سدود باسيل “المنشّفة”: هدرٌ بالمليارات ودون جدوى


أخبار بارزة, خاص, مباشر 29 كانون الأول, 2021

كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:

كثيرةٌ هي صور السيلفي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أمام السدود التي قام بتنفيذها بعد أن تعاقب على وزارة الطاقة على مدى عشر سنوات، وزراء التيار الوطني الحر، بدءاً بباسيل إلى وزراء يتبعون كلهم إلى مركزيته السياسية، إلّا أنّ المفارقة في صور باسيل أنّ جميعها كانت “سيلفي والسدّ الفاضي خلفي”.

عام 2011، وضعت وزارة الطاقة والمياه “الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه” ووعدت بحلّ مشكلة شحّ المياه بحلول عام 2021، بكلفة بلغت حوالي 10 مليارات دولار، بين 7.74 مليار دولار استثمارات و2.1 مليار دولار صيانة. إلّا أنّ ما حصل كان عكس ما وعد به وزراء الطاقة، والنتيجة صهاريج بيع المياه تتجوّل في المدن والقرى لبيع المياه للمنازل والمؤسسات حتى في عزّ كوانين.
ساهمت أيام شهر العسل السياسي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وبمباركة من حزب الله وحركة أمل بتمرير مشاريع بناء السدود التي تمسّك بها وزراء التيار البرتقالي رغم عدم جدواها والتحذيرات البيئية بشأن خطرها في المناطق المزمع إنشاؤها. وكان بنتيجتها إهدار مليارات الدولارات على ثمانية سدود أطلقها باسيل في نيسان 2009، ومعظم السدود التي أُنجزت حتّى الآن كان مصيرها الفشل، وهي: القيسماني، بقعاتا، بريصا، المسيلحة، اليمونة، بلعا. أما السدود التي لا تزال قيد التنفيذ فهي: جنّة، بسري، العاصي.
وفي معاركه لتمرير خطط بناء السدود، استخدم التيار الوطني الحر كلّ الأسلحة حتى السلاح المناطقي الطائفي. إذ تحوّل سدّ “جنّة” على سبيل المثال، المزمع تشييده في وادٍ تحت منطقة “قرطبا” إلى معركةٍ طائفيةٍ فكان عدم تمرير السّدّ بحسب النّواب والوزراء المدافعين عنه، مساهمة في حرمان المسيحيين وتهميشهم في لبنان، وتمكّن يومها الوزير جبران باسيل من كسب جولةٍ في الصراع، ونقل ملف السدّ من مديرية الموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة عام 2008 إلى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان مخالفاً المادة 282 من قانون المياه وقانون إنشاء وزارة الطاقة، ويعهد إلى المؤسسة تمويل السدّ من الإحتياطي الخاص بها بحجّة تأمين المياه للعاصمة وبعض مناطق جبل لبنان بعيداً عن محاولة الحصول على قرضٍ دولي، متحرّراً بذلك من المرور عبر مجلس الإنماء والإعمار، الذراع الإنمائي لرئاسة الحكومة، والجهات الرقابيّة الأخرى.
حتى الساعة، تم بناء خمسة سدود، ولم تجمع نقطة ماء واحدة. وتبين أن تشييد السدود، افتقد إلى دراساتٍ علمية ممّا أدّى إلى تسرّب المياه من بعضها (سد المسيلحة مثلاً)، والقضاء على التنوّع الإيكولوجي في سدودٍ أخرى (سدّ جنّة مثلاً)، وبناء سدود على فالقٍ صخريٍّ يهدّد السكان في المنطقة المحيطة في حال وقوع أيّ زلزال (بسري).
وعليه، فإنّ شبهات كثيرة، بينها شبهات فساد، حامت حول بناء السدود لجهة المناطق التي تم اختيارها، والتلزيمات لمتعهدين موكلين بتنفيذها، وغياب الرقابة الحكومية على أعمال التنفيذ.
وفي الأيام الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لعدد من السدود التي لم تمتلئ بالمياه نتيجة التشقّقات في قعرها، ما يزيد التشكيك بأنّ سياسة إنشاء السدود مرتبطة بالفساد المستشري في لبنان. وآخر فصول هذه الفضائح هي الصور التي انتشرت لسد المسيلحة شمال لبنان، والذي كلّف حوالي 50 مليون دولار، والذي كان مقدّرًا وفق موقع وزارة الطاقة أن يؤمّن مستقبلياً حوالي 30 ألف متر مكعب يومياً، وأظهرت الصور عشرات الفجوات والتشقّقات الكبيرة، التي أدّت إلى اختفاء المياه من سد المسيلحة، للمرّة الثانية خلال ثلاثة أشهر.
أمثلة أخرى، كسدّ بلعة في البترون، الذي بعدما مضت عليه ستّ سنوات، تبيّن أن أرضه مشققة، فتحوّلت الأراضي المجاورة إلى مقالع وكسارات لسدّ هذه الشقوق، وفي بلعة أيضاً قالوا إنه سيكلف 40 مليون دولار تحوّلت لاحقاً إلى 100 مليون دولار. كما تبيّن أن سدّ بقعاتا في الشوف لا يجمّع المياه، فارتفعت كلفة إنجازه، وهم يغلقون حالياً السد بنوع من الزفت لأن الأرض تُسرّب المياه، وفي المسيلحة للمرة الثانية يملؤون السد، وتعود المياه لتنقص وتتسرب في الأرض. وها هو سد بريصا في سير الضنية، الذي كلف 26 مليون دولار و12 عاماً من العمل ماثل للعيان. والأسوأ أنهم خصصوا له 15 مليون دولار من أموال سيدر لترقيعه.

