في ذكرى انتخاب بشير الجميل… هذا ما قاله شهيد لبنان في خطاب القسَم!

إنّها الذكرى الـ43 لانتخاب بشير الجميّل رئيسًا للجمهورية، بشير الذي كان يطمح إلى بناء جمهورية قوية، وتأسيس دولة “لبنان”، لبنان السيد الحر المستقل.
في هذه الذكرى، وبالتزامن مع التطورات الكبيرة التي عصفت بالساحة السياسية، والتي تترجم إلى حدٍّ كبيرٍ رؤية بشير الجميل، نستعيد خطاب القسَم الذي ألقاه الشهيد عقب انتخابه.
خطاب القسَم الذي ألقاه الرئيس المنتخب بشير الجميل اثر انتخابه في 23 آب 1982:
“دولة الرئيس،
حضرة النواب،
أدّيت مضمون القسَم وها أنا أتلو نصه.
أدّيت مضمونه طوال ثماني سنوات من المقاومة، وأتلو نصه مع بدء ست سنوات من الحكم.
لا أقسم اليمين الدستورية أمامكم لتكونوا شهودًا فحسب، بل شركاء انتخبتموني، ساعدوني.
وإذا قضى النظام الديمقراطي البرلماني بأن يؤدّى القسَم عبر مجلس النواب، دون سواه، فلكي يلزمه قبل سواه مساعدة رئيس الدولة في اشتراع وإقرار كل ما يؤول إلى تنفيذ القسم القاضي باحترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه.
لكن، لا الدستور مصان، ولا القوانين مطبقة، ولا الاستقلال كامل ولا الأرض محررة، ولا الوطن سيد ولا الأمة موحدة، إنّ قسمي هو على روح غائب.
لذلك أحتاج الى استعادة هذه المقدسات، وإعادة الإعتبار إليها، لا إلى احترامها فقط والمحافظة عليها.
وأن تنعقد جلسة القسَم اليوم، في هذا المبنى بالذات، في هذه المنطقة بالذات، بطلب مني يجسّد تصميمي على تحرير كل المؤسسات الدستورية وإعادة النبض إلى قلب عاصمة لبنان.
قد قبلت المهمة، بل أكملها.
الرئاسة قيادة لا حراسة.
الحراسة يقظة جامدة، القيادة يقظة متحركة.
سأتحمّل كل مسؤولياتي بعزم، سأمارس كل صلاحياتي بحزم، سأواجه كل قضية بحسم.
لا تأجيل لاستحقاق، ولا تمييع لموقف، إنّ التأجيل خوف والتمييع ضعف، بينما نحن أمة شجاعة وقوية.
إن المرحلة المقبلة محفوفة باستحقاقات تستوجب اتخاذ القرارات الصريحة والسريعة، وعواقب التردد تفوق مخاطر الإقدام، وإني لمقدم.
ما من عهد وجد نفسه أمام خيارات مصيرية كالعهد الآتي.
كل شيء ينتظر منا موقفًا. ذاتنا وعلاقاتنا، محيطنا ومدانا، مفاهيمنا وممارساتنا، دولتنا ومجتمعنا، سياستنا واقتصادنا، ثقافتنا وحضارتنا.
وكل موقف يراوح بين التطوير والتغيير، النقض والتكملة، لكنه سيتم بهدوء، وتدرج عبر الشرعية التي تمكّن الرئيس الياس سركيس من المحافظة عليها على الرغم من الصعوبات الجمّة.
والشرعية حضور في الشعب، لا وجود في الدولة.
الوجود فعل، الحضور تفاعل.
الوجود هيئة، الحضور هيبة.
الوجود جدلي، الحضور دينامكي.
والشرعية تنمو بمقدار ما تقوم بدورها، وهي تخبو بمقدار ما تتنازل عن هذا الدور، وتقوم الشرعية بتأدية دورها حين تستخدم وسائلها وأجهزتها من دون استثناء ولا استئذان من أجل توفير الأمن والحرية لشعبها من دون تمييز.
اذ ما الفائدة من وجود الدساتير والأنظمة والجيوش والإدارات إذا لم يتمكن الحاكم من الاستعانة بها، لإنقاذ المجتمع والأمة.
وإني بها لمستعين.
إن أولى مهمات الحكم الجديد هي إخلاء سبيل كل مؤسسات الدولة، وسيكون الجيش اللبناني في طليعة المؤسسات العائدة إلى العمل بعد انقطاع قسريّ، سيعود شجاعًا مؤمنًا بالقضية مرتفع المعنويات، وطني الأهداف، شعبي الانتماء، ميداني التنشئة، عملاني القيادة.
