“تصفية المصارف وشطب الودائع لإنقاذ الدولة”.. خبراء يحذرون عبر “هنا لبنان” من قانون الفجوة المالية بصيغته المطروحة!

لبنان 15 كانون الأول, 2025

تُثار موجة واسعة من الاعتراضات حول النسخة الأحدث من مشروع قانون الفجوة المالية، إذ يُنظر إليها على أنها تُكرّس مقاربة غير متوازنة تنحاز إلى الدولة ومصرف لبنان، في مقابل تقليص واضح لحقوق المودعين، عبر آليات يُحذَّر من انعكاساتها السلبية على ما تبقّى من الثقة بالنظام المصرفي وعلى السلامة المالية العامة.

في هذا الإطار، وجهت “جمعية مصارف لبنان” كتاباً مفتوحاً إلى الرؤساء وإلى اللبنانيين عموماً والمودعين خصوصاً، سجّلت فيه “اعتراضها على مضمون قانون الانتظام المالي الذي تمّ تسريب النسخة التاسعة منه”.
واعتبرت أنّ “المشروع تعتريه عيوب جسيمة إن في جوهره او في صياغته. فهو يتضمّن أحكامًا من شأنها تقويض النظام المصرفي واستدامته بشكل خطير، ويطيل أمد الركود الاقتصادي”.
وقالت: “من غير المقبول، أن تتهرّب الدولة من مسؤولياتها وتلقيها على البنوك وتتسبّب بتصفية القطاع والقضاء على حق المودعين باستعادة ودائعهم”.

وسألت: “من سيُغطّي خسائر المودعين الناجمة عن تصفية البنوك التجارية؟ وكيف يتوافق هذا التوجّه مع التصريحات المُستمرة بأنّ إعادة بناء القطاع المصرفي أمرٌ حيويٌّ لتعافي لبنان ونموّه في المستقبل؟”

واقترحت خطةً تتضمن ما يلي:

1 تأمين وفاء مصرف لبنان والمصارف بالتزاماتهما التعاقدية بشأن الودائع وضمانة الدولة لمصرف لبنان بموجب المادة 113 من قانون النقد والتسليف.
2- ضمان استعادة القطاع المصرفي للثقة والمصداقية وتحقيق الاستقرار المالي.

3- إعادة الودائع من خلال تخصيص ما يلزم من أصول مصرف لبنان والدولة لصالح تنفيذ التزاماتهما، والحدّ بشكل كبير من تحميل المصارف العبء غير العادل المنصوص عليه في المشروع.

4- إعادة بناء الثقة في الاقتصاد اللبناني من خلال استعادة النمو والاستدامة المالية.

في المقابل، قال رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد، في حديث لـ”هنا لبنان”، إنّ ما يُسمّى “خسائر” هو في الأساس دين مترتّب على مصرف لبنان تجاه المصارف، والتي هي بدورها مدينة للمودعين.

وأوضح أنّ القانون المقترح ينقل العبء أولاً إلى المودعين، وثانياً إلى المصارف، من خلال شطب الودائع ورأسمال المصارف، واستبدال معظم الودائع بسندات من دون أي قيمة فعلية تُستحق في مستقبل بعيد.

وحذّر راشد من أنّ هذا التوجّه يؤدّي إلى إفلاس المصارف والمودعين معاً، فيما تُعفى الدولة ومصرف لبنان من تحمّل الخسائر، رغم أنّ مصرف لبنان جزء من الدولة وعليهما تحمّل كامل المسؤولية.

ودعا راشد مصرف لبنان إلى تأمين السيولة عبر تسييل معظم الأرباح المتحققة من الذهب، إضافة إلى إعادة الاحتياطي الإلزامي الذي يُعدّ ملكاً للمودعين، مشدداً على ضرورة استخدام ما لا يقل عن نصف هذا المبلغ لتعويض المودعين وتأمين السيولة على أساس نسبي.

