وداعًا “حارس الجمهورية”… حسن الرفاعي يترجّل بعد قرن من الدفاع عن الدولة!

لبنان 3 أيلول, 2025

في لحظةٍ تختلط فيها مشاعر الحزن بالفخر، يودّع لبنان اليوم أحد أعمدته الدستورية والقانونية، النائب السابق والمرجع الدستوري حسن الرفاعي، الذي غاب عن عمر ناهز المئة وسنتين (102)، بعد مسيرة استثنائية حافلة بالدفاع عن المؤسسات والتوازنات الدستورية، وعن روح الجمهورية التي أحبّها ووهبها عمره وفكره.

عُرف الرفاعي بلقب “حارس الجمهورية”، لما تمتّع به من صلابةٍ في الموقف ووضوحٍ في الرؤية، ولما كرّسه من دفاع شرس عن الدستور والنظام البرلماني، في وجه الانحرافات السياسية أو التأويلات الفضفاضة التي كادت تطيح بجوهر الحياة الدستورية اللبنانية.

مسيرة رجل القانون والسياسة

وُلد حسن الرفاعي في 23 آب 1923 في مدينة بعلبك، وتلقّى علومه في مدارس مرموقة، أبرزها “الجامعة اليسوعية” و”جامعة دمشق”. دخل البرلمان اللبناني عام 1968، واستمرّ نائبًا حتى عام 1992، حيث تميّز خلال تلك الحقبة بمواقفه القانونية والدستورية الصلبة، مُدافعًا عن الحرية والتوازن بين السلطات.

وخلال عمله النيابي، لم يكن الرفاعي مجرّد مُشرّع، بل شكّل مدرسة في التفكير الدستوري المستقل، ما جعله يُلقّب عن جدارة بـ”حارس الجمهورية”، وهو اللقب الذي لازمه حتى وفاته، بعدما بات مرجعًا للباحثين والحقوقيين والنواب على حدّ سواء.

مواقف مبدئية من اتفاق الطائف والدستور

على الرّغم من ترحيبه ببعض البنود التي أقرّها اتفاق الطائف، خصوصًا تلك التي تُكرّس التوازن بين الطوائف مثل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف رئيس الحكومة، إلّا أنّ الرفاعي لم يتردّد في التعبير عن رفضه لبعض التعديلات التي رآها مخالفةً لمبدأ توازن السلطات.

فقد عارض مثلًا زيادة عدد النواب إلى 128 بدلًا من 108، ورفض بشدّة انعقاد جلسات مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، مؤكّدًا أن الرئيس يبقى رأس السلطة الإجرائية وضمانة التوازن داخل السلطة التنفيذية.

كما انتقد نصاب الثلثَيْن في اتخاذ بعض قرارات مجلس الوزراء، واعتبر أن تقييد صلاحية الحكومة في حلّ مجلس النواب أمر يخلّ بالتوازن السياسي العام.

نقد “الميثاقية” والتأويلات الدستورية

لم يكن الرفاعي من أنصار التوسّع في تفسير النصوص الدستورية، بل حذّر من “الاجتهادات السياسية” التي تحوّل الدستور إلى مادة مرنة تُفصَّل على مقاس المصالح.

فقد اعتبر أن إدراج مفهوم “الميثاقية” في مقدمة الدستور تمّ بطريقةٍ إجرائيةٍ متسرّعةٍ لإرضاء بعض الكتل النيابية، من دون أن يكون نتاج نقاش وطني دستوري عميق. كما رأى أن الفقرة “ي” من تلك المقدمة أصبحت شماعةً تُعلَّق عليها الخروقات الدستورية وذرائع التعطيل، واصفًا ما يُعرف بـ”ميثاقية بري” بأنها تشويه للنظام البرلماني.

وانتقد أيضًا السماح بالتشريع في غياب الحكومة، وتطرّق في كتابه إلى سقوط دور المستشارين القانونيين في صياغة وثيقة الطائف، متسائلًا عن غياب القانونيين عن لحظة دستورية مفصلية في تاريخ لبنان، وهو ما رأى فيه خللًا بنيويًا في مسار التعديلات الدستورية.

برحيل حسن الرفاعي، يخسر لبنان أحد أبرز رجالاته الذين حملوا الدستور نصًّا وروحًا، ودافعوا عن دولة المؤسسات من دون مساومة. هو الغائب جسدًا، الحاضر فكرًا وموقفًا، في زمنٍ تعصف فيه رياح التفسيرات الدستورية المتضاربة… ويبقى صوته، في صفحات كتابه ودروسه، صدىً عاقلًا في مواجهة العبث.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us