جعجع: أقصر طريق لإخراج إسرائيل من الجنوب هو قيام دولة فعلية.. ولا حرب أهلية في لبنان

أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، اليوم الأحد، أن “ما ناضلنا واستشهدنا وتقطّعت أوصال البعض منّا في سبيله، قد تحقّق. أحلام خمسين عاماً تحقّقت كلّها دفعةً واحدة. من كان ليقول!”.
وقال عقب القداس الاحتفالي في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، في معراب، تحت عنوان”نجرؤ ليبقى لبنان” الذي نظّمته “القوات اللبنانية”: “ناضلنا من أعماق السّجون تحت سابع أرض، استمرّينا في أصقاع الدّنيا الأربعة، صمدنا في كلّ زاوية من زوايا لبنان المعتمة بعيدًا من أعين سلطة الوصاية وعلى الرّغم من بطشها. كم قيل لنا: أنتم مستمرّون على أيّ أساس؟ وعلام أنتم متّكلون؟ كلّ المعطيات تشير إلى أنّكم خاسرون ولا أمل لكم في شيء بتاتاً”.
وأضاف جعجع: “المعادلة الدّاخليّة ضدّكم، والمعادلة الإقليميّة بوجود سوريا الأسد تطلب رأسكم، والمعادلة الدّوليّة غائبة. ودار التّاريخ دورته الكاملة وأثبت للجميع من دون استثناء، أنّنا، وبعدما كنّا الأخيرين في تصنيف الأخصام، أصبحنا الأوّلين باعتراف الجميع”، مشدداً على “أننا لن نقبل بعد الآن إلّا أن يكون القرار لبنانيّاً مئة في المئة، كما نرفض أيّ قرار، مهما صغر أو كبر، خارج إطار المؤسّسات الدّستوريّة: رئاسة الجمهوريّة، المجلس النّيابيّ، ومجلس الوزراء… ولن نقبل بتجيير للمصلحة اللّبنانيّة العليا لأيّ من المصالح الأخرى مهما سمت ومهما كان اسمها. فالقضيّة اللّبنانيّة أوّلاً وأوّلاً وأوّلاً، وأخيراً وأخيراً وأخيراً على كلّ ما عداها”.
وجعجع وفي خطابه في ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية”، توقّف عند أداء الموالين لـ”محور الممانعة”، وقال لهم: “لقد أمسكتم، وبقوّة السّلاح والإرهاب، برقاب اللّبنانيّين لسنوات طويلة ودمّرتم أحلامهم ومؤسّساتهم وأردتم فرض مشروعكم على حساب مشروع الدّولة. لقد ارتكبتم أخطاءً وخطايا فظيعة بحقّ لبنان وشعبه وبحقّ أنفسكم وبيئتكم، أخذتم لبنان رهينةً وصادرتم قرار الحرب والسّلم بعدما أمعنتم في تمزيق الدّولة وتحويلها إلى أشلاء وفي تقطيع أوصال لبنان وعلاقاته مع محيطه العربيّ والمجتمع الدّوليّ. ذهبتم إلى القتال في سوريا دفاعاً عن نظام مجرم، إلى حرب لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، ولا تمتّ بصلة إلى مفاهيمه ودوره وتكوينه. تورّطتم في حرب إسناد وأخطأتم التّقدير وجلبتم النّار والدّمار والويلات والنّكبات”.
وتابع: “خسرتم الحرب التي كشفت عن ضعفكم وعن اختراقات واسعة في صفوفكم، ووافقتم على اتّفاق وقف إطلاق النّار مع علمكم أنّه تسليم واستسلام. وبعد كلّ ذلك، تكابرون وتنكرون الخسارة والواقع الجديد، وتتكبّرون على الدّولة وتتّهمونها هي بالتّخاذل وتحمّلونها مسؤوليّة ما آلت إليه أوضاعكم وأوضاع البلد وتتذرّعون دائمًا أبدًا باتّفاق وقف إطلاق النّار، وبأنّكم التزمتم بينما إسرائيل لم تلتزم”.
