رسائل إسرائيلية “بالنار”: أمن لبنان وإعادة الإعمار مرتبطان بنزع سلاح “الحزب”

بينما تكثر التساؤلات لبنانيًا حول طبيعة المرحلة التي ستعيشها البلاد بعد التوصل إلى هدنة في غزّة، وما إذا كانت ستشهد تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا متجدّدًا ضدّ حزب الله أم ضغطًا سياسيًا أميركيًا مُتعاظمًا على الدولة للإسراع في مسار سحب سلاح الحزب، عاجلت إسرائيل الساحة المحلّية بغارات من الأعنف استهدفت المصيلح وألحقت دمارًا هائلًا في معارض تحوي آليات تُستخدم في عمليات إعادة الإعمار وإزالة الركام، وكأنّها تقول للدولة إنّ الإعمار سيكون مستحيلًا قبل نزع سلاح حزب الله.
في هذا الإطار، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن الرسالة الإسرائيلية بمنع إعادة إعمار البلدات المدمرة وصلته “على عجل بتدمير المعدات والآليات التي تستخدم لرفع الركام وإعادة تأهيل البنى التحتية التي من دونها لا يمكن الشروع في الإعمار”. وقال إنّ إسرائيل “اختارت الوقت المناسب لدخولها بالنار على السجال” الذي دار بينه وبين رئيس الحكومة نوّاف سلام حول “تغييب إعمار الجنوب من مشروع الموازنة”.
ولفت إلى “أنّ إصرارنا على إعادة إعمار البلدات المدمّرة، وتأهيل البنى التحتية، هو الردّ العملي على مخطط إسرائيل بتحويل البلدات الحدودية، بقوة النار، إلى منطقة عازلة منزوعة من السلاح، ويصعب العيش فيها، وأولى أولوياتنا إعادة بنائها وتأهيل مرافقها الحيوية وبناها التحتية”.
وأكّد بري، الذي كان يتحدث قبل الإعلان عن تقديم لبنان شكوى ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن: “الرسالة الإسرائيلية وصلت بمنع إعمار البلدات المدمّرة، وأنّ الردّ عليها لن يكون إلّا بوحدتنا الوطنية التي تتطلب منا جميعًا الترفّع عن تبادل الحملات، والكفّ عن المهاترات، بالتلازم مع تكثيف تحركنا الدبلوماسي، كما يجب عدم الاكتفاء بإصدار البيانات، والتقدّم من مجلس الأمن بشكوى تتطلب انعقاده للنظر في الهجوم الإسرائيلي الأخير، الذي يستهدف بنيتنا الاقتصادية للضغط علينا للدخول معها في مفاوضات مباشرة، وهذا مرفوض بإجماع اللبنانيين. وتبرير خروقاتها بأنّها تواصل تدمير البنى العسكرية لحزب الله ليس في محله، لأنه أتى على هذا العدد الكبير من الآليات والمعدّات التي تستخدم لإعادة الإعمار، وليس لشيء آخر”.
وختم بري: “إنّ النيران الإسرائيلية، التي أتت على هذا الكمّ من المعدات والآليات التي نحن في أمسّ الحاجة إليها لإعمار بلداتنا، لن تثنينا عن إصرارنا على إعادة إعمارها، لمنع إسرائيل من تحويل القوى الأمامية إلى شريط حدودي، على غرار الذي أقامته طوال فترة احتلالها الجنوب قبل 25 أيار عام 2000”.
وفي هذا السياق، رأى مصدر سياسي أنّ الرسالة التي أوصلتها إسرائيل إلى الرئيس بري، “وإن كانت تحمل عنوانًا يتعلّق بمنع إعادة الإعمار، فإنّها تتجاوزه للضغط عليه بالإنابة عن حزب الله للتسليم بحصرية السلاح بيد الدولة، من دون أن يتلازم ذلك مع توفير الضمانات بالانسحاب من التلال التي ما زالت تحتفظ بها، وعددها يفوق الخمس”.
وقال لـ”الشرق الأوسط” إنّ بري “هو من تولّى التفاوض باسمه وفي الوقت نفسه بتفويضٍ من حزب الله، مع الموفد الأميركي توم باراك وتوصّل معه إلى اتفاق، بقي تنفيذه معلّقًا على رفض إسرائيل التجاوب مع تنفيذه”.
ولفت المصدر السياسي إلى “أنّ الرسالة الإسرائيلية لبرّي متعدّدة الأهداف، ولا تقتصر على الإعمار، وهي معطوفة على أبعاد سياسية وأمنية، وتربط الإعمار بنزع سلاح حزب الله الذي يفتقد إلى غطاء عربي ودولي، وإلى حدّ كبير داخلي، بخلاف الغطاء الذي كان وراء تعبيد الطريق أمام موافقة حماس على الخطة الأميركية لإنهاء الحرب”.
وقال المصدر نفسه: “إنّ الحزب لم يعترض على احتواء السلاح كما ورد في الخطة، بدءًا من شماله حتى حدوده الدولية مع سوريا، بخلاف إصرار قيادته على رفع سقوفها السياسية في مخاطبتها البيئة الحاضنة لإخراجها من الإرباك الذي لا يزال يتفاعل بداخلها”.
ورأى أنّ الرهان على بري “لا يزال قائمًا لاستيعاب الحزب، وضبط إيقاعه على نحو لا يشكل عائقًا أمام بسط سلطة الدولة على كافة أراضيها، وتبقى على واشنطن مسؤولية حيال إقناع إسرائيل بتطبيق الاتفاق”.
وسط هذه الأجواء، وفي معلومات من العاصمة الأميركية، فإنّ دبلوماسيين أميركيين حذروا من تضييع فرص استغلال السلام وخفض التصعيد، وأشارت مصادر قريبة من الخارجية الأميركية إلى أن “حزب اللّه لا يزال يسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار في لبنان”.
وقالت إنّ نهاية حرب غزّة يجب أن تكون أشبه بـ”اليقظة”، وإنّ على لبنان الاستفادة من شخصية دونالد ترامب العنيدة وإرادته في فرض اتفاق السلام والاستعداد له.
فترامب، بحسب مصادر البيت الأبيض، لن يترك ملف لبنان مفتوحًا، بل سيعمد من خلال السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى العمل على تحضير الأرضية اللبنانية لمثل اتفاق غزة.
وفي تهديد مباشر لحزب االله، توعّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الحزب، بقوله: “ما زالت أمامنا تحدّيات أمنية كبيرة جدًا، البعض من أعدائنا يحاول التعافي لضربنا من جديد… لكنّنا سنتولى أمره”، ولم يكشف عن المزيد.