، أدعو جميعَ الجهاتِ السياسية، إلى مقاربةِ قضيةِ حصرِ السلاح بكلِ مسؤولية، كما عَهِدَكم لبنانُ دوماً عند الاستحقاقاتِ الوطنية الكبرى. فالاختلافُ يبقى ضمنَ أطرِ الاحترامِ والتنافسِ، تحت سقفِ الميثاقِ والدستور. لكن المرحلة مصيرية، ولا تحتملُ استفزازاً من أيِ جهةٍ كانت، أو مزايدةً تضرُّ ولا تنفع. فتضحياتُنا جميعاً مقدّسة. والخطرُ، أكان أمنيّاً أو اقتصادياً، لن يطالَ فئةً دون أخرى.

أيها الجيشُ الأبيّ، أيها اللبنانيون، لقد حرصتُ، التزاماً مني بخطابِ القسم، على تسهيلِ تشكيلِ حكومةٍ في أسرعِ وقتٍ ممكن، كي لا يصبحَ فراغُ مؤسساتنا الدستورية هو القاعدة. حكومةٌ ضمّت نخبةً من الكفاءات. خطيئتُهم الوحيدة أنهم يعملون بصمت. بما زادَ من تململِ الناس الرازحين تحت وطأةِ انهيارٍ اقتصادي، هو نتيجةُ تراكماتِ عشرات السنين. إلاّ أنه من واجبي في هذه المناسبة الوطنية، أن أذكّرَ بأن حكومةَ الرئيس نواف سلام، قد أعطت الأولوية لستة ملفات، نظراً لحدودِ ولايتِها الزمنية، دون أن تُغفلَ ملفاتٍ أخرى.
أولاً إعادةُ بناءِ ثقةِ الناس بالقضاء، وثقةِ القضاءِ بذاتِه. وقد شكّلنا مجلسَ قضاءٍ جديداً، يشهد الجميعُ على مناقبية أعضائه. وهيئةَ تفتيشٍ قضائيٍ جاهزةً للمحاسبة. كما سأوقّعُ مرسومَ التشكيلاتِ القضائية فور ورودها، إنطلاقاً من ثقتي بالمجلسِ الأعلى للقضاء. وهي الثقةُ ذاتُها تتجهُ إلى مجلسِ شورى الدولة وديوانِ المحاسبة. وقد بدأنا نشعرُ بتغيّر أكيدٍ في مجرى العدالة. ابتداءً من تحريكِ قضيةِ التحقيقِ في تفجيرِ مرفأِ بيروت. وبدأت تسقطُ محرّمات وتُرفعُ حصانات وتُلاحَق وتُسجَنُ شخصياتٌ متورطة في ملفات، بلا حمايةٍ من أحد، ولا حصانةٍ من جهة، إلا القانونُ والعدالة والحق. بالطبع هذه بدايةُ مسارِ المحاسبة الطويل. وحدَهم القضاةُ مسؤولون عنه. وقد أقرّت الحكومة مشروعَ تعزيزِ استقلاليةِ السلطة القضائية، وأحالته الى المجلسِ النيابي. على أملِ إقرارِه في جلستِه المنعقدة اليوم. وأقولُها لكم من دون ترددٍ أو غموض، القضاءُ مطلقُ اليدين لمكافحةِ الفسادِ والمحاسبة وإحقاقِ الحقِ وتكريسِ مبدأِ المساواةِ أمام العدالة. وهو مسارٌ تصاعديٌ وغيرُ كيدي، يتطلَبُ تراكمَ تجارب، وإيماناً بالجسمِ القضائي، وبقدرتِه على التفلّتِ من ضغطٍ سياسيٍ أو إعلاميٍ أو شعبوي. لأن مصيرَ لبنانَ مرتبطٌ بمصيرِ ضمائرِ القضاة.
أما الملفُ الثاني للحكومة، فكان أولويةَ ضبطِ الأمنِ وحصرِ السلاح. بالتوازي مع تحضيرِ ملفاتِ إعادةِ الإعمار.
حيث تم تعيين مجلسِ إدارةٍ لمجلسِ الإنماء والإعمار. وبدأت ورشةُ مسحِ الأضرار وتحضيرِ خططِ الإعمارِ، التي حملتها في رحلاتي الخارجية، إلى الدولِ الشقيقة والصديقة، لجمعِ التمويل اللازم لذلك.
