عظات الأحد من الجنوب وبيروت: دعوة للسلام والعدالة في ظل دولة قوية وموحّدة

سلّطت عظات يوم الأحد الضوء على أمل اللبنانيين في السلام القريب والدائم، حيث تم التشديد على أنّ السلام الحقيقي لا يقوم إلا على العدالة والسيادة والكرامة الوطنية، داعين إلى العيش المشترك تحت رعاية دولة قوية وعادلة تضمن الحقوق وتحفظ الكرامات.
الراعي من الجنوب: انتشار الجيش حق سيادي
في السياق، وفي زيارة هي الثانية إلى جنوب لبنان، زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، صباح اليوم، أبرشية صور المارونية حيث كانت له محطات رعوية عدة، مستهلّاً جولته من بلدة الجرمق وصولاً إلى العدوسية.
ورافق الراعي المطران حنا علوان والمطران الياس نصار، وراعي أبرشية صور المطران شربل عبدالله.
وأكد الراعي، خلال عظة الأحد من القليعة جنوب لبنان، أنه “يسعدني أن أكون اليوم معكم في بلدة القليعة الصّامدة، في ختام الزيارة الرعويّة التضامنية والتّفقديّة للبلدات العزيزة: الجرمق والعيشيّة وإبل السقي وكوكبا وجديدة مرجعيون، والآن في القليعة، وبعد الظهر في النبطية والكفور، وكفروه، والحجة والعدوسية. فإنّي أحيّيكم جميعاً، أنتم الآتون من هذه البلدات وسواها من الجنوب العزيز، الأرض المباركة، أرض الكرامة والحريّة. وقد عانيتم من الاعتداءات والحروب والتّعديات الاسرائيليّة على أرضكم وبيوتكم وأرزاقكم. أحيّيكم لأنّكم صمدتم وحافظتم على جذوركم، وأثبتّم أنَّ الجنوب ليس أرض نزاع، بل أرض خصب وبركة، أرض عيش مشترك، أرض وطنيّة صادقة، وأرض سلام”.
وأضاف الراعي: “لا يمكن أن نكون اليوم في القليعة، وفي قلب الجنوب، من دون أن نتوقّف عند ما تحمّلته هذه الأرض وأبناؤها من خسائر بشريّة ومادية فادحة. هناك عائلات فقدت أعزّاءها، آباء رحلوا وأمّهات ترمّلن وأطفال تيتّموا. هناك بيوت هُدمت على رؤوس ساكنيها، حقول أُحرقت، أشجار اقتُلعت، ومزارع دُمّرت. هناك شباب أصيبوا بجراح جسديّة ومعنويّة ما زالت تلازمهم حتّى اليوم فضلاً عمّن خسروا جنى عمرهم ومصدر رزقهم”.
وتابع: “لكن على الرّغم من كل هذه الخسائر، بقيتم واقفين، متمسّكين بأرضكم وبيوتكم ومؤسّساتكم ومدارسكم وكنائسكم، ودور العبادة. تشهدون أنّ هذه الأرض ليست للبيع، وليست للتّنازل. لقد دفعتم أثماناً غالية، نعم، لكنّكم أكّدتم بدموعكم وصمودكم أنَّ الجنوب حيّ، وأنَّ لبنان لن يموت. إنَّ دماء شهدائكم وصلواتكم، دموعكم وصبركم هي شهادة إيمان بأنَّ الرّب لا يترك شعبه، ويمنحهم القوّة لبناء ما تهدّم، والنّهوض من جديد”.
وأشار الراعي إلى أن “لكلمة إنجيل اليوم “من يصبر إلى النّهاية يخلص” بعد وطني. فالوطن هو ثمرة صبر أبنائه وصمودهم. الجنوب هو المثال الأبرز. فأرضكم دفعت أثماناً غالية، لكنّها بقيت عصيّة على الانكسار. نحن نتأمّل السّلام القريب، سلاماً يترسّخ بانسحاب إسرائيل من الجنوب بشكل كامل ونهائي، وبسط الدولة اللبنانيّة سيادتها الشّرعيّة على كامل أراضيها. وهنا، لا بدّ أن نؤكّد أنَّ الجيش اللبناني، بعنفوانه وهيبته، هو الضمانة والحصانة الوحيدة لأرضنا ولشعبنا، وهو المؤتمن على حماية حدودنا والدفاع عن كرامتنا. إنّ انتشار الجيش على كامل أرض الجنوب ليس فقط مطلباً، بل هو حق سيادي وواجب وطني”.