وبعدما لفت إلى أنه “صحيح أنّ إسرائيل لم تلتزم، لكن كنتم أنتم البادئين بعدم الالتزام، إذ إنّ الاتّفاق لم ينصّ فقط على وقف لإطلاق النّار، إنّما أيْضاً على فكفكة كلّ البنى العسكريّة غير الشّرعيّة في لبنان وإيداع أسلحتها لدى الجيش اللّبنانيّ وألّا تبقى قوىً مسلّحة في لبنان إلّا الشّرعيّة منها، وقد حدّدها بالإسم حصراً هذا الاتّفاق الذي كنتم أنتم بالتّحديد وراءه، قال: “تتناسون دائماً، بحجج مختلفة الموجبات المترتّبة عليكم وتتلطّون بالإسرائيليّين، والإسرائيليّون بدورهم يتلطّون بكم، فيما الشّعب اللّبنانيّ محاصر في الوسط.”.
وإذ رأى جعجع أنه “لدينا في الوقت الحاضر مشكلتان، لا مشكلة واحدة فقط: الأولى الاعتداءات الإسرائيليّة واحتلال بعض النّقاط في الجنوب، فيما الثّانية هي السّلاح غير الشّرعيّ في الدّاخل”، أوضح أن “مشكلة السّلاح غير الشّرعيّ في الدّاخل تستعمل كحجّة وذريعة وتغطية للاحتلال الإسرائيليّ في الجنوب، بالوقت الذي لا يقدّم هذا السّلاح ولا يؤخّر في المعطى الإسرائيليّ، وكما أظهرته بوضوح أحداث السّنتين الأخيرتين، في حين تأخذه إسرائيل حجّةً وذريعةً مقبولةً في كلّ دول العالم لدى جميع أصدقاء لبنان، لاستمرارها في اعتداءاتها”.
وسأل: “هل يكون مطلب نزع كلّ سلاح غير شرعيّ مطلباً غير وطنيّ ويضعف موقف لبنان؟ بالإضافة إلى هذا الاعتبار العملانيّ المرحليّ، وأهمّ منه بكثير، تأتي الأسباب اللّبنانيّة الدّاخليّة الجوهريّة الكائنة وراء هذا المطلب من تطبيق اتّفاق الطّائف، وصولًا الى قيام دولة حقيقيّة. لا خلاص للبنان، بالمجالات كافة، من دون قيام دولة فعليّة، ولا دولة فعليّة بوجود سلاح غير شرعيّ خارجها. أقصر طريق لإخراج إسرائيل من الجنوب ووقْف اعتداءاتها، لا بل، وكما أصبح واضحًا الآن، لا طريق البتّة للتّخلّص من إسرائيل واعتداءاتها إلّا بقيام دولة فعليّة في لبنان. بالتالي، هل يكون مطلب نزع أيّ وكلّ سلاح غير شرعيّ وقيام الدولة الفعليّة مطلبًا غير وطنيّ؟ أم أنّه المطلب الوحيد الوطنيّ بامتياز؟”.
وتابع جعجع: “تشاركون في الحكومة وتوافقون على بيانها الوزاريّ ثمّ تنقلبون عليها وترفضون “حصر السّلاح” عندما دقّت ساعة الحقيقة وحان الوقت لوضع هذا المبدأ موضع التّنفيذ. تتحاملون على رئيس الجمهوريّة وتهدّدون رئيس الحكومة وتتّهمونهما بالخيانة وتنفيذ أجندة أميركيّة، أنتم المنخرطون في مشروع إيرانيّ توسّعيّ مدمّر كنتم رأس حربة فيه وفي مقدّمة أدواته وأذرعه، وخدمتم أهدافه والتزمتم بأجندته غير آبهين بمصلحة لبنان واللّبنانيّين. بدل أن تستفيقوا وتهدأوا وتراجعوا حساباتكم، تراكم تندفعون إلى الأسوأ وتهدّدون بحرب أهليّة وبالويل والثّبور وعظائم الأمور إذا بدأت الحكومة، انطلاقًا من مسؤوليّاتها الوطنيّة، وتنفيذًا لاتّفاق الطّائف وعملًا بأحكام الدّستور، إذا بدأت في تنفيذ قرارها وخطّتها في حصر السّلاح بيد الدّولة ومؤسّساتها العسكريّة الأمنيّة الشّرعيّة”.
