عام على تفجيرات “البيجرز” و”الووكي توكي”… هكذا اخترق “الموساد” حصن حزب الله الأمني!

لا يمكن أن ينسى اللبنانيون المشاهد التي رأوها في 17 و18 أيلول، بعدما انفجرت آلاف أجهزة البيجرز والـ”ووكي توكي” والتي كان يستخدمها عناصر حزب الله، وأشخاص مقرّبون منه.
في هذين اليومين، ازدحمت المستشفيات بآلاف المصابين وتحوّلت الأجهزة إلى قنابل موقوتة.
وقد أدّى الهجومان إلى مقتل 37 شخصًا على الأقل وإلى إصابة نحو ثلاثة آلاف شخص، من بينهم مدنيون.
وخسر معظم المصابين أعينهم وعددًا من أصابعهم.
امرأة وراء التفجيرات!
وحينها، كشفت تقارير إعلامية أنّ امرأة مجرية تدعى كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو لها صلة بتوريد أجهزة اللاسلكي التي انفجرت في لبنان.
وذكر موقع “إي يو أوبزيرفر” ومقرُّه بروكسل أن أرسيدياكونو شاركت في توريد أجهزة الاتصالات المتفجرة إلى لبنان، وتردّدت ادعاءات بأنّها تعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد).
وأوضح الموقع أن أرسيدياكونو عملت “خبيرةً متعاونةً” في الوكالة التنفيذية الأوروبية للتعليم والثقافة التابعة لمفوضية الاتحاد الأوروبي ما بين عامَيْ 2021 و2023.
وأكدت مفوضية الاتحاد الأوروبي -في بيان- أن كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو ليست موظفةً دائمةً في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وجرى تناقل ادّعاءات بأنّ شركة تدعى “نورت غلوبال”، ومقرها في بلغاريا ومسجلة باسم شخص نروجي، كانت أيضًا جزءًا من سلسلة التوريد.
وفي الأخبار الواردة في الصحافة المجرية، تمّ التأكيد أن “بي آي سي كونسلتنغ” و”نورت غلوبال” هما “شركتا صندوق بريد”، وليس لديهما مكاتب أو مرافق ولا موظفين سوى مديريهما التنفيذيين.
من ناحيته، ذكر جهاز الاستخبارات البلغارية أنه تمّ إجراء تحقيق في هذه القضية، و”لم يتمّ الكشف عن أي إجراءات جمركية تشير إلى أنّ الأجهزة المعنية مرّت عبر بلغاريا”.
وبدوره، أكد المتحدث باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاكس أنّ “الأجهزة المعنية لم تتواجد يومًا على الأراضي المجرية”.
وكان تقرير لـ”رويترز” قد كشف معلومات تتعلّق بكريستيانا بارسوني أرسيدياكونو.
ووفق “رويترز” فإنّ كريستيانا تبلغ من العمر 49 عامًا، وتحمل الجنسيتَيْن الإيطالية والهنغارية، وتتحدّث 7 لغات، وحاصلة على درجة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات، وشقتها في بودابست مليئة بلوحات من رسمها، وتتضمّن مسيرتها المهنية أعمالًا إنسانيةً أخذتها إلى أنحاء أفريقيا وأوروبا.
وبعد الكشف عن أن شركة “بي.إيه.سي كونسالتينغ” للاستشارات، التي تشغل كريستيانا منصب الرئيسة التنفيذية والمالكة لها، هي التي لديها رخصة تصميم أجهزة “البيجرز” من شركة التصنيع الأساسية التايوانية “غولد أبوللو”، قالت المرأة لقناة “إن.بي.سي نيوز”، إنّها لم تصنع تلك الأجهزة وإنّها “مجرد وسيطة”، مضيفةً: “أعتقد أنكم فهمتم الأمر على نحو خاطئ”.
ومنذ ذلك الحين، لم تظهر كريستيانا علنًا مرة أخرى، ويقول جيرانها إنّهم لم يروها كما بقيت رسائل تطلب منها التعليق من دون ردّ، حتى شقتها في بناية قديمة في بودابست أُغلقت.
الأجهزة مفخّخة من المصدر
وقالت مصادر أمنية إنّ الأجهزة كانت مفخخة من مصدر استيرادها.
