نقاش نيابي في اللامركزية الإدارية مجمّد منذ 2019… والمالية مدار سجال


أخبار بارزة, خاص, مباشر 4 كانون الثاني, 2022

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :

ما إن طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الحوار حول اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة حتى فتح السجال الدستوري، وعلى الطريقة اللبنانية تعدّدت الآراء بتفسير الدستور ووثيقة الوفاق الوطني.
أتت اللامركزية ضمن وثيقة الوفاق الوطني بنداً من بنود الإصلاحات وتحديداً تحت عنوان اللامركزية الإدارية، وتحت هذا العنوان خمس نقاط:
أوّلًا، أنه يجب أن تكون الدولة اللبنانية موحّدة ذات سلطة قوية.
ثانياً، توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين تسهيلاً لخدمة المواطنين.
ثالثاً، إعادة النظر بالتقسيم الإداري.
رابعاً، اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى أي على مستوى القضاء وما دون، وانتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام.
خامساً، اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية.

ومنذ توقيع “وثيقة الوفاق الوطني” في العام 1989 أدرجت اللامركزية في خانة الإصلاحات التي وعد بها المسؤولون مراراً وتكراراً في خطاباتهم من دون أن تقترن بالتطبيق.

طُرحت مشاريع واقتراحات قوانين عديدة حول اللامركزية آخرها مشروع القانون الذي أعدّته لجنة خاصة برئاسة الوزير السابق زياد بارود، شُكّلت بقرارٍ صادرٍ عن الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2012 بالاتّفاق مع الرئيس ميشال سليمان، ووضعت مشروعاً يقع في 147 مادة، تبنّاه النائب سامي الجميل، وقدّمه إلى المجلس النيابي على شكل اقتراحٍ ما يزال قيد المناقشة منذ 2016 في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس اللامركزية الإدارية، رأسها بدايةً النائب الراحل روبير غانم ثم انتقلت رئاستها إلى النائب جورج عدوان.
عقدت اللجنة حوالي 63 اجتماعاً، ومنذ العام 2019 لم تدع اللجنة إلى الانعقاد وتوقف النقاش في الجلسة الأخيرة عند نقطة عالقة هي التمويل وطلبت “بعض المعلومات عن واردات الخزينة وكيفية توزّعها على الأقضية وعلى القطاعات الإنتاجية على أن تستحصل اللجنة على بعض المعطيات لكي تتمّ مقاربة هذه المواد بواقعية وعلمية”.
وعلى رغم مناداة جميع الأفرقاء باللامركزية الإدارية إلا أنهم اختلفوا على كيفية تطبيقها، وصحيحٌ أنّ جميعهم اجتمعوا في اللجنة الفرعية لمناقشتها إلا أن آراءهم تباينت في محطات كثيرة آخرها اللامركزية المالية، وفي هذا الإطار أكد الوزير السابق زياد بارود لـ “هنا لبنان” أن اللامركزية الإدارية والمالية تتكاملان وأنّ مشروع القانون الذي يناقش يتضمن الشقين إذ أن العصب المالي يبقى الأساس لتنفيذ المشاريع والمهام.
وعند الاستفسار أكثر عن سبب عدم اجتماع اللجنة منذ العام 2019 تباينت الأجوبة، منهم من قال بحسب مصادر اللجنة لـ “هنا لبنان”: “الثنائي توقف عن الحضور، ولم ندع إلى الاجتماع ولا نعرف الأسباب”. ورأى البعض في أفكار زملائه النواب ما ينسف مبدأ الدولة الموحدة والجنوح نحو الرغبة بأن يعيش كل فريق لوحده. أما الجواب الأكثر تداولًا فهو التذرع بـ “كورونا”.

