اللبنانيون يحيون “عيد السيدة”: صلوات لوطن يرجو القيامة والرجاء

يحتفل اللبنانيون في 15 آب من كلّ عام بعيد السيدة العذراء، أحد أبرز الأعياد الدينية التي تجمع المسيحيين من مختلف الطوائف. وتتخلّل المناسبة قداديس وصلوات وزيارات للمزارات والكنائس المكرّسة للعذراء مريم، فيما تشهد بعض المناطق مسيرات ومهرجانات شعبية تعبيرًا عن الفرح والتمسّك بالتقاليد الروحية والتراثية. ويشكّل العيد محطةً سنويةً لتعزيز قيم الإيمان والمحبة والتلاقي بين أبناء الوطن.
في هذا السياق، احتفلت الطوائف المسيحية في قضاء الكورة بعيد رقاد السيدة العذراء، فأقيمت للمناسبة القداديس والصلوات والزياحات الاحتفالية في مختلف الكنائس.
وترأس رئيس دير سيدة البلمند البطريركي الأرشمندريت جورج يعقوب، القداس الاحتفالي الذي أقيم في دير سيدة البلمند لمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء، يعاونه لفيف من الكهنة وبحضور حشد من المؤمنين.
بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى الأرشمندريت يعقوب عظةً هنأ فيها المؤمنين بالعيد، ناقلًا بركات ومعايدة البطريرك اليازجي، ثم تناول فيها معنى هذا العيد وأهميته، عارضًا لمفهوم الأيقونة وأهميتها في الكنيسة الأرثوذكسية، وشدّد على “مسؤوليتنا كأبناء الكنيسة بتصرّفاتنا وإيماننا واعتمادنا على شفاعة العذراء”.
تلاها زياح السيدة في ساحة الدير، ومن ثم غداء ومائدة محبة لجميع المؤمنين والمشاركين.
كما ترأس الأب موسى شاطرية بالمناسبة صلاة الغروب ورتبة كسر الخبزات في كنيسة القديس نيقولاوس العجائبي في بلدة برسا.
وأحيت كنيسة سيدة الحارة في إهدن المناسبة بسلسلة نشاطات روحية وطقسية، تزامنًا مع الاحتفالات والقداديس التي شهدتها كنيسة سيدة زغرتا بمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء مريم إلى السماء.
وتنوّعت الفعّاليات بين قداديس احتفالية وصلوات تكريمية للعذراء مريم، تخلّلها تراتيل ومسبحات وردية، رفع خلالها المؤمنون الصلوات طالبين شفاعتها من أجل السلام في لبنان والعالم، وحماية العائلات والشباب.
وشارك في هذه المناسبة عدد كبير من أبناء البلدة والزوار، الذين توافدوا للمشاركة في الطقوس وسط أجواء إيمانية مميّزة، عكست عمق الارتباط الروحي بالعذراء مريم وتقاليد البلدة المتوارثة في إحياء عيدها.
واختتمت الاحتفالات بزياح مهيب لتمثال السيدة العذراء في باحة الكنيسة، وسط إضاءة الشموع وترديد الأناشيد المريمية، في مشهد جسّد وحدة أبناء الرعية وإيمانهم الراسخ.
في حين أحيت المرنّمة الشابة ماريان ريمون بشارة “ريسيتالًا مريميًا” ضمن احتفالات عيد سيدة الانتقال في بلدة عينطورين، بمشاركة كلّ من كارلوس أغوبيان على البيانو، آلان الشيخ وفا على العود، فيكتوريا الحاج على الكمان، وجوشوا الدويهي على الإيقاع، كما شاركها الطفل شربل بارمو في أداء إحدى الترانيم.
حضر الاحتفال خادم الرعية، رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي، وكلاء الوقف، إلى جانب حشد من أهالي البلدة والأصدقاء.
واختتم اللقاء بقطع قالب حلوى في صالون الرعية وسط أجواء من الفرح والابتهاج.
رجاء لبنان في عيد السيدة
وأعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أنه “في عيد سيّدة الانتقال، نرفع أنظارنا إلى لبنان الجريح، المتألّم، لكنّه الغنيّ بنعمة العناية الإلهيّة، وببقائه في عناية سيّدة لبنان، على الرغم من الأزمات والانهيارات المتراكمة”.