واستطرد في كلمته: “لإتخاذ العبرة فحسب: قبل أسبوعين من قبول قرار وقف إطلاق النّار في الحرب العراقيّة الإيرانيّة في العام 1988، أكّد الإمام الخمينيّ على استمرار المقاومة، واصفاً أيّ تردّد في هذا المسار بالخيانة. بعدها بأسبوعين فقط، أعلن قبوله بوقف إطلاق النّار، ولو أنّ هذا القبول بالنّسبة له كان كمن يتجرّع العلقم. اليوم، أنتم في حزب الله في وضع مماثل، تعلنون التّمسّك بسلاحكم وتستعيدون خطاب الحروب، بينما الواقع على الأرض يتطلّب اتّخاذ قرارات واقعيّة وتجنّب المزيد من الانتحار. كفاكم العيش في حالة إنكار، فلا أحد منّا أكبر من التّاريخ. إفعلوا ذلك وتجرّؤوا، إنْ لم يكنْ من أجلكم، فعلى الأقلّ من أجل حاضنتكم الشّعبيّة التي آمنت بكم، وإذْ بسلاحكم هذا يجرّ عليها الويْلات. فالحصيلة كارثيّة: بلدات وقرى دمّرت عن بكرة أبيها وأصبح أبناء بيئتكم غير مرغوب بهم في معظم دول العالم ولا سيّما في الدّول العربيّة. وثمّة سؤال: هل نصرتم بسلاحكم المظلوم؟ وساندتم المحروم؟ وسلّيتم المأزوم؟ دعونا من الشّعارات وأبرزها: أقتلونا فإنّ شعبنا سيَعي أكثر فأكثر. شعبكم وعى الحقيقة وهي مؤلمة، وعى أنّ الحياة أهمّ من الموت، وأنّ الأطفال الأحياء هم الكرامة الحقيقيّة”.
وقال جعجع لموالي “محور الممانعة”: “إذا كنتم تعتقدون وتتصوّرون أنّ بإمكانكم التّهديد والوعيد والتّهويل والتّخويف فأنتم مخطئون واهمون… لا 7 أيّار من جديد ولا من يحزنون، ولا من يطوّقون السّرايا ولا غيرها. لا حرب أهليّة ولا أحد يريدها، وإذا أردتموها حرباً من طرف واحد فافعلوا، ولكن اعْلموا أنّ مشكلتكم ليست مع أيّ طائفة أو فريق أو مع أيّ حزب، مشكلتكم مع الدّولة ومع حكومتها وجيشها ومؤسّساتها وداعميها ومع أغلبيّة ساحقة من الشّعب اللّبنانيّ. لن نقبل بعد اليوم أن يتحكّم فريق بمصير الشّعب اللّبنانيّ، وليكن معلوماً أنّ أحداً في لبنان لا يمكنه لوحده أن يحكم ويتحكّم بمصير اللّبنانيّين، وأنّ أيّ فريق مهما تكبّر وتجبّر لا يمكنه أن يهيمن على الدّولة ويصادر قرارها ويفرض قراره ومشيئته. إذا قرّرتم مواجهة الأكثريّة اللّبنانيّة وضرب عرض الحائط بمبادئ وقواعد العيش المشترك والوحدة الوطنيّة والسّلم الأهليّ، وإذا كنتم تهربون من حرب مع إسرائيل إلى حرب في الدّاخل، فأنتم ترتكبون خطأً وخطيئةً وخيمة العواقب لا تغتفر”.
