نعيم قاسم يبرّر السلاح ويهاجم الدولة… وانتقادات لخطاب يُعمّق عزلة “الحزب”

لبنان 12 تشرين الثانى, 2025

يثير الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الجدل مجددًا بتصريحاتٍ وُصفت بأنها بعيدة عن الواقع والمنطق السياسي. فكلّ إطلالة له تكشف تناقضات جديدة بين خطاب الحزب وممارساته على الأرض، ما يعمّق التساؤلات حول موقع الدولة اللبنانية ودورها الفعلي في القرارات المصيرية. وآخر مواقفه تمثّل في تحميل الدولة مسؤولية إخراج إسرائيل من الجنوب، في وقتٍ كان الحزب نفسه قد احتكر قرار الحرب والسلم، وأعلن حروبَه ومعاركه بمعزلٍ عن مؤسسات الدولة وشرعيتها.

كما اتهم الحكومة اللبنانية بأنها “لا ترى من البيان الوزاري سوى بند نزع سلاح المقاومة”، مضيفًا: “اليوم لم يعدْ نزع السلاح هو المشكلة، بل باتت الذريعة بناء القدرة والأموال، وبعدها يقولون إنّ المشكلة في أصل الوجود. وهذه الذرائع لن تنتهي”.

وقال: “نحن في خطر وجودي حقيقي ولذلك من حقّنا أن نقوم بأي شيء لحماية وجودنا ولن نتخلّى عن سلاحنا الذي يُمكّننا من الدفاع عن أرضنا وأهلنا”.

في هذا السياق، رأت مصادر صحيفة “الأنباء” أنّ تصريح قاسم، الذي جاء بعد رسالته المفتوحة إلى الرؤساء الثلاثة، وبُعيد تأكيد الحزب إعلاميًا أنّه استعاد قوته وتتدفّق إليه الأموال، أوقع الحزب في الفخّ الإسرائيلي، وكأنّه يبرّر الذرائع التي تعتمدها تل أبيب لمواصلة القصف والاغتيالات، واتهام لبنان بعدم الالتزام بوقف النار.

ولفتت المصادر إلى قوله إن “الاتفاق يقتصر على جنوب الليطاني”، معتبرةً أنّه بذلك يُعيد تأكيد الحجّة الإسرائيلية. كما توقّفت عند قوله إن “لا خطر على المستوطنات الشمالية”، بما يعني رفض أي تفاوض قبل تنفيذ الاتفاق، على أن يُناقَشَ لاحقًا داخليًا مستقبل قوة لبنان وسيادته.

في إطار متصل، قال رئيس حزب حركة التغيير ايلي محفوض في معرض تعليقه على كلام قاسم إنّه “لم يعد العتب على الشيخ نعيم، فالرجل بات على قناعة بأنّ كلامه أشبه بأكل المستشفى، أي light. لكن ما يجب التوقّف عنده هو صمت الدولة والرسميين، وعدم ملاحقة زعيم ميليشيا تُخَرِّبُ وتستدرج الاحتلال. فالسلطة، أولًا وأخيرًا، هيبة، وما نحن بأمسّ الحاجة إليه اليوم هو هيبة الدولة كي تستعيد حضورها ووجودها”.

وتابع محفوض: “أمّا عن سلاح الشيخ نعيم، الذي يجاهر بالاحتفاظ به، فهو اعتراف واضح أمام القانون، ويُشكّل مَضْبَطَةَ اتهام تستوجب تحرّك القضاء، لتوقيفه وإحالته أمام القضاء المختص”.

وختم محفوض: “وبغير ذلك، يكون ما يجري مَضْيَعَة للوقت. فيا دولتنا العليّة، لا تَلْعَبِي دور مرثى التي تهتم بأمور كثيرة، فيما المطلوب منكِ واحد فقط”.

بدوره، كتب رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل على حسابه عبر “إكس”: “إذا كان السلاح لا يُهدّد المستوطنات الشمالية ولا يعني جنوب الليطاني، حسب التصريح الأخير للشيخ نعيم، فهو بالتأكيد بات لترهيب اللبنانيين والضغط على المؤسّسات والتأثير على الانتخابات”.

كما صدر عن حزب الكتائب اللبنانية البيان التالي:

“أطلّ علينا الأمين العام لحزب الله ليُطمئن الإسرائيلي بأن لا خطر يهدّد مستوطناته الشمالية، ويُبدي استعداد حزبه لإخلاء جنوب الليطاني من السلاح طمأنةً لإسرائيل، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه لن يسلّم سلاحه شمال الليطاني.

والسؤال البديهي، ما وظيفة هذا السلاح بعد كل ذلك؟ وأين فكرة “مقاومة إسرائيل” إذا كانت أولويته اليوم طمأنتها لا مواجهتها؟

في المقابل، يوجّه تهديداته إلى الحكومة والداخل اللبناني، اللذين يعتبرهما “خدّام إسرائيل”، متوعدًا بأنّ نزف الجنوب، إن استمرّ، فسينزف معه كل لبنان بسبب أميركا وإسرائيل. هذا الخطاب التصعيدي لا يستهدف العدو، بل الداخل اللبناني والدولة ومؤسساتها.

ويتساءل الشيخ قاسم عن سبب عدم وضع الحكومة خطة زمنية لاستعادة السيادة الوطنية وتكليف القوى الأمنية بتنفيذها، غافلًا عن أن قرار حصر السلاح الذي اتخذه مجلس الوزراء، إلى جانب خطة الجيش اللبناني، يشكّلان فعلًا خطة سيادية وطنية متكاملة تهدف إلى استعادة الدولة لسيادتها الكاملة على أراضيها، إذ لا يمكن لأي دولة أن تمتلك سيادة خارجية حقيقية قبل أن تُعيد سيادتها الداخلية.

أما اعترافه بأن الحزب تحمّل “المسؤولية” طيلة ٤٢ عامًا، فهو الإقرار الأوضح بأن هذا النهج هو السبب المباشر لفقدان السيادة، وضعف الجيش، وترهّل مؤسسات الدولة. فمن يحتكر القرار الوطني ويفرض وصايته على مؤسسات الدولة لا يمكنه في الوقت نفسه الادعاء حماية الدولة أو الدفاع عنها – أقرّيتم بفشل تجربتكم!

وما هجوم الحزب اليوم على المجتمع الدولي إلا نتيجة تحوّل هذا المجتمع من مرحلة التغطية على الحزب ومحور الممانعة، ومنحه غطاءً ضمنيًا في تفاهماته الإقليمية مع إسرائيل، إلى مرحلة دعم قيام الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية، وهو التحوّل الذي أخرج من يد الحزب ورقةً تفاوضيةً كان يستثمرها في الداخل والخارج.

المؤسف أن حزب الله لا يزال يدعو شبابنا إلى الموت والاستشهاد، كما لو أنّ حياة هؤلاء لا قيمة لها، وكأنّ بيئته لم تكتفِ بما أصابها من تهجير ودمار وخسائر لا تُحصى مستسلماً سلفاً لنتيجة تفوق إسرائيل عليه ميدانياً.

لقد أصبح واضحًا اليوم أن تهديدات حزب الله موجّهة إلى “عدوه الداخلي” — الحكومة والدولة اللبنانية — أكثر مما هي موجّهة إلى العدو الإسرائيلي. إنه مشهد جنون خسارة إيران لورقة التفاوض اللبنانية من يدها، ومحاولة يائسة لتعويضها بخطابات التهديد والوعيد”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us