فلا تحفّظ بعد اليوم عن أي جهاز ولا رفض لأي إدارة. إن الدولة وحدة لا تتجزأ، تقبل بكليتها أو ترفض بكليتها. ولا يحق أساسًا لأي فئة أن تعارض الشرعية في ممارسة حقوقها، بل واجباتها للدفاع عن شعبها. فالمعارضة تقف عند سياسة الدولة ولا تطاول مؤسساتها.
معارضة سياسة الدولة ربما هي ضرورة برلمانية.
معارضة مؤسسات الدولة هي حتمًا ضرر وطني.
إن مثل هذه السلطة تحقق الوفاق. الوفاق حكم لا لقاء، إرادة وطنية لا إجماع وطني.
الإرادة الوطنية ممارسة ديمقراطية.
الإجماع الوطني تسوية ديمقراطية.
الوفاق قناعات موحدة تجاه الوطن، لا تنازلات متبادلة بين فئات الوطن.
التنازل افتئات من حق، وهذا يترك انزعاجا.
الإقتناع صدى الحق، وهذا يترك ارتياحا.
الوفاق أكثرية موالية وأقلية معارضة، والمعارضة جزء من الوفاق مثلما الموالاة. وإني أعتبر الوفاق تحقّق من خلال جلسة انتخابي رئيسًا للجمهورية، بمن حضرها ومن غاب عنها ومن خلال تأدية القسَم في مجلس النواب بمن انتخبني وبمن لم ينتخبني.
مثل هذا الوفاق يسمح للدولة بإشعال محركات العمل، فتبدأ تصحيح صورة لبنان في الداخل والخارج. إنّ صورتنا مشوهة في ذهن العالم، هي صورة لا تشبهنا، ركبها الغرباء ووزعوها، فعرف العالم جنوبنا من خلال الوجود الفلسطيني، وغرب بيروت من خلال التنظيمات المسلحة، وشمالنا وبقاعنا من خلال الوجود السوري. أمّا اليوم فالدولة قادرة على إزالة هذه الصورة المزوّرة، وتظهير صورة لبنان الصحيحة، لأن مقاومة الشعب اللبناني بكل فئاته، حررت الدولة من التبعية مثلما حررتها معركة الاستقلال من الانتداب.
سنتابع طريق السيادة والاستقلال عبر الشرعية ونكون دولة الأمة لا دولة الإدارة.
دولة الأمة، مؤسسة الطموحات والأحلام التاريخية.
دولة الإدارة، مؤسسة التوظيف والملاكات الرسمية.
وكان لبنان على مر الأجيال هاتين الدولتين معًا، فإذا الأولى افتقرت إلى شرعية السلطة وإذا الثانية افتقدت قضية الشعب.
وكانت الأولى دولة المجموعات الحضارية النازعة إلى الاستقلال، فيما الثانية كانت دولة الطبقات السياسية الطامسة للحقيقة القومية.
وهذه هي المرة الأولى تتسلم فيها الأمة الدولة وحين الأمة تتسلم الدولة تُوطّد مبدأ التعايش بين كل اللبنانيين، وتُسقط شوائب الصيغة، وتحيي الثقة بالميثاق الوطني، فتشعر كل المجموعات الحضارية اللبنانية بأنها مشاركة في الحكم ومسؤولة عن تقرير مصير الوطن، فليس لبنان وطنًا مسيحيًا، إنه وطن المسيحيين والمسلمين اللبنانيين.
حين الأمة تعتلي الدولة، تعود الكرامة الوطنية إلى نصابها، لا خوف ولا قلق، لا غبن وحرمان، لا وصاية وانتداب، لا تبعية واحتلال، لا ضغط وإكراه.
وتنتهي مرحلة الاستضعاف.
لا تدخل في شؤون لبنان الداخلية، لا تسلل عبر الحدود، لا خرق للأجواء والمياه الإقليمية، لا اتفاقات تحت وطأة السلاح، لا تعهدات في ظل الاحتلال، لا غريب يخرج على القانون، لا طارئ يستوطن البلاد، لا دبلوماسي هنا يتعاطى مع غير حكومة لبنان، لا دبلوماسي لبناني هناك ينفذ سياسة غير لبنانية. لا فروع لأحزاب مستوردة، لا حرب عصابات بين أجهزة المخابرات، ولا أمن مستعارًا.