وأضاف: “أنتم عرفتم بعد فوات الأوان أنّ حربكم مع إسرائيل خاسرة مدمّرة، وعليكم أن تعرفوا وقبل فوات الأوان أنّ حربكم في الدّاخل أيًّا تكن ستكون خاسرةً ومدمّرةً وستخسرون كلّ شيء. وإذا كنتم تتهرّبون من تسليم السّلاح وتدّعون أنّ ذلك إنْ فعلتم سيكون استسلامًا، فأنتم تهربون من الاستسلام إلى الانتحار وتنحرون البلد معكم. أدركتم بعد فوات الأوان أنّكم تورّطتم في حرب خاسرة ووقعتم في مأزق ودخلتم في نفق، ولكن عليكم أن تدركوا الآن وقبل فوات الأوان أنّ باستطاعتكم الخروج من هذه الورطة وتفادي خسائر إضافيّة ومضاعفة إذا أخذتم الخيار الصّحيح وسلكتم طريق الانتقال من الّلاشرعيّة إلى الشّرعيّة، والخطوة الأولى هي تسليم السّلاح والانضواء في مشروع الدّولة وتحت سقفها وضمن مؤسّساتها”.
وقال جعجع: “ما أنتم فاعلون حتّى الآن، لا يطمئن وليس في الاتّجاه الصّحيح. عندما تبتدعون المبرّرات والذّرائع للتّمسّك بسلاح بات مصدر تهديد وخطر عليكم وعلينا، ولم يكن يوماً ضمانةً ومصدر حماية كما تزعمون، وعندما تدّعون أنّ هذا السّلاح مرتبط بتهديدات جديدة آتية من سوريا والحدود الشّرقيّة أو أنّه مرتبط بكرامتكم وشرفكم وأنّكم إذا سلّمتم السّلاح ضعفتم وانكشفتم وانتهيتم وانتهى الشّيعة معكم. فهذا كلّه تخيّلات وهراء وكذب وافتراء، لأن عمر الشّيعة في لبنان ضارب في التّاريخ، وعزّتهم وأمنهم وكرامتهم من عزّة لبنان وأمنه وكرامته”.
وذكّر أن “الشيعة لم يأتوا إلى لبنان معكم، ومن المؤكّد أنّهم لن يذهبوا معكم! طالما هناك لبنان، هناك شيعة فيه، إن كان بوجود هذا الحزب أو من دونه، بوجود هذا الزّعيم أو من دونه. لقد تبيّن بالوقائع والتّجربة أنّ هذا السّلاح لا يحمي ولا يبني ولا يردع، وعلى العكس من ذلك تمامًا جلب الدّمار والخراب والتّهجير واستجلب احتلالًا جديدًا. وثبُت أيضاً أنّ هذا السّلاح لا يحمي الشّيعة وإنّما يحتمي بهم ويتّخذ منهم متراساً ولا يؤمّن مصالحهم ولا يعالج هواجسهم ومخاوفهم لا بل يغرقهم في مخاطر وحروب وجوديّة”. لذا أكّد أنه “آن الأوان كي يستفيق “حزب الله” من أوهامه ويترك بيئته والشّيعة يعيشون مثل سائر اللّبنانيّين، هذه البيئة التي أعطته كلّ ما لديها، كما آن الأوان للشّيعة الأعزّاء أن يفكّوا أسرهم بيدهم وأن يعودوا إلى تاريخهم اللّبنانيّ وإلى حال الأمان والاستقرار جنبًا إلى جنب مع بقيّة اللّبنانيّين”.
وبعدما استشهد بوصايا الإمام محمّد مهدي شمس الدّين: “أوصي أبنائي إخواني الشّيعة الإماميّة في كلّ وطن من أوطانهم، وفي كلّ مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألا يميّزوا أنفسهم بأيّ تمييز خاصّ، وألا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصّاً يميّزهم عن غيرهم”.