وختم بالتأكيد أنّ الحل يكمن في توفير السيولة، لا في شطب الودائع.

في السياق نفسه، كانت قد حذّرت مصادر مصرفية، عبر “هنا لبنان”، من أنّ “أي خطّة تقوم على تحميل المصارف كامل الخسائر ستدفع الغالبية الساحقة منها إلى الإفلاس”، مشيرةً إلى أنّ القطاع اليوم يمتلك سيولةً محدودةً بالفريش لا تتجاوز نحو أربعة مليارات دولار، إضافةً إلى أصول وسندات يوروبوند بقيمة تقدَّر بما بين مليارين وثلاثة مليارات، “في حين أنّ قيمة الالتزامات المطلوب سدادها تفوق بكثير هذه القدرة”.

وترى المصادر أنّ “المقاربة المطروحة تؤدّي إلى إفلاس كل المصارف في لبنان، وهو ما يعني عمليًا فقدان المودعين لحقوقهم بشكل شبه كامل، لا سيما أنّ السيولة الحالية بالكاد تكفي لتسديد جزءٍ محدودٍ من الودائع التي تصل إلى مئة ألف دولار، فكيف بباقي الودائع الأكبر؟”.
وتضيف أنّ “المصارف لن تتمكن من الاستمرار إذا تبخّرت رساميلها، لأن إعادة تكوين رأس المال تتطلب دخول مستثمرين جدد، وهؤلاء يحتاجون إلى رؤية فرص ربح مستقبلية معقولة. أمّا في ظل التزامات ضخمة تفوق أي قدرة على توليد الأرباح، فلا مستثمر محليًا أو خارجيًا مستعد لضخّ أموال في قطاعٍ مثقلٍ بهذه الخسائر”.

وتحذّر المصادر من أنّ “انهيار القطاع يعني أيضًا خسارة المصارف علاقاتها مع المصارف المراسلة في الخارج، وتسريح نحو 14 ألف موظف وآلاف الأسر التي تعتاش منها، إضافةً إلى ضرب شبكة خدمات مالية بُنيت خلال ثمانية عقود.

وتشير إلى أنّ “إصدار سندات طويلة الأجل للمودعين “هو محاولة لشراء الوقت ريثما يتمكّن القطاع من إعادة تكوين السيولة اللازمة لإعادة الأموال للودائع التي تفوق مئة ألف دولار”. وتضيف: “لا أحد يستطيع الجزم ما إذا كان سيتم السداد كاملًا أم لا، لكن هذه الآلية هي المتاحة حاليًا في ظل غياب السيولة”.
أمّا في ما يتعلق بدور الدولة، فتؤكد المصادر أنّ “جوهر المشكلة يكمن في أنّ الدولة ترفض تحمّل مسؤولياتها، على الرغم من أنها الطرف الأساسي المتسبّب بالأزمة عبر الإنفاق غير المنضبط، والدعم العشوائي، وتراكم عجز الكهرباء، والاقتراض المفرط من مصرف لبنان وغيرها”.
وتشير إلى أنّ الدولة “هي الطرف الأكثر استفادة من الانهيار”، بعدما تراجع عبء رواتب القطاع العام من نحو 7–8 مليارات دولار إلى ما يقارب ملياري دولار فقط، وتوقّفت عن دفع فوائد الدين التي كانت تتجاوز ستة مليارات سنويًا”.

وتحذّر المصادر من أنّ “تجاهل الدولة لمسؤولياتها “يعني تدمير الثقة بالقطاع المصرفي وبالمنظومة المالية لعشرات السنوات المقبلة، لأنّ المودعين لن يستعيدوا أموالهم في الأجل القريب، وربما لا يستعيدونها كاملة أبدًا”.
وتختم المصادر: “هكذا تُضرب الثقة، وهكذا يُهدَّد مستقبل الاقتصاد لسنوات طويلة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us