إن كل القوات الغريبة الموجودة داخل الأراضي اللبنانية مدعوة الى الانسحاب ليتولى الجيش اللبناني بمعاونة أجهزة الأمن اللبنانية بسط سلطة الدولة وتوفير الأمن على طول حدود الوطن بحيث تكون حدودنا مصدر طمأنينة وسياج سلام لجيراننا ومظهر سيادة لاستقلالنا.
حان الأوان، لتنقية وجودنا وممارسة حق تقرير المصير.
إن جوهر القضية اللبنانية هو حرية شعب لا وحدة أرض.
الأرض الموحدة لا تحرر شعبًا محتلًا، بينما الشعب الحر يوحد أرضًا مقسمةً. وسنوحد لبنان ليكون وطن الحريات.
إن وجودنا الحر عنصر اسقرار لسياسات كل دول الشرق الاوسط، ووجودنا الآمن عنصر استقرار لأنظمتها، ووجودنا الموحد هو عنصر اسقرار لكياناتها. وبقدر ما نحرص على حرية الآخرين وأمنهم ووحدتهم، حريّ بالآخرين أن يحرصوا على أمننا وحريتنا ووحدتنا، ويتفهموا دقة موقفنا. فلا يستطيع لبنان أن يعاكس حركة السلام في المنطقة، لأنها تعكس جوهر وجوده وتفوق قدرته على مواجهتها. كما لا يستطيع لبنان أن يعاكس حركة التغيير في المنطقة لأنها تنسجم مع أحلامه وتعطيه حقّه في حصر إرث هذا الشرق.
والحرب أساسًا كانت على لبنان، نتيجة سيره المعاكس في حركة السلام والتغيير في المنطقة. وحاول العالم أن يحمّلنا مسؤولية هذه المخالفة ويدفعنا ثمنها من صيغتنا ووحدتنا، من أمننا وحريتنا، إلّا أننا لسنا مستعدين بعد اليوم لإكمال المخالفة.
يكفي لبنان خرابًا ودمارًا، شهداء ومعاقين، يكفيه أرامل وأيتامًا، مشردين ومهجرين، نريد لأولادنا غدًا أفضل.
أجل، إن حرب لبنان انعكاس لمعركة حصر الإرث بين الديانات الثلاث، الموزعة بين دول المنطقة وشعوبها. بعض هذه الدول والشعوب حاولت أن تشدنا صوبها، كل واحدة تطلب أن نشهد لها، ولما رفضنا ادّعت علينا، ووضعتنا في قفص الإتهام واقترعت على أرضنا، وشتّتت شعبنا وحكمت علينا بالموت، فأصبنا ولم نمت، قمنا نشهد للبنان، ونشهد عليهم ونشهد دولًا تُعيد الشرق إلى عهد الخلفاء، ودولًا أخرى تعيده إلى عهد الأنبياء.
إن لبنان متمسك بانتمائه المشرقي وبروابطه العربية، وبقدر ما سننمي انتماءنا المشرقي لنستأنف دورنا الحضاري، سنعزز روابطنا العربية.
إن إختلالًا يعتري اليوم العلاقات اللبنانية العربية بسبب تعاطي أنظمة عربية في شؤون لبنان، وإعادة التوازن إلى هذه العلاقات تقضي بأن تميّز الدول العربية علاقاتها مع لبنان لا تطلب منه فقط تمييز علاقته معها، بأن تصبح العلاقات الدبلوماسية الطبيعية هي القناة المميزة للاتصالات مع كل جامعة الدول العربية التي نحن فيها أعضاء مؤسسون، وبأن تساهم كل الدول العربية في سلام لبنان، بعدما ساهم بعضها في حربه.
ومثلما نعرف العرب الذين ساهموا مع الأعداء في الحرب، وإننا غافرون لهم، نعرف العرب الذين ساهموا مع الأصدقاء في حل أزمتنا، وإننا ممتنون لهم.
ولكن لا يعقل أن نساوي في علاقاتنا الخارجية بين الذين اشتركوا في الحرب علينا، والذين أسهموا في إنقاذنا. بين الذين يدعمون الاحتلالات والذين يخرجونها. سنختار أصدقاءنا وحلفاءنا، نعامل كما نعامل، ولن تتحكم في علاقاتنا الخارجية أي عقدة، وإن مكاننا الطبيعي هو في العالم الحر، ومعه سنكون شركاءه في العالم عوض أن نكون ضحاياه في المنطقة.