إلّا أنّ النائب سمير الجسر كان حازمًا في حديثه لـ “هنا لبنان”، وهو الذي تابع موضوع اللامركزية منذ بداية مناقشته في مجلس النواب وفي الندوات المخصصة لذلك، بالتأكيد إنّ الأمور توقفت عند نقطة التمويل، لافتاً إلى “أن ما كان مطروحًا يخالف مبدأ التوازن الذي هو أساس اللامركزية، إذ كانت ستزداد المناطق الغنية غنى والمناطق الفقيرة فقرًا، وكان النقاش حول عملية التكافؤ كي لا يكون هناك خلل في التوزيع وتكون عملية الإنماء متوازية بين المناطق، إلّا أنّ الأمر توقّف بانتظار إجراء دراسة، ولم نعد نجتمع إذ لم ندعَ إلى اجتماع وأعطيت الأولويات لأمور أخرى”.
الجسر لفت إلى أن “تعديلات طرأت على المشروع في اللجنة الذي رأسها النائب الراحل روبير غانم وثم رأسها النائب عدوان، وكل الأفرقاء السياسيين كانوا ممثلين في اللجنة. واستكمل البحث من النقطة التي انتهت في لجنة غانم”.
مستغرباً طرح اللامركزية المالية الموسعة سأل الجسر: “في أي قاموسٍ قانونيّ نجدها؟”، وقال: “ما ورد في الطائف هو اللامركزية الإدارية، كنت أسمع ما يرد على ألسنة البعض في الإعلام حول اللامركزية المالية وكنت أستغرب، ولكن أن تصدر عن رئيس الجمهورية فهي بلا شك مدروسة على نطاق أوسع، وأستغربها”.
الجسر شدّد على أن “اللامركزية لا تلغي دور الدولة المركزية التي يبقى لها الدور الأساس في دعم وحدات لامركزية عاجزة مادياً أن تقوم لوحدها ببعض المشاريع”، مؤكداً أنّ “الجميع مقتنع باللامركزية على أن تصل إلى نتيجة”. وهنا أعطى الجسر مثالاً “الدولة الفرنسية التي سعت منذ الثمانينات في عهد الرئيس فرنسوا ميتران إلى الدفع نحو اللامركزية وأمّنت إنماءً وتنمية متوازنة في المناطق الفرنسية”. لافتًا إلى “الإهمال الذي يطال مناطق الأطراف وإذا راجعنا التاريخ نجد أنّ أيّ بلدٍ يتفتت من أطرافه”.
وبالتالي إن إخفاق اللامركزية في تحقيق التنمية يضعف الولاء للدولة ويشكل خطرًا إضافيًّا على الوحدة الوطنية.

وأمام تعدد الآراء، كان لا بدّ من الاستفسار عن رأيٍّ قانونيٍّ من خارج اللجنة، وقد رأى المحامي أنطوان صفير في حديثٍ لـ “هنا لبنان” أنه “بما أن اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة قد ورد في وثيقة الوفاق الوطني كان على الحكومات المتعاقبة أن تعمل لتطوير هذه المسألة من خلال إصدار القوانين اللازمة وإجراء التعديلات القانونية لتوطيد أسس اللامركزية الإدارية الموسعة”. ورأى أنه “عند الحديث عن اللامركزية الإدارية الموسعة فالمالية جزء منها، وهو تأكيد المؤكّد، إذا جاز التعبير باعتبار أنّ اللامركزية المالية تدخل في سياق اللامركزية الإدارية بمعنى أنّ الوحدات الإدارية اللامركزية لديها سلطات التمويل وسلطات أساسية تتعلق بإصدار بعض التشريعات في بعض الأحيان.
وأكّد صفير أنّ اللامركزية لا تحتاج إلى حوار بقدر ما تحتاج إلى ورشة عمل في مجلس النواب لإقرار القوانين المتعلقة بها والدخول في سياق إجرائي اي إصدار مراسيم للقوانين التي ستقرّ.
ورأى صفير أنّ توقيت طرح الموضوع اليوم ليس ملائمًا، فـ “ما هو مطلوب اليوم هو استنهاض مشروع الدولة بعدما وصل إلى الحضيض وبالتالي قبل الولوج إلى مشاريع أساسية وبنيوية مثل اللامركزية الإدارية، هناك قضايا أهم تتعلق باستقلالية القضاء، والوضع المالي والفساد المستشري في البلاد وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها والوصول إلى إنتاج سلطة جديدة تمارس الحكم بشكل مختلف عن الوضع الحالي”.
وعن الخلط بين اللامركزية والفيدرالية لفت صفير إلى أن لا علاقة إطلاقاً تجمع بين المفهومين، الفيدرالية نظام حكم، بينما اللامركزية نظام إدارة للشؤون المحلية ضمن وحدة الدولة. “اللامركزية هي موضوع إداري وليس سياسي، بمعنى الفدرالية هي لامركزية سياسية أو شبه لامركزية سياسية حسب النظام الذي يعتمد. الوحدات الإدارية يكون لديها الاستقلالية الإدارية والمالية بممارسة الحكم وممارسة السلطة المحلية”.
وعن عدم تطبيق اللامركزية منذ الطائف، أكد صفير أن الدولة لم تكن تسير بالطريقة المتوازنة في ظلّ تراكم الفروقات بين المناطق التي نما بعضها على حساب أخرى، إن كان في المالية والإدارة والضرائب والتخطيط والإنماء، إضافة إلى عدم التوازن الوطني ما أدى إلى ما وصلنا إليه اليوم”.

وأمام هذا المشهد، يبقى أنه لو أقرّ قانون اللامركزية اليوم، هناك فترة انتقالية امتدت في بعض الدول لعشرة أو خمسة عشرة سنة، بعد أن يتم تعديل القوانين المتعلّقة وبناء قدرات الأشخاص الذين سيعملون في هذه الأطُر، ولتأمين التمويل وليتأقلم المواطن مع فكرة اللامركزية الإدارية…
ونحن في لبنان لا نزال منذ الطائف حتى اليوم، نبحث عن النقاط الخلافية الكفيلة بفرملة انطلاق أيّ مشروع تحت سقف “مكاسب سياسية” من هنا أو هناك.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us