ورفع البطريرك الراعي الصلاة من أجل “جميع المسؤولين، كي يوقظ الله فيهم الحسّ الوطنيّ الصادق، لا حبّ الذات والمصالح الخاصّة، بل حبّ الوطن وكرامة الشعب. فلبنان بحاجة إلينا جميعًا، مقيمين ومنتشرين، لنبنيه من جديد بقوّة الرجاء، على مثال مريم العذراء التي آمنت فتمّت لها المواعيد. والله ما زال يصنع به العظائم، لأنّه وطن الرسالة والدعوة، وطن القداسة والشهادة، وطن الشراكة والتنوّع، أرض أرادها الله منارةً في هذا الشرق. إذا قبل لبنان واقع ألمه بتواضع وتوبة، وإذا سلك طريق تنقية الذاكرة والحياد، يكون قادرًا على أن ينتقل من زمن الانهيار، إلى زمن القيامة، من الضياع إلى الثبات، من الفراغ إلى البناء”.
وأضاف الراعي في عظة قداس العيد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان: “هذا يقتضي منّا جميعًا إرادة وطنيّة صادقة، وجهدًا مستمرًّا للخروج من ذهنيّة المحاصصة والتعطيل والانغلاق، نحو فكر وطنيّ جامع، يوحّد ولا يفرّق. ولبنان مشروع ثابت لدولة مدنيّة، عادلة، قادرة وفاعلة تحترم الدستور وتطبّق القوانين، وتكفل الحقوق والكرامات”.
وتابع: “في ظلّ عيد الانتقال، نرفع أفكارنا وقلوبنا إلى أمّنا مريم العذراء حامية هذا الشرق، ونضع بين يديها وطننا لبنان الجريح. نلتمس شفاعتها من أجل خلاصه، ومن أجل قيامة شعبنا إلى نور الرجاء والخلاص. ونرفع المجد والتعظيم لله على عظائمه، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.
كما أعلن متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، أننا “نجد في هذا العيد دعوةً واضحةً للعيش في انتظار رقادنا، لا كأمر نخافه، بل كموعد لقاء مع الرب. يقول القديس أثناسيوس الكبير: المسيحي لا يموت، بل ينام في الرب وينتقل إليه. فكما عبرت والدة الإله، مثال النقاوة والطاعة، من هذا العالم، نحن أيضًا مدعوون لنتهيّأ لذلك العبور بتوبةٍ صادقةٍ وإيمانٍ عامرٍ بالمحبّة، وكلما اقتربنا منها بالصلاة، اقتربنا من ابنها، لأنّها لا تحتفظ بشيء لنفسها، بل تقود كل ملتجئ إليها نحو المسيح. إنّها لا تنسى أولادها المجاهدين على الأرض، بل تظل حاضرةً في حياتهم”.
وأضاف عوده في عظة قداس عيد السيدة في كنيسة نياح السيدة – رأس بيروت: “لعلّ أبهى ما نراه في أيقونة الرقاد هو صورة المسيح حاملًا بين يديه نفس أمه على شكل طفلة صغيرة، كأنّها تولد من جديد إلى الحياة الأبدية. هذا يذكّرنا بأن الموت ليس النهاية، بل بداية الميلاد الثاني في السماء، وهو أيضًا علامة رجاء لنا بأننا سنقف أمام المسيح في ذلك اليوم، إذا ثبتنا في الإيمان، ليحملنا إلى ملكوته كما حمل أمه”.
تمنيات
في إطارٍ متصلٍ، كتب النائب راجي السعد عبر منصة “إكس”: “عيد مبارك للجميع. العدرا تحميكم وتحمي لبنان”.
بدوره، كتب رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان على منصّة “إكس”: “الدعوة إلى المحبّة والتسامح وترسيخ روح المواطَنة والانتماء الوطني، قد يراها كثيرون أمرًا من الماضي أو غير مناسب لزمننا الحالي. لكنّنا في خلدة، وفي مدرسة الزعيم الوطني الأمير مجيد أرسلان، لا نعرف سوى هذه المبادئ والقيم. وفي عيد السيّدة، نتمنّى للبنان أن ينعم بالاستقرار والازدهار، وأن تسود بين أبنائه روحيّة هذه المبادئ والقيم. كلّ عيد واللبنانيون وأبناء الطوائف المسيحية بخير”.