لا إنكار للحقائق بعد الآن.. الأمين العام لجمعية المصارف يوضح: “أزمة لبنان المالية ليست مسؤولية المصارف بل النظام”!

كتب أمين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف:
اعترفت السلطتان النقدية والمالية بأنّ ما يعيشه لبنان هو أزمة نظامية، أي أزمة تطال بنية الدولة ونظامها المالي. غير أنّ المفارقة الصارخة اليوم هي في حذف عبارة “أزمة نظامية” من مشاريع القوانين الأخيرة من دون أي مبرّر أو تفسير منطقي، وكأنّ حذف الكلمة كفيل بإخفاء حقيقة الواقع الذي يشهد عليه الجميع.
فإذا كانت الأزمة نظامية بشهادة المعنيّين أنفسهم، فكيف تُعالَج بقوانين تتجاهل طبيعتها؟
وكيف يمكن أن تتحدّث الخطابات الرسمية يوميًا عن “ضرورة الحفاظ على القطاع المصرفي” باعتباره الركيزة الوحيدة القادرة على إخراج لبنان من اقتصاد “الكاش”، ثمّ تأتي مقترحات القوانين لتقوّض ما تبقّى من مقوّمات حياة هذا القطاع؟
وهنا لا بدّ من التذكير ببعض المبادئ الأساسية التي يفرضها المنطق والتي يجب أن تشكّل الحدّ الأدنى المقبول لأي نقاش جدّي حول الحلول المقترحة، وعلى رأسها:
• الإقرار بالطبيعة النظامية للأزمة، ورفض تحميل المصارف مسؤوليتها، وذلك في ظلّ وضوح الأسباب الكامنة وراء الانهيار المالي، والتي تتجاوز بكثير دور المصارف.
• التمسّك باحترام قرار مجلس شورى الدولة الصادر في شباط 2024، والذي كرّس مبدأ عدم المساس بحقوق المودعين.
• التمسّك بتطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تُلزم الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان والتي على أساسها أودعت المصارف أموالها لدى المصرف المركزي.
• التأكيد على العلاقة التجارية التي تربط المصارف بمصرف لبنان، بما يترتّب على ذلك من حقوق والتزامات، وبالتالي المُطالبة باسترداد كامل ودائع المصارف لدى المصرف المركزي.
• رفض مبدأ تصفير أصول المصارف تحت عذر تخفيض مديونيّة الدولة.
• احتساب الأموال الجديدة التي أمّنتها المصارف لزيادة رساميلها خلال الأزمة، كجزءٍ من إعادة الرسملة المستقبلية.
• المساواة بين حملة اليوروبوندز في الداخل والخارج، رفضًا لأي انتقائية في توزيع الخسائر.
هذه المبادئ التي يفرضها المنطق هي أسسٌ لحماية ما تبقّى من القطاع المصرفي ومن أموال المودعين، وهي الضمانة لأي نهوض اقتصادي مستقبلي.
في الخلاصة
إنّ القطاع المصرفي، بقدر ما يتحمّل من أعباء وتبعات الأزمة، لا يزال على قناعةٍ بأنّ التعاون البنّاء مع السلطات المعنية هو السبيل الوحيد للوصول إلى حلولٍ قابلةٍ للتنفيذ تحفظ حقوق المودعين وتضمن ديمومة القطاع.
لكنّ هذا التعاون لا يمكن أن يُترجم واقعًا ما لم يُبنَ على الاعتراف الكامل بحقيقة الأزمة وجوهرها النظامي، وعلى احترام الشراكة المؤسّساتية التي تقتضي إشراك جميع المعنيين، وفي طليعتهم المصارف، في صوْغ الحلول، فلا يمكن إنتاج مسارات مستدامة للتعافي، إذا كانت الأسس التي تُبنى عليها تتجاهل قرارات المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة، أو تُقصي الركن الأساسي في الدورة الاقتصادية.
لقد حان الوقت لأن تعترف الدولة، قبل أي طرف آخر، بأنّ الطريق إلى التعافي لا تمرّ عبر شطب الودائع والمصارف معًا، بل عبر اعترافها بأنّها المسؤولة الأولى عن الأزمة، والعمل على هذا الأساس فعلًا لا قولًا.
ملاحظة: إن الافتتاحية التي يكتبها الأمين العام في النشرات الدورية لجمعية مصارف لبنان تمثّل رأيه وتحليله الشخصي للمستجدّات، من دون أن تُلزم بأي شكل من الأشكال الجمعية بمضمونها الذي يبقى على مسؤولية الأمين العام وحده.