وشدد على أن “الجنوب ليس مجرّد منطقة من لبنان، بل هو قلبه النابض. فما يعيشه الجنوب يعيشه كل لبنان. معاناة أهله من الحروب، وخسارتهم للأرواح والبيوت والأرزاق، ونزيف الهجرة، كلّها تعكس أزمة وطن بأسره. لذلك، فإنّ صمود الجنوبيين هو صمود لبنان كلّه، وتضحياتهم هي تضحيات باسم الأمّة اللبنانيّة كلّها”.
وأوضح أنه “لقد حان الوقت أن تتحوّل تضحياتكم إلى ثمار وطنية سياسيّة واقتصاديّة وإنمائيّة. فلبنان لا يمكن أن يُبنى من دون إنصاف الجنوب وأهله، ومن دون أن يُعطى لأبنائه ما يحفظ بقاءهم في أرضهم، بعيداً عن خطر الهجرة أو بيع الأملاك. فلا أوطان من دون أرض، ولا أرض من دون أهلها”.
ولفت الراعي إلى أن “بقاء الجنوب قويّاً ومحصّناً هو ضمانة لبقاء لبنان. وإنّ تعزيز صمود أهله هو واجب وطني وأخلاقي. فإنّ مسؤوليتنا جميعاً، مواطنين ومسؤولين وسياسيّين ومؤسّسات، أن نتكاتف من أجل إعادة بناء لبنان على أسس متينة: سيادة لا مساومة عليها، دولة قانون قويّة، إقتصاد منتج يثبّت الناس في أرضهم ويؤمّن لهم هناء العيش وتربية روحيّة ووطنيّة تُخرّج أجيالًا جديدة تحب لبنان وتخدمه بصدق. لذلك يُطلب اليوم من أبناء الجنوب العزيز أن يكونوا أبطال سلام يضحّوا من أجله بمقدار ما ضحّوا خلال الحرب دفاعاً عن كرامتهم وأرضهم الغالية على قلب كل لبناني”.
وختم عظته قائلاً: “نرفع صلاتنا، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، كي يمنح الله لبنان انطلاقاً من ارض جنوبه المقدسة سلاماً قريباً ودائماً، سلاماً نابعاً من العدالة والسّيادة والكرامة. نصلّي من أجل أن يُشفى جرح الناس والأرض، وأن تُبنى بيوتكم من جديد، وأن تزهر حقولكم وتعود خيراتها. نطلب من الله أن يبارك أبناء هذه الأرض، فيعيشوا دائماً في وئام ووحدة، ويكونوا مثالاً لجميع اللبنانيّين على أنّ المصير واحد، والرجاء واحد، والوطن واحد، والكرامة واحدة، والأمن واحد”.
عوده: اللبنانيون مدعوون للعيش معاً
من جهة أخرى، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده، اليوم الأحد، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
وبعد قراءة الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “دعوتنا اليوم أن نجعل حياتنا مسيرة ثقة بكلمة الرب، ولو خالفت حساباتنا، وأن نثبت في الكنيسة، سفينة الخلاص، حاملين الشباك معاً، عالمين أن الفرح الحقيقي يكمن في صيرورتنا أنواراً تعكس ضياء المسيح وتصطاد الناس إلى حضنه حيث الحياة الأبدية”.
وأضاف عوده: “كذلك نحن مدعوون أن نثبت في حب وطننا وأن نعمل من أجل خلاصه، محترمين دستوره وصائنين هيبته وسلطته ومكانته، غير متعدين على قراراته أو خارجين على قوانينه أو محملينه وزر أخطائنا”.
وتابع في كلمته: “اللبنانيون مدعوون للعيش معاً في رعاية دولة قوية وعادلة، ضمن الاحترام المتبادل وقبول الآخر وعدم السخرية منه أو استفزازه أو كيل الشتائم له. كما انهم مدعوون إلى أن يكونوا لبنانيين قبل أن يكونوا من هذه الطائفة أو تلك، وأن يبتعدوا عن التعصب والتطرف والتبعية والتحريض والتشبث بالرأي”.
وأشار عوده إلى أنه “ومهما قست الظروف واسودت الآفاق، إنَّ ثبتنا على الأمانة لوطننا والرجاء بالرب، ووضعنا ثقتنا به، لا بد أن يمد يده لانتشالنا من الغرق، أو دعوتنا إلى القيام بما يراه مناسباً لنا، كما فعل مع بطرس والصيادين فتمتلئ شباكنا بالصيد الكثير، أي النعم التي يغدقها الرب على محبيه”.