ووفق خبراء أمنيين، فقد كانت أجهزة “بيجرز” حزب الله مفخخة عبر قطعة تسمى “آي.سي” (IC) هي التي احتوت المواد المتفجرة، وهي منظومة متكاملة تستخدم عادةً في الأجهزة الإلكترونية للتحكّم في بعض وظائفها.
وتحتوي هذه القطعة على مواد متفجرة مما يعني أن تفخيخ البيجرز تمّ بشكل دقيق ومخفي داخل مكوّنات الجهاز نفسه.
وتابعت المصادر أنّ هذه المواد المفخخة والمتفجرة “لا تُكشف عند أي فحص عبر الأجهزة المتعارف عليها، ولم يكن في الإمكان لأجهزة الكشف المتوفّرة ولا حتى لدول ومطارات عالمية كشف المادة المفخخة المزروعة وبتقنيات مركّبة لخوارزميات خاصّة بهذه العملية”.
وذكرت المصادر أنّ “التفجير نُفِّذَ عبر رسالة قصيرة للجهاز بتكنولوجيا متطوّرة أيقظت المادة المخفية المتفجرة، إذ لم تكن بطارية البيجرز في ذاتها من أوجد الموجة الانفجارية، بل كانت مادة الليثيوم التي تغذّي الجهاز عند استقبال الرسالة المتسبّبة في التفجير”.
وأوضحت أن “المادة التفجيرية وُجّهت بهدف القتل، ولا سيما تلك الأجهزة المعلقة في الخصر، كي تدخل موجة التفجير إلى الجسم مباشرة”.
وأضافت أنّه بحدود 4 ثوان، بعد تلقّي صوت الاتصال برسالة خطية، “انفجرت الأجهزة تلقائيًا، سواء في وجه من فتحها أو من لم يفتحها”.
هكذا حضّر الموساد للعملية
وكشفت “القناة 12” الإسرائيلية لاحقًا أنّ حزب الله كان يبحث عن جهاز بيجرز مدرّع يتحمّل كل ظروف التضاريس، ورأى الموساد في ذلك فرصةً بعد تسريب المعلومات إليه.
وفي لقاءٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قدم له رئيس الموساد، ديدي بارنيع، الجهاز الخاص الذي طوّروه، فسأل نتنياهو عمّا إذا كان من الممكن رميه على الحائط، وأجاب بارنيع فورًا بالإيجاب، وبالفعل ضربه نتنياهو بقوة وظلّ الجهاز سليمًا تمامًا، وانفتحت فتحة صغيرة في الحائط، ولم ينفجر، وفق تسريبات الموساد للقناة الإسرائيلية.
ولاحقًا، أدلى اثنان من عملاء الاستخبارات الإسرائيلية السابقين بتفاصيل جديدة عن “عملية سرية قاتلة كانت تخطّط لها إسرائيل على مدار سنوات”، واستهدفت مقاتلي حزب الله في لبنان وسوريا باستخدام أجهزة نداء “بيجرز” وأجهزة اتصال لاسلكية “ووكي توكي” مفخّخة.
وتحدّث العميلان مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي أس”، في جزءٍ من تقرير، وهما يرتديان أقنعة ويتحدّثان بصوت معدل لإخفاء هويتهما.
وقال أحد العملاء إنّ العملية بدأت قبل عشر سنوات باستخدام أجهزة “ووكي توكي” تحتوي على متفجرات مخفيّة، والتي لم يدرك حزب الله أنه كان يشتريها من إسرائيل. ولم تنفجر هذه الأجهزة إلّا في أيلول الماضي، بعد يوم من تفجير أجهزة الإرسال المفخخة (البيجرز).
وأضاف الضابط الذي أُطلق عليه اسم “مايكل”: “أنشأنا عالمًا وهميًا”.
أمّا المرحلة الثانية من الخطّة، والتي جرى فيها استخدام أجهزة “البيجرز” المفخّخة، فقد بدأت في عام 2022 بعد أن علم جهاز الموساد الإسرائيلي أن حزب الله كان يشتري أجهزة البيجرز من شركة مقرّها تايوان، كما ذكر العميل الثاني.
وقال إنّه كان لا بدّ من جعل أجهزة “البيجرز” أكبر قليلًا لتناسب كمية المتفجرات المخفية في داخلها. وتمّ اختبارها عدّة مرات على دمى للعثور على الكمية المناسبة من المتفجرات التي ستسبّب الأذى للمقاتل فقط من دون أي ضرر للأشخاص القريبين.