وتوجّه جعجع بكلمة إلى الشّيعة في لبنان، قائلاً:” أنتم مكوّن أساسيّ من المكوّنات اللّبنانيّة المؤسّسة للكيان اللّبنانيّ الذي أكّد عليه الإمام موسى الصّدر وطناً نهائيّاً، والتزمتم به كذلك في الدّستور المنبثق عن وثيقة الوفاق الوطنيّ أي اتّفاق الطّائف. لا نرضى، نحن وأكثريّة اللّبنانيّين، ولا نقبل أن يصيبكم ما أصابنا في حقبة الوصاية السّابقة بعد أن سلّمنا سلاحنا، من إجحاف وتمييز وافتئات على الحقوق والدّور والحجم، ولا تشعروا أنّكم في خطر ومهدّدون… فالأيّام اختلفت والظّروف تغيّرت، فلا غازي كنعان ولا رستم غزالة، ولا سلطة وصاية جائرة تعمل لصالح نظام الأسد ووفْق مفاهيمه، بل سلطة وطنيّة انبثقت بالفعل عن مجلس نيابيّ حقيقيّ، ساهمنا جميعاً، أنتم ونحن، في انتخاب أعضائه، وتحت أنظار حكومة كنتم أكثريّةً فيها. سلطة وطنيّة على رأسها العماد جوزيف عون، المشهود له، مذ كان قائدًا للجيش، بتعلّقه بالقوانين في ممارسة السّلطة، وحيث كان لكم يد طولى في انتخابه. سلطة وطنيّة يرأس حكومتها رئيس مشهود له، ولو اختلفتم معه بالرّأي، بالنّزاهة وبتمسّكه الشّديد بالقانون، كما تمسّكه من دون هوادة بالحرّيّات العامّة. والأهمّ من هذا كلّه، مجلس نيابيّ يتابع ويحاسب ويتدخّل عند الضّرورة. والأهمّ الأهمّ، عدم وجود أيّ نيّة عند أحد بالتّفرّد بالسّلطة، خلافًا لما كان عليه الأمر مع نظام الوصاية، وعدم قدرة لأحد بالتّفرّد بعد زوال السّلاح غير الشّرعيّ وعودة مؤسّسات الدّولة، خصوصًا الدّستوريّة منها إلى الحياة الطّبيعيّة.”.
وتابع: “لا تصدّقوا أنّ السّلاح يحميكم ويحصّل حقوقكم وشرفكم، ولكم في الحرب الأخيرة دليل ساطع وواقع لا مجال لإنكاره. ولا تصدّقوا أنّ الطّوائف الأخرى تشحذ الهمم والطّاقات والغرائز للنّيل منكم. لا بل على العكس، لقد اشتقنا جميعاً إليكم شيعةً عامليّين لبنانيّين أصيلين. لا تصدّقوا ما يصوّر لكم بأنّ البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم وقد أصبح الخطر محدقًا بكم من الجنوب الشّرق فأين المفرّ؟ المفرّ الفعليّ هو الطّريق إلى الدّولة. ثقوا أنّ الدّولة التي هي لنا ولكم وحدها هي التي تحميكم وتشعركم بالأمن والأمان وهي الملاذ والضّمانة. ولكم خير وأكبر مثال على ذلك عقدان من الزّمن بين الأعوام 1949 وحتّى 1969 عشتموها بأمان وسلام إلى أن ظهرت المقاومات المسلّحة في الجنوب وفتحت عليكم أبواب جهنّم ولم تقفل حتّى السّاعة. ثقوا أنّ أيّ خيار ومشروع خارج الدّولة سيكون خطرًا عليكم، وتهديدًا لكم، ويجعلكم لقمةً سائغة في فم التّنين وفم الأمم والمصالح الخارجيّة. لقد آن الأوان كي تَخرِجوا وتُخرِجوا تاريخكم الوطنيّ النّاصع مثل جبل عامل وأنْ ترسموا خطّ النّهاية لحاضركم الحافل بالخيبات والنّكسات، ودائرة الارتباطات والمشاريع الإقليميّة واستخدام أوراقًا للتّفاوض أو لتصفية الحسابات”.
