قانون الفجوة المالية: تشريع رسمي لاقتطاع الودائع وحماية الدولة على حساب المودعين

لبنان 26 كانون الأول, 2025

يُثير مشروع “قانون الفجوة المالية”، في نسخته الأخيرة المُعلَن عنها في 20 كانون الأول، موجة اعتراض واسعة، وسط تحذيرات من أنّه يُكرّس خسائر جسيمة بحق المودعين، ويمنح الأولوية للدولة ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، بدل حماية حقوق أصحاب الودائع الذين دفعوا ثمن الانهيار منذ عام 2019.

سندات غامضة بدل الودائع: اقتطاع مقنّع

ينصّ المشروع على تعويض المودعين المتوسطين والكبار عبر “سندات قابلة للتداول” بشروط غير واضحة وطويلة الأجل، من دون أي ضمانة لقيمتها الفعلية. وبعد أن خسر المودعون مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، يُطلب منهم اليوم القبول بتعويض غير قابل للتقييم، ما يعني عمليًا اقتطاعات كبيرة من ودائعهم، رغم التطمينات السياسية المتكررة.

صندوق النقد أولًا… والمودعون أخيرًا

يعكس المشروع التزامًا شبه كامل بإملاءات صندوق النقد الدولي، عبر نقل الخسائر من الدولة ومصرف لبنان إلى المودعين. ويُحذّر خبراء من أنّ هذا النهج لا يهدد حقوق المودعين فحسب، بل يُعرّض القطاع المصرفي لانهيار شامل، خصوصًا في ظل عدم معالجة دين الدولة الذي لا يقل عن 16.5 مليار دولار، ما يجعل المودعين الحلقة الأضعف في المعادلة.

غياب المساءلة: الدولة ومصرف لبنان خارج دائرة المسؤولية

الانهيار المالي في لبنان هو نتيجة مباشرة لعقود من سوء الإدارة والسياسات المالية الخاطئة، وهو ما أقرّ به رئيس الحكومة نواف سلام نفسه، حين قال إنّ الأزمة “ليست خطأ المصارف بل خطأ الدولة”. ومع ذلك، لا يعكس مشروع القانون هذا الإقرار، إذ يتجاهل تحديد المسؤوليات الحقيقية، ويتّسم بطابع عقابي تجاه المصارف، فيما يقع العبء النهائي على المودعين.

الودائع حق قانوني وأخلاقي

إعادة الودائع ليست منّة ولا خيارًا سياسيًا، بل واجب قانوني وأخلاقي. فالدولة مُلزَمة بإعادة رسملة مصرف لبنان ومعالجة الخسائر الناتجة عن سياساتها. غير أنّ المشروع الحالي يتجاهل هذه الالتزامات، ويقدّم حماية أصول الدولة والمصرف المركزي على حساب حقوق المواطنين.

الأصول العامة: الحل المُغيَّب

تُشكّل الأصول العامة للدولة فرصة حقيقية لتغطية جزء أساسي من خسائر المودعين، وفق الأطر القانونية المعتمدة دوليًا. إلا أنّ الخطة المطروحة تتعمّد استبعاد هذا الخيار، بما يثير الشبهات حول نية تحميل الخسائر للفئات الأقل قدرة على الدفاع عن حقوقها.

ضرب المصارف يعني ضرب التعافي

من دون حماية الودائع وإعادة بناء قطاع مصرفي سليم، لا يمكن إطلاق عجلة الاقتصاد أو استعادة الثقة. فالمصارف التجارية تشكّل ركيزة أساسية للائتمان، والاستثمار، وخلق فرص العمل. وأي خطة تؤدي إلى تدميرها ستُعمّق الاقتصاد النقدي وتُسرّع الانهيار الاجتماعي، بدل تحقيق “الاستقرار” الذي يُروَّج له سياسيًا.

دعوة مفتوحة للتحرّك

يُطالب معارضو المشروع بتعديله جذريًا لاعتماد مقاربة عادلة:
– تحمي المودعين،
– تُقرّ بالمساءلة الحقيقية للدولة ومصرف لبنان،
– تمنع تدمير القطاع المصرفي،
– وترفض تحميل اللبنانيين كلفة سياسات فاشلة فُرضت تحت ضغط صندوق النقد الدولي.

لقد عانى لبنان بما يكفي. ولا يمكن لأي خطة إنقاذ أن تنجح إذا بُنيت على مصادرة الودائع وتدمير الثقة. المسؤولية اليوم تقع على عاتق السياسيين لرفض هذا المشروع بصيغته الحالية، قبل تثبيت الانهيار بقانون.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us