الرئيس عون عاد إلى بيروت: سلطنة عُمان ولبنان يتطلّعان إلى تحقيق شراكة استراتيجية

لبنان 10 كانون الأول, 2025

عاد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى بيروت مختتماً زيارته الرسمية إلى سلطنة عمان التي استمرت ليومين، وعقد خلالها خلوتين مع السلطان هيثم بن طارق.
وكان في وداعه في المطار السلطاني الخاص نائبُ رئيس الوزراء لشؤون الدّفاع السّيد شهاب بن طارق آل سعيد، وعدد من المسؤولين في السلطنة.
وبعث الرئيس عون إلى السلطان هيثم بن طارق، برقية شكر وتقدير لدى مغادرته الأجواء العمانية، جاء فيها:
“إذ أغادر أرض عمان الطيبة، يطيب لي أن أتقدم إلى جلالتكم بأسمى آيات الشكر والتقدير على كرم الضيافة والاستقبال الحافل الذي حظيت به خلال زيارتي لسلطنة عمان العزيزة.
لقد كانت هذه الزيارة فرصة ثمينة لتعزيز أواصر الأخوة والصداقة التاريخية الراسخة بين بلدينا الشقيقين، ولبحث سبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات بما يخدم مصالح شعبينا الصديقين.
إنّ اللقاءات والمحادثات التي أجريناها كانت بنّاءة ومثمرة، وقد لمست فيها حرص جلالتكم الكريم على دعم العلاقات الأخوية بين بلدينا وتعزيز التعاون المشترك.
كما أعرب عن بالغ امتناني للشعب العماني الكريم على ما أبداه من حفاوة وترحاب، مما يعكس عمق الروابط الأخوية التي تجمع شعبينا.
أدعو الله العلي القدير أن يحفظ جلالتكم ويديم عليكم الصحة والعافية، وأن يوفقكم لما فيه خير وازدهار سلطنة عمان وشعبها الكريم.
تقبلوا جلالة السلطان فائق الاحترام والتقدير”.

المتحف الوطني
وفي اليوم الثاني والأخير من الزيارة، زار الرئيس عون والوفد المرافق، المتحف الوطني، حيث جالوا في أرجائه، واستمع من الأمين العام للمتحف جمال بن حسن الموسوي، إلى شرح عن التحف الموجودة، والقاعات التي تُبرز جوانب مهمّةً من تاريخ وحضارة السلطنة، مبتدئاً بقاعة التاريخ البحري، حيث تعرّف على مجسم لسفينة “بغلة مسقط” المسلحة، التي تُعد أكبر سفينة بحرية تجارية وناقلة في الخليج العربي وأكثر السفن العربية زخرفة، ومنها إلى قاعة أرض اللبان التي تضم المباخر العمانية والأرمينية المُعارة من متحف التاريخ في أرمينيا تبرز مكانة اللبان ورمزيته في الثقافة الأرمينية، كما عاين قاعة ما قبل التاريخ والعصور القديمة التي تضم أقدم مبخرة يعود تاريخها إلى قرابة ألفي عام قبل الميلاد، وهي من روائع حضارة ماجان، أول حضارة عرفتها عمان.
كما اطلع الرئيس عون على الطبعة الثانية من الإنجيل التي تعود إلى عام 1960م، من قبل المطبعة البولسية ببلدة حِرِيصَا اللبنانية، المُهداة إلى السلطان الراحل قابوس بن سعيد من قِبل البطريرك السابق للروم الملكيين الكاثوليك “غريغوريوس الثالث” بمناسبة زيارته إلى سلطنة عُمان في العام 2006.
وجال الرئيس عون في قاعة عمان والعالم، وركن السلطان الراخل قابوس، وقاعة الأرض والإنسان واطلع على مجموعة من المقتنيات والوثائق التي تُجسد عمق العلاقات التاريخية بين السلطنة ولبنان.
وفي ختام الزيارة، دوّن الرئيس عون كلمة في سجل كبار الزوار، جاء فيها:
“إن زيارتي اليوم للمتحف الوطني في مسقط، تأخذني في رحلة إلى تاريخ هذا البلد الشقيق، وآثاره الضاربة في التاريخ والتراث والحضارة.
لقد وجدت في هذا المكان نموذجاً رفيعاً للعناية بالتراث وصونه. فبين أجنحته تتجلى حضارة متميزة سطّرها العُمانيون عبر البحر والصحراء والجبال، وقدّموا من خلالها إسهامات رائدة في التجارة والمعرفة والتواصل بين الأمم.
إن هذا المتحف لا يحفظ الذاكرة فحسب، بل يفتح نافذة واسعة على المستقبل، عبر ما يعرضه من تنوع ثقافي ورؤية حداثية تُظهر احترام عُمان لتاريخها وتمسّكها بقيم الانفتاح والحوار.”