وقال: “ننتظركم مثل سائر اللّبنانيّين لننطلق سويّاً في مشروع الإنقاذ، في مشروع النّهوض والإصلاح، لنبني معًا دولةً فعليّةً ذات سيادة وسلطة مطلقة، دولةً عصريّةً حديثةً تتمتّع بالثّقة والاستقرار والإنتاجيّة. لا تنخدعوا بمن يحدّثكم عن ضمانات، أنتم الضّمانة كما كلّ مكوّنات لبنان ضمانة لبعضها البعض. ولا تخافوا من التّهويل عليكم بأنّكم عرضة لهجوم محتمل من الحدود الشّرقيّة، إذْ لا أحد قادر على استهدافكم، فالجيش في ظل الدولة الحالية يحمي الحدود ويمنع أيّ اعتداء كما حصل مع الجيش في الأشهر الماضية، كما فعل مرارا في الأشهر الماضية، وإذا احتاج الأمر فإنّ جميع اللّبنانيّين يد واحدة لندافع عن أيّ شبر من تراب لبنان، وهذا ما قام به أهلنا في القاع يوم طرق الإرهاب بابهم في العام 2016 فعاد على أعقابه بعدما تكبّد خسائر كبيرة. ننتظركم لتعود مواسم الخير إلى الجنوب والبقاع وكلّ بقعة من لبنان، ولتكون مهرجانات الفرح والثّقافة والإبداع في النّبطيّة وبنت جبيـل كما هي في الأرز وجبيل. ننتظركم لتعود البيوت المدمّرة إلى أصحابها، ولترتفع مداميكها تحت أنظار الجيش اللّبنانيّ وحمايته. إنّ كلّ يوم يمرّ من دون تسليم السّلاح يطيل من معاناتكم ويبعدكم أكثر فأكثر عن بيوتكم وأرزاقكم. إنّ كلّ يوم يمرّ يؤخّرنا أشهرًا وحتّى سنوات عن إعادة البناء والنّهوض، ويمدّد انتظارنا الثّقيل لعودة لبنان إلى ذاته، للانطلاق بمسيرة الإصلاح الجذريّ، لبداية الانتظام الماليّ، والمباشرة الجديّة بالتّنقيب عن النّفط والغاز وعودة الازدهار إلى لبنان”.
وقارن جعجع بين دولة الأمس واليوم، مشيراً إلى أن “الدّولة اللّبنانيّة التي كانت في حال نزاع وموت بطيء عادت إلى الحياة، هذه الدّولة التي كانت “إلى زوال” مقيّدةً، مسلوبة القرار، فاقدةً لكلّ ثقة ومصداقيّة، انتفضت وشرعت في إعادة بناء المؤسّسات الشّرعيّة الحرّة المتحرّرة، بنـاء علاقة الثّقة مع شعبها وناسها، بناء جسور العلاقات مع العالم العربيّ والمجتمع الدّوليّ، إذ إن لبنان بدأ يعود إلى نفسه ومحيطه ودوره ورسالته، ومع السّلطة اللّبنانيّة الجديدة، بدأت مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخنا وانطلقت مسيرة تغيير وورشة نهوض وعمليّة بناء دولة فعليّة: دولة القانون والمؤسّسات”.
وأردف: “انطلقنا نحو المستقبل المشرق الواعد ولا عودة إلى الماضي المظلم والظّالم. هذه مسيرة بدأت ولن تتوقّف، تتقدّم إلى الأمام ولا رجعة فيها إلى الوراء، فلا يعتقدنّ أحد أو يتوهّمنّ أن بإمكانه وقف وعرقلة مسيرة التّاريخ وإعادة عقارب السّاعة إلى الوراء وتجاهل التّغييرات والقفز فوقها والاستمرار في سياسات وأساليب فاشلة ومدمّرة وكأنّ شيئًا لم يكن ولم يتغيّر. كلّ ما حولنا وفي محيطنا تغيّر وتبدّل، وكلّ المعادلات عندنا تتغيّر وتتبدّل ومن غير الجائز ولا المسموح بعد كلّ ما حصل أنْ تبقى السّياسات والقرارات والأساليب والذّهنيّات نفسها. خطوة الألف ميل انطلقت، والتّغيير الذي بدأ في قمّة السّلطة سيتواصل وبقدر أكبر من العزم والحزم”.وشدد جعجع على أنّ “دولةً جديدةً بدأت تبصر النّور. الطّريق لن تكون سهلةً، والخطوات تستغرق وقتاً، لكنّها الخطوات المطلوبة تحديداً، وفي الاتجاه الصحيح تمامًا. إنّ لبنان جديدًا هو على طريق التّكوين. هذا رهان علينا جميعاً أن نساهم فيه لنصل إلى هذا اللّبنان الجديد. ولحسن الصدف ومع هذا اللّبنان الجديد الذي بدأ يتكوّن، فإنّ سوريا جديدةً قد بدأت تتكوّن أيضاً. إذ شاءت الظروف أن تطوى حقبة الأسدين، وتبدأ سوريا صفحةً جديدةً بعد نزاع دمويّ ومرارة كبيرة عاشها الشّعب السّوريّ. ونأمل، مع الانطلاقة الجديدة في لبنان وسوريا، أن نطوي معًا صفحة النّزاع التّاريخيّ الذي حوّل العلاقة بين البلدين إلى مصدر دائم للقلق وعدم الثّقة. فلا مجال بعد اليوم للعودة إلى زمن الوصاية أو التّدخّل، وكما صرّح تحديداً مرّات عدّةً رئيس سوريا الجديد أحمد الشّرع، بل المطلوب إرساء علاقة جديدة من دولة إلى دولة، تقوم على النّدّيّة والاحترام المتبادل، بعيدًا من أيّ شكل من أشكال التّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة”.