كما اختبر الموساد العديد من نغمات الرّنين للعثور على نغمة تبدو عاجلةً بما فيه الكفاية لجعل الشخص يُخرج جهاز البيجرز من جيبه.
وقال العميل الثاني، الذي أُطلق عليه اسم “غابريال”، إن إقناع حزب الله بتغيير الأجهزة إلى أجهزة بيجرز أكبر استغرق أسبوعين، جزئيًا باستخدام إعلانات مزيّفة على يوتيوب تروّج للأجهزة بأنّها مقاومة للغبار والماء وتتمتّع بعمر بطارية طويل.
كما وصف استخدام الشركات الوهمية، بما في ذلك شركة مقرّها المجر، لخداع شركة “غولد أبولو” التايوانية لدفعها بشكلٍ غير واعٍ للتعاون مع الموساد.
إحباط “بيجر 2”
وفي أيار 2025، كشفت تقارير صحافية تركية أنّ “أجهزة الاستخبارات التركية أحبطت عملية إدخال أجهزة “بيجرز” ثانية مفخّخة كانت في طريقها الى لبنان لتستهدف عناصر حزب الله”.
وجاء في التقرير الذي نشرته منصة “ODATV” التركية أنّه “من خلال عملية أمنية دقيقة، تمكّنت المخابرات التركية (MIT) من إحباط محاولة تهريب شحنة متفجرات عالية الخطورة كانت موجهة إلى حزب الله في لبنان، حيث تبيّن أنّ الشحنة تحتوي على أجهزة إلكترونية معدّلة تُستخدم لتفعيل متفجرات عن بُعد”.
ويشير التقرير إلى أن العملية جاءت بعد تلقي بلاغ استخباراتي في 20 أيلول 2024، أي بعد أيام قليلة على هجمات البيجرز، بشأن شحنة مشبوهة ستُنقل من إسطنبول إلى بيروت. الشحنة كانت قد وصلت من هونغ كونغ بتاريخ 16 أيلول عبرشركة “SMT Global Logistics Limited” التايوانية، وصرّح عنها بأنّها تتضمن “فرامات طعام”، فيما كان مخططًا نقلها إلى لبنان في 27 أيلول.
وخلال تفتيش دقيق، اكتشفت الأجهزة الأمنية أن الشحنة مكونة من 61 صندوقًا بوزن إجمالي 850 كلغ، وتحتوي على 1300 جهاز نداء من طراز “Gold Apollo 924 R3 GP”، و710 أجهزة شحن مكتبية، إلى جانب معدات إلكترونية إضافية مثل خلاطات يدوية وأجهزة تسجيل ومحولات شبكات.
الفحص الفني بيّن أنّ أجهزة النداء تمّ تعديلها لتحتوي على مواد شديدة الاشتعال داخل أماكن البطاريات، ويمكن تفعيلها عبر إشارات إلكترونية أو عند حدوث قصر كهربائي، ما يجعلها وسيلة محتملة في عمليات تفجير عن بُعد.
وجاء في التقرير أنّه “تم ربط الأجهزة المُستخدمة بشركة “Gold Apollo” التايوانية، المرتبطة بشركة مجرية تُدعى “Bac Consulting KFT”، يُشتبه في أنها تعمل كواجهة لأنشطة استخباراتية.
وكان الحزب قد أعلن آنذاك، أنّه قدّم بلاغًا للسلطات التركية حول وجود شحنة مفخّخة من أجهزة النداء “بيجرز” في مطار إسطنبول، مشيرًا إلى أنّ تحرّكه الاستباقي أسهم في إحباط محاولة تهريب كانت تهدف إلى استهداف عناصره مجدّدًا في لبنان.
في المقابل، قال مسؤول العلاقات الإعلامية في “حزب الله” يوسف الزين أن “الحزب هو من أبلغ الجانب التركي بوجود شحنة بيجرز مفخخة في مطار إسطنبول كانت متوجهةً إلى لبنان”.
مواضيع ذات صلة :
![]() “انفجارات أجهزة الاتصال ناتجة عن مواد شديدة الانفجار” .. هذا ما كشفه مصدر قضائي لـ”هنا لبنان”! |