دولة الرئيس،
حضرة النواب،
في الوقت الذي تتم عملية التسليم والتسلم على مستوى الدولة بين عهد وعهد، يجب أن تتم عملية تسليم وتسلم على مستوى المجتمع بين ذهنية وذهنية، بحيث نحدد مفهوم المجتمع الجديد ودوره، مثلما حددنا مفهوم الدولة الجديدة ودورها.
يجب أن يبقى مجتمعنا اللبناني أصيلًا، حرًّا، منفتحًا، ومتعدّدًا.
أصالته التراثية لا تعوق انطلاقته الكونية.
انفتاحه الشمولي لا يطغى على جوهره الذاتي.
حريته المتنوعة لا تسيء إلى حرمة نظامه.
تعدديته الحضارية لا ثؤثر في وحدته السياسية والكيانية.
فلا أولوية في الولاء، ولا شركة في الولاء، ولا ولاء إلا للبنان.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني طموحًا يجسّد التراث، يواكب التقدم، يحتاط للمستقبل، يغرف من المعرفة، يتمسك بالقيم، يتعظ بالأحداث، ينظر إلى البعيد سياسيًا وأمنيًا وإلى فوق روحيًا ومثاليًا. بارتقائه يسمو على المصالح العسكرية والاقتصادية إلى الأهداف الإنسانية الكبرى كالازدهار والاستقرار والسعادة، ويجعل ثقافته استطلاعًا للآتي لا مجرد اطلاع على الماضي.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني وجدانيًا، يتمتع بحياء، يقلص الحسد، يقرّب بين الطبقات، يتفادى الثورات، يتبع نمط عيش ولا ورم فيه ولا تضخم، لا زيف فيه ولا تصنّع، لا ترف فيه ولا دلع، يتحسّس آلام الغير، يتذكر المحن، يصلي للشهداء، يهتم بمصابي الحرب، يعاني قضايا المصير، يتقبل التضحيات، يؤمن للمرأة دورها، يتذوق الفنون، يحافظ على الطبيعة ويحب القرية لأن كيان الوطن من كيان القرية.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني موحدًا لمفاهيم أفكاره ومعنى كلماته، فتعني السيادة سيادة، والأمن أمنًا، والحرية حريةً، والاستقلال استقلالًا، وكل كلمة تعني المعنى نفسه عند كل مواطن.
لكن هذا المجتمع المثالي يحتاج إلى مواثيق ترعاه، وتوفر له أسباب الحياة الحرة الكريمة، وأول المواثيق الضرورية ميثاق اقتصادي اجتماعي يستند إلى الحرية والتخطيط كقاعدة، وإلى الإنتاج وتكافؤ الفرص كنهج، وإلى المشاركة كأسلوب، ويفرض العدالة الاجتماعية والرفاهية لأن الحياة تستأهل أن نتنعم بها مثلما الوطن يستحق أن نضحي من أجله، بل ما كان الوطن يستلزم تضحيات هائلة لو نحن مارسنا حياة هادئة ومنظمة.
من هنا، إن تطبيق مبادئ الميثاق الاقتصادي الاجتماعي، يجب أن يؤدي إلى إزالة الاحتكار والامتيازات، الاستئثار والتجاوزات، وأن يشمل الإنماء والاستثمار كل أراضي الوطن بحسب ثرواتها ومواردها وخصائصها. فلا ينمو قطاع على حساب آخر، ولا تأكل منطقة أخرى ولا تتطفل منطقة على أخرى، هكذا تخدم الدولة المواطن، وهكذا يرتبط المواطن بالأرض وتبقى الأوطان.
وفي هذا السياق، أدعو اللبنانيين المغتربين إلى العودة، إذ لا يجوز أن يفوق عدد المغتربين عدد المقيمين، ولا يجوز أن يزاحم عدد الغرباء عدد المواطنين، ولا يجوز أن يؤثر الغرباء في مصير الوطن، ويمنع عن المغتربين المشاركة في مصيره. كما أدعو الخبرات اللبنانية العاملة في الخارج إلى العودة تدريجيًا لتكون سلاحًا في يد لبنان لا سلاحًا في يد الغير ضده، وإذ أوجه هاتين الدعوتين فلأن لبنان كوطن وأمة يحتاج إلى أبنائه المغتربين لإزالة الالتباس عن هويته، ولبنان كدولة وإدارة يحتاج إلى خبراته المهاجرة لملء مؤسّساته وإعمار مجتمعه.