تابع: “من هذا المنطلق، وجب التّخلّص، وسريعاً، من مخلّفات نظام الأسد والمرحلة الماضية في لبنان، وفي طليعتها إلغـاء “معاهدة الأخوّة والتّعاون والتّنسيق” التي لم يكن فيها لا أخوّة ولا تعاون ولا تنسيق وكانت فرضت على لبنان، كما وإلغـاء المجلس الأعلى اللّبنانيّ – السّوريّ، على أن يصار إلى تفعيل العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلدين وفق ما هو متعارف عليه بين دول العالم. إنّ سوريا اليوم، وقد تخلّصت من نظام الأسد الاستبداديّ الذي أدّى إلى نزوح قسم كبير من شعبها إلى الدّول المجاورة وخصوصا لبنان، مدعوّة إلى أن تعمل لاستعادة أبنائها إلى كنفها معزّزين مكرّمين على أرضهم وتراب وطنهم. ومن الخطوات التي تعزّز الأجواء الإيجابيّة بين البلدين، بدء العمل على ترسيم الحدود البرّيّة والبحريّة بينهما، مع ما يعنيه من ضبط للحدود، وقيام تعاون بين الجيشين اللّبنانيّ والسّوريّ لمنع أعمـال التّهريب على مختلف أنواعه، ودحر الإرهاب على جانبي الحدود، بهذا ترتسم أكثر فأكثر معالم لبنان الجديد الذي طالما حلمتم به. وفي هذه المناسبة، أدعو الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة الى التّفكير جدّيًّا بعقد قمّة عربيّة في بيروت على غرار قمّة 2002، كي يكتمل عقد عودة لبنان إلى محيطه العربيّ، وعودة العرب إلى لبنان.”
وخاطب جعجع الشّابّات والشّبّان اللّبنانيّين، قائلاً: “إذا كنتم قد تركتم وطنكم لبنان لأنّكم لم تعودوا تعرفونه، فإنّ لبنان الجديد تعرفونه جيّدًا ويعرفكم تمامًا، وسيكون على قدر تطلّعاتكم وطموحاتكم. فلا تتأخّروا وأعدّوا العدّة منذ اليوم للعودة إلى أحضانه، إلى أحضان أمّهاتكم وآبائكم وأقاربكم وأصدقائكم وأهلكم ووطنكم، لبنان الجديد بأمسّ الحاجة إليكم. إنّ الأوطان تصنع ولا تؤخذ، تُبنى ولا تُشترى، فتعالوا نستعيده سويًّا ونعيد بنـاءه سويًّا، خصوصًا مع الاستحقاقات الدّستوريّة الآتية. فبعد استعادة رئاسة الجمهوريّة من براثن الفراغ والإفراغ، وبعد قيام حكومة القرار والسّيادة، نحن على موعد مع استحقاق دستوريّ هو الأهمّ، ومحطّة سياسيّة وشعبيّة فعليّة أي الانتخابات النّيابيّة في العام المقبل، إنها محطة كي يُمثّل الشّعب اللّبنانيّ خير تمثيل بمجلس ينسجم مع متطلّباته وطموحاته المستقبليّة. لذلك نحن نتمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها ونرفض أيّ تفكير أو توجّه إلى التّمديد للمجلس النّيابيّ تحت أيّ ظرف أو ذريعة. زمن التّمديد ولّى إلى غير رجعة، فالتّمديد كان من سمات العصر البائد وعلاماته، عصر الهيمنة والوصاية، سنقاوم بشدّة أيّ محاولة لوقف مسيرة التّغيير عند أبواب المجلس النّيابيّ وتمديد الواقع الرّاهن. ونحن نتمسّك، بإجراء انتخابات ناجحة وتوفير أفضل الشّروط والظّروف لها وأوّلها إعطاء المغتربين حقوقهم في التّعبير والتّصويت للنّوّاب الـ128، مثلهم مثل اللّبنانيّين المقيمين. فلا يجوز أن يحرم الّذين اضطرّوا إلى مغادرة لبنان قسرًا ودفعتهم إلى ذلك الدّولة الفاشلة وظروف الحرب والبطالة، أن يُحرموا من أبسط حقوقهم المواطنيّة وأنْ يوضعوا على الهامش وخارج وطنهم”.