وأتت التشكيلاتُ العسكرية والأمنية متوافقةً مع التحديات، لجهةِ فرضِ سلطةِ الدولة على كاملِ أراضيها، وضبطِ التهريبِ في المطارِ والمرافئِ والمرافقِ الحدودية كافة. ومكافحةِ عملياتِ تبييض الأموالِ والارهاب، من خلال تفكيكِ الخلايا النائمة وضربِ محاولاتِ تشكيلِ خلايا جديدة. ولن نسمحَ لأي إرهابٍ كان، وتحت أي مسميّاتٍ تَلَطّى، أو مِن أيِ جهةٍ أتى، أن يتجرّأَ على تهديدِ شعبِنا ومكوّناتِنا ومقدساتِها، وسلمِنا ووحدتِنا.

الملفُ الثالث فهو حقوقُ المودعين. وهو من أصعبِ الملفات، نتيجةَ عدمِ معالجتِه في السنواتِ الماضية. وقد أحالت الحكومة عدةَ مشاريعِ قوانين الى المجلسِ النيابي، لضمانِ هذه الحقوق. ومنها رفعُ السريةِ المصرفية، وهيكلةُ المصارف. وهي بصددِ إعدادِ مشروعِ قانونٍ، لتحديدِ مسؤولياتِ الفجوةِ المالية، واستكمالِ التفاوضِ مع صندوقِ النقدِ الدولي، وتحديدِ آليةِ وأصولِ عودةِ الودائع، وانطلاق، النهوضِ الاقتصادي.
كما أن التعييناتِ في مصرفِ لبنان وهيئةِ الرقابة على المصارف، وقريباً في هيئةِ الأسواقِ المالية، ستساهمُ في تشكيلِ رافعةٍ للحفاظِ على سياسةٍ نقديةٍ تُنعشُ الاقتصادَ، وتُحيي القطاعَ المصرفي الضروري، لبناءِ اقتصادٍ وعودةِ الاستثمارات.
الأولوية الرابعة، فهي ملفُ إعادةِ هيكلةِ الإدارة. بدءاً من إجراءِ التعييناتِ الدبلوماسية والإدارية، لا سيما في الهيئاتِ الناظمة، والتي يُعيَّنُ بعضُها لأولِ مرة، منذ العام 2002. وهي ستكونُ الأساسَ في إصلاحِ قطاعاتِ الكهرباءِ والاتصالاتِ والطيرانِ المدني وغيرِها. كما العملُ جارٍ على رَقمنةِ الإدارة واعتمادِ “الرقمِ الموحّد”، لما له من انعكاسٍ مباشرٍ على ورشةِ مكافحةِ الفساد وتسريعِ المعاملات وضبطِ الهدرِ في الاداراتِ كافة.
يبقى الملفُ الخامس، هو ملفُ الانتخابات. حيث أُجريت الانتخاباتُ البلدية والاختيارية، في مناخٍ من الأمانِ والشفافية والنزاهة. علماً أن إحياءَ عملِ البلديات، سيكونُ له الأثرُ الإيجابي على إنماءِ المناطق، والدفعُ نحو إقرار قانونِ اللامركزية الادارية، لا سيما بعد أن صوّتَ المجلسُ النيابي على قانونِ تفعيلِ العملِ البلدي. فضلاً عن اهتمامِ الحكومة باستحقاقِ الانتخابات النيابية المفصلي لجهة الدفعِ نحو إقرارِ التعديلات الضرورية على القانونِ الحالي. وهو ما يُدرسُ الآن في المجلسِ النيابي. مع التأكيدِ على إجراءِ هذه الانتخاباتِ في موعدِها المحدد، وحفظِ حقِ اللبنانيين خارجَ وطنِهم، في الاقتراع. وهذا حقٌ اكتسبوه منذ العام 2018.

عملنا على إعادةِ لبنانَ الى محيطِه العربي والمجتمعِ الدولي. من خلال الزياراتِ التي قمتُ بها الى عدةِ دولٍ أجنبية وعربية، أعادتِ البحثَ في إحياءِ اتفاقياتٍ نائمة. كما أدّت الى إعادةِ فتحِ سفاراتٍ، أو تعيينِ سفراءَ معتمَدين في بيروت، وعودةِ سيّاحٍ، عربٍ وأجانب.