ثمة مكان لكل مواطن في لبنان ولا مكان إلا لهم.
على أن دعوة المغتربين والهاجرين لا تنسيني دعوة المقيمين.
إني أتوجه إليكم، أنتم الذين بقيتم هنا تحافظون على الأرض، فلم يبذل شعب لأمة مثلما بذلتم للبنان، ولم يتحمّل شعب من دولة مثلما تحمّلتم من دولة لبنان، ولم يقاوم شعب احتلالًا مثلما قاومتم محتلي لبنان. فإذا بالوطن بعد تضحياتكم وشهدائكم يصبح أرض أطفالنا وأحفادنا لا أرض آبائنا وأجدادنا فحسب.
أيها اللبنانيون،
أيًّا كنتم وأنّى كنتم، أدعوكم إلى تحسس مدى المسؤولية التاريخية، إلى وضع حدٍّ نهائي للانقسام والتعصب وسوء الظن والفهم، إلى وقف الممارسات البالية والاتهامات الباطلة، إلى إزالة الأحقاد وتصفية القلوب، إلى رفع الحواجز وتكثيف التلاقي لنبدأ فورًا مسيرة الإنقاذ وورشة الإعمار والنهضة الكبيرة.
أدعوكم، مواطنين ومسؤولين إلى الالتفاف حول الشرعية.
أدعوكم إلى بناء دولة الأمة.
أدعوكم إلى وقفة واقعية تعي المتغيرات فتقتنعوا بها وتتكيفوا معها. إن تطورات جذرية طرأت على الوضع في لبنان والمنطقة مع مر الأيام والأشهر والسنوات، فلنكن على مستواها ولنلتقطها بتوثب وتصميم ولا نضيعها بأعمال صغيرة.
لدخول الحرب ألف مدخل وألف زمن، ولكن ليس سوى مدخل واحد وزمن واحد لدخول السلام. إنه الآن.
هذه هي اللحظة التاريخية لبناء دولة الأمة، التي طالما حلمنا بها وهيأنا لها الطريق بالعزم والدم، بالتضحيات والشهداء.
إنها لحظة تحمل في ذراتها روح كل شهيد مات في لحظة ما من أجل هذه اللحظة. وسأكون أمينًا لكل شهداء لبنان لأنهم كلهم ماتوا من أجل لبنان ولأن من لا يكون أمينًا لمن ذهب، لن يكون أمينًا لمن بقي.
إن دولة الأمة تطل على العالم، تولد مع ولادات أخرى في هذا الشرق.
كل شعوب المنطقة أخذت نصيبها، أو هي في طور أن تأخذه ولا أحد أحقّ منا كلبنانيين في أن يكون له دولة حرة في هذا الشرق.
من دوننا لن يبقى الشرق شرقًا كما يقول بيار الجميل، من دوننا تنقص شعوبه، يفرغ من أهل النهضة ويفقد خط اتصاله مع الله.
دولة الرئيس،
حضرة النواب،
إن ولادة الأمم أصعب من هدمها كما إن تضحيات السلام أصعب من تضحيات الحرب. الأولى عزّ، الثانية عزيزة.
فليكن سلام وطننا على حجم وعينا وجديتنا وقوتنا كما جاءت الحرب على حجم اتكاليتنا وإهمالنا وضعفنا.
إن الوطن مشروع ناقص دائمًا، يتطلب إكماله بصورة متواصلة، وهو استحقاق لا انتماء فحسب. ليس الوطن ولادة بل معمودية.
الولادة تجعلك إنسانًا، المعمودية تجعلك مواطنًا.
الولادة تجعلك مساهمًا في الأرض، المعمودية تجعلك مساهمًا في الوطن.
الوطن لا يتوزع علينا، بل نحن ننتشر فيه.
ليس الوطن إرثا إنه تراث. لسلام هذا الوطن، أرهن نفسي وأضع بتصرفه كل إمكاناتي وأوظف فيه كل قدراتي.
إن بلادي مرشحة لدور خاص ورائد في الشرق.
هوذا قدرنا منذ وُجدنا.
وإن ميثاقها الحقيقي هو بين العظمة والتواضع، بين الانتصار والنجاح، بين الحكمة والقوة، بين الشهادة والحياة”.
مواضيع ذات صلة :
![]() حين انتصرت الجمهورية لأول مرة منذ 43 عامًا… | ![]() حنكش: نشعر أننا بدأنا نحقق ما حلم به البشير | ![]() 23 آب 1982… حلم بشير الجميل لم يَمُتْ! |