وإذ أكد أننا “نريد مجلساً نيابيّاً حرّاً وسلطةً تشريعيّةً متحرّرةً تواكب النّهضة التي يشهدها لبنان، فالانتخابات المقبلة هي الامتحان والتّحدّي والاستحقاق، ولتكن موعدًا حاسمًا مع التّغيير وحسن الاختيار لمن ينسجم مع المرحلة الجديدة وتحوّلاتها ومتطلّباتها ولمن هو أهـل للثّقة وتمثيل اللّبنانيّين وأخذهم إلى آفاق مستقبليّة”. لفت “رئيس القوات” الى انه “إذا كنّا قد أحدثنا فرقًا ملحوظًا مع المجلس النّيابيّ الحاليّ، فإنّنا سنكمل ما بدأْناه مع المجلس المقبل، وسنُحدث الفرق الكبير والتّحوّل الحاسم، مُدركين أنّ الوسائل الدّيمقْراطيّة والسّياسيّة هي أقصر الطّرق وأكثرها فعّاليّةً وأقلّها كلفةً للتّغيير باتّجاه الأفضل، وأنّ ما يُمكن تحقيقه بواسطة صناديق الاقْتراع لا يمكن تحقيقه بواسطة صناديق السّلاح والذّخيرة.”
وإلى اللبنانيينـ قال جعجع: “آن الأوان وبدأت الهيبة تعود للدّستور والقوانين، وبدأت الرّهبة تعود للجيش والقوى الأمنيّة، والاحترام والشّفافيّة للإدارة العامّة. طبعًا ألمقدّمة لهذا كلّه هي عودة السّلاح، كلّ السّلاح، حصرًا للدّولة اللّبنانيّة، وبالتّالي عودة الدّولة إلى ذاتها. آن الأوان ليعود اللّبنانيّون متساوين أحرارًا، وحان الوقت ليحصل اللّبنانيّ على حقوقه بقدر ما يلتزم بواجباته، فلا يدفع ضريبةً من هنا، لتذهب هدْراً وفساداً أو دعماً من هناك، كذلك لا يتعب ويشقى ليسدّد رسوماً يتمّ تحويلها لخدمة من لا يسدّد لا رسوماً ولا ضرائب. لذا كما نجْرؤ حيثما ينادي الحقّ، على أهل الدولة أن يجرؤوا حيثما تنادي السيادة والدولة الفعلية. إن دول العالم قاطبةً، عربيةً وأجنبيّة، ومن المرّات النادرة جداً في تاريخنا الحديث، ملتفّة حول لبنان ومستعدة لمساعدته هذه المرّة، فلا نضيّعنّ الفرصة من جديد، ولْنتحمّل مسؤوليّاتنا كرجال دولة لتكون لنا دولة فعليّة وأصدقاء فعليون”.
مواضيع ذات صلة :
![]() بين جوزاف عون وسمير جعجع | ![]() جعجع: على الجميع أن يعتاد على أن أي قرار تتخّذه الحكومة سيُنفّذ! | ![]() جعجع من السراي: على الجميع الإلتزام بقرار حصر السلاح |