وفي هذا المجال تلقينا مبادرةً مشكورةً من الأخوة السعوديين، للمساعدةِ على تسريعِ الترتيبات الضرورية لاستقرارِ الحدودِ بين لبنانَ وسوريا. فلبنانُ حريصٌ على بناءِ علاقاتٍ ممتازة مع الجارةِ سوريا، لمصلحةِ كلا البلدين. فازدهارُ واحدِنا هو من ازدهارِ الآخر. تماماً كما كلُ ألمٍ مشتركٌ بيننا.

أيها الجيش اللبناني الأبيّ،
لقد دفعتُ الكثيرَ من رصيدي الشعبي، كي أُجنّبَك وأجنّبَ الشعبَ اللبناني حروباً أو صراعاتٍ عبثية. ولكنَّ ساعةَ الحقيقة بدأت تدق. فالمنطقة من حولِنا في غليانٍ، وهي تتأرجحُ بين حفةِ الهاوية وسُلّمِ الازدهار. فعلينا اليومَ أن نختارَ، إما الانهيار، وإما الاستقرار.
أنا اخترتُ العبورَ معكم، بوطنِنا لبنانَ نحو مستقبلٍ أفضلَ لجميع أبنائِه.
معاً، لن نُفرِّطَ بفرصةِ إنقاذِ لبنان. ولن نتهاونَ مع من لا يعنيه إنقاذٌ، أو لا يَهمُه وطن.
معاً، نريدُ حفظَ كرامةِ كلِ لبناني. وصونَ قضيةِ كلِ شهيد.
معاً نريدُ استعادةَ دولةٍ تحمي الجميع.
فلا تستقوي فئةٌ بخارجٍ، ولا بسلاحٍ، ولا بمحورٍ، ولا بامتدادٍ ولا بعمقٍ خارجي ولا بتبدّلِ موازين.
بل نستقوي جميعاً بوحدتِنا ووفاقِنا وجيشِنا، وأجهزتنا الأمنية لمواجهةِ أيِ عدوانٍ كان.
نريد استعادةَ دولةٍ، هي خُلاصةُ إراداتِنا، وتجسيدٌ لميثاقِنا، وثمرةُ تضحياتِنا. وهي وحدَها التي تحمينا.
إن الاستحقاقَ داهمٌ والمسؤوليةُ شاملة.
وطالما أن اللبنانيين معكم، مع صلابةِ إرادتكم، وحكمةِ قيادتِكم، انا واثقٌ بأنّ مشروعَ الدولة سينتصر!
فابقَ أيها الجيش على أُهبةِ الاستعدادِ للدفاعِ عن لبنانَ وعن حياةِ شعبِه ومصالحِ أهاليه. وأنا لا أنتظرُ من المكوّناتِ السياسية في مجلسيْ النوابِ والوزراء، إلّا الإصطفافَ خلفَك في مهمتِك التاريخية. لكي نترحّمَ في عيدِ تأسيسِك، على المؤسِّسِ الرئيس فؤاد شهاب. لا أن يترحّمَ علينا العالمُ متفرّجاً.
لذا كلّي ثقة بحكمة رجالاتِ ونساءِ بلادي. من قادةِ الأحزابِ والنوابِ والوزراء، والمرجعياتِ الدينية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والثقافية وغيرها، ومن كلِ لبناني حرٍّ حريص، بأنْ نتخذَ معاً، بشجاعةٍ ومسؤولية، قراراً تاريخياً، يقضي بتفويضِ جيشِنا الوطني وحدَه، حَملَ السلاحِ عنّا كلنا، وحمايةَ الحدودِ عنّا جميعاً. فشرعيّتُنا من شرعيّةِ جيشِنا. وكرامتُنا من كرامته.
فالعيدُ لن يكتملَ إلّا باكتمالِ التحرير. والعيدُ لن يكتملَ إلّا بإنجازِ الترسيم. والعيدُ لن يكتملَ إلّا بحصريةِ سلاحك، والمباشرة بالإعمار، ليتصالحَ لبنانُ مع دورِه ورسالتِه.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
عاش الجيش .
عاش لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us