المتخصص الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي قال لموقع “هنا لبنان” إنّ “السدود خيارٌ غير علميّ وخاطئ، ولجأ إليه وزراء الطاقة لأنه يؤمن الربح السريع”.
ويوضح زعاطيطي أنّ “البنية الجيولوجية الجبلية والصخور الكربوناتية القاسية والمشققة وذات النفاذية العالية في لبنان غير مناسبة لإنشاء السدود إلا في مناطق محددة، لأنّ معظم الأحواض المائية الجبلية هي صغيرة وقليلة المساحة، عدا بالطبع عن مجرى نهر العاصي، بعض المقاطع من مجرى الليطاني ومجرى الوزاني”، مضيفاً أنّ “مشاريع السدود هذه غير مدروسة جيدًا، وهي مكلفة جدًّا وغير استثمارية. ولكنها تلقى رواجًا عند بعض السياسيين لاعتبارات مناطقية سياسية وانتخابية، والدليل على ذلك النتائج الأولية لسدّ شبروح.
وإذا كانت فلسفة السدود العلمية وغايتها هي تأمين مياه ري وكهرباء رخيصة وليس لتخزين مياه للشرب كما يشاع، فإنّ مياه السدود لا يمكن شربها مباشرة وينبغي معالجتها، مما يرتب تكاليف جديدة تضاف إلى كلفة الإستملاكات والإنشاءات بحيث تصبح كلفة المتر المكعب عالية جدًّا”.
وبرأي زعاطيطي، فإن “استثمار المياه الجوفية المتجدّدة سنويًّا يظلّ الحلّ الأمثل والأقلّ كلفةً فيقول تقرير الأمم المتحدة إنّ المخازن الكربوناتية الجبلية العالية القاسية والمشققة هي ذات قدرة تخزينية عالية أكبر بكثير من المياه الجارية على السطح.
وإذا كان خيار الاستثمار في المياه الجوفية، رفضه وزراء الطاقة، ولجأوا إلى السدود، لكنهم طبقوه في قراهم لأغراض انتخابية، وهو ما فعله وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل الذي سعى لحفر بئر في ضيعته بليبل في قضاء عاليه، لتأمين مياه الشفة للمنازل والمؤسسات”.
الأخطر في ما أشار إليه زعاطيطي، أنّ قرار الدولة بمنع حفر الآبار في الجنوب مثلاً، جعل العدو الإسرائيلي يستفيد من هذه الخيرات.
ففي شمال فلسطين المحتلة، جرى حفر آبارٍ ضخمةٍ تؤمّن 500 مليون متر مكعب سنويًّا من المياه، ومصدر هذه المياه الجوفية هو الداخل اللبناني.
ويقول زعاطيطي إن ذلك “يرتقي إلى مستوى التطبيع المائي الذي بدأ عام 2010 مع إقرار ما سُمّي بـ “الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه” عندما سمحنا من خلال القرارات غير المدروسة للعدو بالاستفادة من مياهنا”. ويشرح أنّ “المياه السطحية غير متوفّرة في شمال فلسطين (مناطق سياحية وصناعية وزراعية بامتياز)، فليس هناك من ينابيع وأنهار ولا يسقط عليها كميات مهمة من الأمطار فما هو مصدر الفائض من المياه التي كانت تبيعنا إياها؟ هي حتماً حسب رأينا نحن الجيولوجيين والهيدروجيولوجيين العاملين في هذا الحقل من الآبار المحفورة على نطاق واسع في الشمال الفلسطيني لاستثمار المياه الجوفية المختزنة عندنا والجارية بشكلٍ طبيعيٍّ داخل المخزن الصخري الكربوناتي الممتدّ من الجليل الأعلى اللبناني إلى الأسفل الفلسطيني”.

إذًا، بعد عشرة سنوات كانت النتيجة، استملاك الأراضي، وقطع الأشجار، وتشويه الجبال، وهدر ملايين الدولارات من أجل إنشاء سدودٍ قيل فيها أنّها أكبر مشاريع إنمائية تنفذها الدولة قبل أن يطيح الانهيار المالي بميزانيّتها ويحوّل مواقع السدود إلى لوحة طبيعيّة من الدمار لأجلٍ غير مسمّى.
وبعد عشرة سنوات أيضًا، تبيّن أنّه ليس مهمّاً ما إذا كانت السدود المزمع إنشاؤها ستؤمّن المياه أم لا، بل المهم الاحتفاء بـ “الإنجازات” على طريقة أغنية “إحنا بنينا السد العالي” لعبد الحليم حافظ و”الحكاية مش حكاية السد الحكاية الكفاح إللي ورا السد”، كما غنّى يوماً عبد الحليم محتفلاً بعزيمة جمال عبد الناصر في بناء السدّ العالي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us