عظات الأحد: لا خلاص للبنان إلا بالغفران… والإيمان الحيّ هو السبيل إلى القيامة الوطنية

تطرقت عظات اليوم إلى الأوضاع التي يمرّ بها لبنان، مشددةً على أهمية العودة إلى القيم الروحية والإنسانية، ومؤكدة أنّ لبنان اليوم بحاجة إلى الإيمان، وأن لا خلاص له إلا بالغفران.
في السياق، توجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى كلّ مسؤول وسياسيّ ومواطن في الدولة، بـ”الدعوة ليدركوا أنّ الإيمان الحقيقيّ يُترجم في الأمانة، في الإصلاح، في التمسّك بالوحدة الوطنيّة، وفي العمل لأجل الخير العام لا المصالح الضيّقة، الوطن لا يُبنى بالصراعات بل بالثقة. لا ينهض بالوعود بل بالأفعال. لا يحيا بالشعارات بل بالعدل والحقّ. وكما خرجت المرأة من حدودها الجغرافيّة، وصرخت بثقة، نحن أيضًا مدعوّون للخروج من حدود إنقساماتنا ومخاوفنا، لنرفع صوتنا بوجه كلّ من يهدّد وجودنا وكياننا ورسالتنا”.
وقال الراعي في عظة قداس الأحد في الديمان: “يحتاج لبنان اليوم إلى إيمان حيّ يُترجم بالثبات في الأرض، بالمحافظة على الكرامة الوطنيّة، بالدفاع عن سيادته على كامل أرضه، وعن حرّيته، وبإيجاد سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة تقي أبناءه من الهجرة، ومن بيع أراضيهم”، مشيراً إلى أنّ “مسؤوليّة القيّمين على الشأن العام كبيرة؛ فعليهم أن يتخطّوا منطق المصالح الشخصيّة، وأن ينفتحوا على الخير العام، ويضعوا خدمة الشعب قبل خدمة الذات. وعلى السياسيّين الإصغاء إلى صرخة الشعب المقهور، ووضع يدهم بيد الآخرين من أجل قيام دولة السيادة الكاملة والعدالة والقانون”.
وقال: “لا يمكن للوطن أن ينهض من أزماته، إلّا اذا استعاد قيم الإيمان والرجاء، وإذا اجتمع أبناؤه حول مشروع وطنيّ جامع، لا حول مصالح ضيّقة وانقسامات قاتلة”.
وختم الراعي عظته قائلاً: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، كي يمنحنا الله نعمة الإيمان المثابر؛ وكي يفتح قلوبنا على الرجاء، ويشفينا جميعًا من جراح الماضي والحاضر، ويساعدنا على تنقية الذاكرة. فنرفع المجد والشكر للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين”.
بدوره، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران الياس عودة، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت. وبعد تلاوة الإنجيل، ألقى عظة ركّز فيها على قيمة الغفران كدعامة أساسية للحياة المسيحية وللسلام الاجتماعي.
وقال عودة إنّ “الحياة المسيحية ليست طقوسًا أو معرفة لاهوتية وحسب، بل هي تطبيق عملي ومسيرة نحو التشبه بالمسيح الذي غفر لصالبيه وهو على الصليب”، مشددًا على أنّ “الرب البريء غفر لقاتليه، فينبغي علينا نحن الخطأة المديونون أن نغفر لإخوتنا”. واستشهد بما قاله القديس إسحق السرياني: “القلب الرحوم هو موضع سكنى الله، ومن لا يرحم فقد أغلق قلبه عن نعمة الروح”.
وأضاف أن مثل اليوم هو دعوة عملية للغفران، داعيًا المؤمنين إلى أن يتذكروا دوماً “كم أسأنا نحن إلى إخوتنا وإلى الله، وكم غفر لنا بدم ابنه”، مشيرًا إلى أنّ الغفران لا يُعد منّة أو فضلًا على الآخرين، بل هو “حفظ لغفران الله علينا، وخبرة لحرية القلب وسلامه”.
وتابع: “إذا وجدنا قلبنا عاجزًا عن الغفران، فلنطلب إلى الله أن يلينه، ولنترك له الحكم العادل علينا وعلى من أساء إلينا”. واعتبر أن لبنان بأمسّ الحاجة اليوم إلى الغفران وتجاوز الأحقاد والخلافات، والتعلّم من الماضي لبناء مستقبل أكثر سلامًا واستقرارًا وأمانًا وازدهارًا.
ولفت إلى أن “وحدهما الغفران والمسامحة قادران على انتشال البلد من دوامة الصراعات والاتهامات والإدانات المتبادلة”، مستشهدًا بقول بولس الرسول: «الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رو 3: 23)، وبالآية الإنجيلية: «ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله» (مت 19: 17). وأكد أن الغفران يتطلب توبة صادقة وتواضعًا من الجميع للاعتراف بأخطائهم، أياً كان حجمها، متذكّرين قول الرب: «أيها العبد الشرير، كل ما كان عليك تركته لك لأنك طلبت إلي، أفما كان ينبغي أن ترحم أنت أيضًا رفيقك كما رحمتك أنا؟».