دار الأوبرا
ثم زار الرئيس عون دار الأوبرا السُّلطانية، واستمع إلى موجز عن أقسامها ومرافقها وطبيعة العروض التي تقدّمها ومواسمها وبرنامجها على مدار العام، إضافة إلى التجهيزات التي تضمّنتها، حيث تُعدّ من أحدث المعدات المستخدمة في مجال العروض الموسيقية العالميّة. وحضر الرئيس عون عرضاً موسيقياً، أعد خصّيصاً ترحيباً بزيارته.
ودوّن في السجل العبارة التالية:
” في أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، تتجسد رؤية مضيئة للنهضة العُمانية الحديثة.
إن دار الأوبرا، والتي هي تحفة معمارية فريدة، ليست مجرد معلم فني رائد، بل هي جسر حضاري يجمع الشرق والغرب، ويعكس ريادة السلطنة في احتضان الفنون الرفيعة وتعزيز الحوار الإنساني عبر الثقافة والموسيقى.
أغادر هذا المكان وأنا أحمل أطيب الانطباعات عن عظمة ما وصلت إليه عُمان في مجالات الفن والثقافة، وعن الجهود المباركة التي جعلت من دار الأوبرا في مسقط منارة إشعاع حضاري في المنطقة.”
وتعتبر دار الأوبرا السلطانية في مسقط مؤسسة رائدة في مجال الفن والثقافة في السلطنة. وتكمن رؤيتها في أن تكون مركزاً للتميز في التواصل الحضاري والثقافي ومجالات الفنون الراقية مع مختلف دول العالم، بهدف إثراء الحياة ببرامج فنية وثقافية وتعليمية.
وقد تم إنشاؤها في عام 2011م، وذلك بهدف إعادة إحياء العديد من الفنون، وتتميز طريقة بنائها بمزجها بين العمارة الإسلامية والإيطالية، علاوة على وجود عدد من الحدائق الجميلة المحيطة بها. وهي توفر مساحة كبيرة للثقافة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وانعكاساتها، كما أنها تلهم جمهورها وتغذي إبداعاتهم من خلال البرامج المبتكرة التي تعزّز الحراك الثقافي، وتُطلق العنان للمواهب.
جامع السلطان قابوس الأكبر
وانتقل الرئيس عون بعدها الى جامع السّلطان قابوس الأكبر، واستمع والوفد المرافق له خلال الزيارة، من مساعد الأمين العام لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم داود الكيومي، إلى إيجاز عن تاريخ بناء الجامع، وتعرّف على مختلف التصاميم المعمارية العُمانية والإسلامية التي بُني وفقها.
وكانت له في السجل الخاص بالجامع الكلمة التالية:
” يرسِّخ جامع السلطان قابوس، أصالة الروح العُمانية والقيم المبنية على الاعتدال والتسامح.
أن أكون اليوم هنا، في هذا الصرح الديني البهي، فهي مناسبة لأشهد على فن معماري مبدع، وروحانية جميلة، ورؤية حضارية رفيعة وضع أسسها المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، ورسّختها القيادة الحكيمة للسلطنة.
أسأل الله تعالى أن يديم على هذه البلاد الطيّبة الأمن والإيمان والرخاء، وأن يبقى جامع السلطان قابوس منارة هدى وعلم وتسامح للأجيال القادمة.”
ويقع الجامع في ولاية بوشر، وهو الجامع الأكبر في السلطنة، واستغرق بناؤه ست سنوات. جرى افتتاحه في العام 2001، ويتسع إلى أكثر من 6500 مصلي، علاوة على احتوائه على مكتبة ضخمة تضم حوالي 20 ألف مجلد في مختلف العلوم، والثقافات سواء الإسلامية أو الإنسانية، إضافةً إلى احتوائه على 12 قاعة للفنون المختلفة، وخصوصاً الإسلامية، والتراثية.”

تصريح الرئيس عون
وكان الرئيس عون، قد أدلى قبل مغادرته بتصريح لوكالة الأنباء العمانية أكّد فيه إن زيارته إلى سلطنة عُمان ولقاءه بالسُّلطان هيثم بن طارق، سيدفعان بمستوى العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى آفاق أوسع للتعاون الاقتصادي والاستثماري ويهيئان الاستثمارات وتيسير التبادل التجاري.
كما أكد على عمق العلاقات التاريخيّة العُمانية اللبنانية، وسعي البلدين للمضي قدمًا لتطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات بما يعود عليهما وعلى شعبيهما الشقيقين بالنفع.
وأوضّح الرئيس عون أنّ سلطنة عُمان ولبنان يتطلّعان إلى تحقيق شراكة استراتيجية مبنيّة على المصالح المشتركة، وعلى رأسها تعزيز الشراكات في قطاعات التجارة والتجزئة، والتشييد، والصناعة التحويلية، والنقل، والخدمات الغذائية، والذكاء الاصطناعي والتعليم والزراعة والخدمات والرعاية الصحية وتفعيل الترانزيت بين البلدين، ويُستدلُّ على ذلك من الأرقام التي سُجِّلت أخيرًا؛ حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ولبنان خلال النصف الأول من عام 2025 بنسبة 29.4 بالمائة كما بلغ عدد الشركات اللبنانية المسجلة في سلطنة عُمان أكثر من 1035 شركة حتى سبتمبر 2025، مشيرًا إلى أهمية تفعيل الاتفاقيات الثنائية في المجالات التّجارية والزّراعية والصحّية والثقافية.
وأشاد رئيس الجمهورية بدور سلطنة عُمان الدّبلوماسي المشهود له، مؤكدًا أنّ لبنان يثمن الدور الرائد القائم على السياسة المتوازنة التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف مما مكّنها من القيام بوساطات محورية لحلّ النّزاعات والتوتر في المنطقة، مضيفًا أن بلاده حريصة على إعادة العلاقات مع الدول العربية بما في ذلك تعزيز التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال الرئيس عون أنه يعمل على تغليب لغة الحوار، وأنه أطلق دعوة لنبذ الحروب وإطلاق الحوار والتفاوض باعتباره حلًّا للمسائل العالقة، مُعربًا عن أمله في فتح صفحة جديدة في المنطقة تقوم على السلام العادل والشامل، وفقًا لمبادرة السّلام العربية التي أُقرّت في بيروت عام 2002.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us