السنّة في مواجهة الأقليات: لماذا انسحب الحريري؟

كتب فيليب أبي عقل لـ”ici beyrouth”:

أراد زعيم تيار المستقبل، الرئيس سعد الحريري، إحداث صدمة إيجابية على الساحة اللبنانية والعربية والدولية من خلال تعليق عمله السياسي وعدم المشاركة بالسباق الانتخابي.
قرار الحريري، يطرح في المقابل تساؤلات حول الحضور السياسي للسنّة وتمثيلهم لبنانياً، ما يثير مخاوفاً وتخوّفًا على الصيغة اللبنانية نفسها، ومن أن يحدث ذلك شرخاً عميقاً في التوازن السياسي – المجتمعي.

ويرى البعض أنّ هذا التهميش للنخب السنية يشكّل انتصاراً بنيوياً لمشروع تحالف الأقليات في مواجهة الميثاق الوطني السني الماروني الذي عُقد بين بشارة الخوري ورياض الصلح.

في الأصل، وبمشاركة المكون الدرزي كانت النخب المارونية قادرة فقط على تنفيذ المشروع اللبناني بالكامل مع النخب السنية، من خلال شعار “لا شرق ولا غرب” الذي رفع عام 1943، واتخاذ خيار الحياد في حال نشوب صراع، وهو الحياد الإيجابي الذي نادى به البطريرك بشارة الراعي.
وتمّ إصلاح الشراكة السنية المارونية تدريجياً بعد الحرب بفضل الأحداث.
وفي ظلّ الوصاية السورية، ظهر البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير كبشارة الخوري الجديد، من خلال ممارسة الدور التاريخي نفسه كقطب للاستقلال.
في حين تحوّل كبير مهندسي اتفاق الطائف رفيق الحريري بعد اغتيال مفتي الجمهورية حسن خالد عام 1989 على يد دمشق، إلى رياض صلح جديد بدعم من القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية، في وقت سعى فيه النظام السوري إلى كسر أجنحة الحريري.
وهكذا أعاد الرجلان – بدعم من المكون الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط – إحياء شراكة عام 1943.

وكان الهدف المشترك لمار نصرالله بطرس صفير ورفيق الحريري ترسيخ هوية لبنان الكبير ودوره كبلد الرسالة، بحيث يظل مركزًا عربيًا على مستوى التنمية وخاصة في قطاع الجامعات والمستشفيات والمصارف. وهذا الهدف يناقض مشروع تحالف الأقليات، الذي يقوده محور دمشق – طهران، والذي يهدف إلى تقسيم لبنان إلى فضاء من الأقليات المشتتة يسيطر عليها نظام الأسد.

وحطّت خطى الرجلين في كل دول العالم، حاملين رسالة لبنان كبلد للحوار بين الحضارات والأديان والعيش المشترك، ما يعكس مضمون خطاب البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته إلى لبنان عام 1997.

وكلا الرجلين، أي البطريرك صفير والحريري، وجدا أنفسهما مستهدفين، بحملات شرسة من القوى السياسية، ولاسيّما المسيحية، ما جعل ريمون إده يقول في ذلك الوقت: “اتركوا البطريرك صفير والحريري وشأنهما، أحدهما يريد تحرير الرجال والآخر الحجارة”.

تحالف الأقليات
اغتيل رفيق الحريري في 14 شباط 2005، في المرحلة التي كان يستعد فيها للفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة على رأس معارضة وطنية تعددية، فجاء استشهاده ليكون دافعاً لانسحاب السوري من لبنان.
وفي العام 2011 تخلّى مار نصر الله بطرس صفير عن صولجانه بضغطٍ من حلفاء محور دمشق – طهران.

أطاح منطق تحالف الأقليات منذ 14 شباط 2006  بالشراكة الإسلامية المسيحية المؤسسة للدولة اللبنانية، وفرض شراكة بديلة وتخريبية، ولم تعد الديناميكية قائمة على منطق إقليمي بل على منطق مكاني، مركزه خارج لبنان والعالم العربي، ولنا في ذلك نموذج تحالف مار مخايل بين حزب الله وميشال عون.
واليوم، يتوقع حزب الله هزيمة حليفه العوني في الانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها في أيار، ويخشى فقدان غطائه المسيحي، لذا يسعى الحزب لتعويض هذا الغطاء باختراق البيئة السنية، مستغلاً غياب زعماء السنة التاريخيين.
وتدعو هذه المعادلة إلى السؤال عن مصير القاعدة السنية، هل سيتم الاستيلاء عليها من قبل الحركات الراديكالية أو المحلية؟
خلال انتخابات 1992، شعر المسيحيون بخيبة أمل، وبسبب قرار بكركي والأحزاب المسيحية الرئيسية بمقاطعة الانتخابات تنديداً بالوصاية السورية، لم تتعدَّ نسبة مشاركة الناخبين المسيحيين الـ17%.
في العقد التالي، دفع المسيحيون الثمن، فتمّ تعزيز الاحتلال وسطوته على المشهد السياسي المسيحي.

دوافع الحريري
لماذا اختار سعد الحريري الانسحاب من الانتخابات؟
هناك عدة عوامل دفعت الحريري لاتخاذ هذا القرار، منها عدم وضوح رؤية المرحلة المقبلة، وقال الحريري في كلمته أنّه لم يعد لديه أصدقاء أو حلفاء، في إشارة إلى أنّ حلفاء 14 آذار قد خذلوه.
ومع أنّ الحريري هو الذي أوصل عون إلى بعبدا، غير أنّ الأخير حمّل الحريري مسؤولية 30 عاماً من الأزمة، أما النائب جبران باسيل، الشريك الأساسي في التسوية الرئاسية، فضاعف الهجمات المؤذية ضده.
لذا يعتقد سعد الحريري أنه دفع ثمنًا باهظًا لوصول ميشال عون إلى بعبدا، وأنّه خسر علاقاته الإقليمية والمحلية، وعرّض مستقبله السياسي والمهني للخطر، إضافة إلى خسارته ثروته.

منطق الحريري يمكن تلخيصه بالآتي: انتصار ساحق لـ 14 آذار في الانتخابات التشريعية عامي 2005 و 2009، غير أنّ هذا الانتصار لم يترجم في الحكم بسبب غلبة السللاح.
وكان الحريري قد اتبع سياسة الاعتدال القائمة على الوحدة الوطنية قبل كل شيء، لكنّه لم يتلقَّ أي رد من خصومه.
من هنا، يترسخ الاعتقاد أنّ الانتخابات الجديدة تشكل مضيعة للوقت تحت سطوة السلاح.

سعد الحريري لا يرغب في منح غطاء قانوني لأسلحة حزب الله
يرى الحريري أن صندوق الاقتراع يمكن أن يؤدي إلى إضفاء الشرعية على سلاح حزب الله، أو قوننته من خلال استراتيجية دفاعية، كما يحصل في العراق، حيث تمنع إيران تشكيل حكومة أغلبية وتنسف نتائج الانتخابات.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، قد قال في كانون الأول 2021، أنّ مفهومي الأغلبية والأقلية لا معنى لهما في لبنان، وأن البلاد لا يمكن أن تُحكم إلا بصيغة حكومة وحدة وطنية.
علاوة على ذلك، فإن مشروع الموازنة الأخير يمثل تمامًا منطق السيطرة الذي يرغب حزب الله في اتباعه على المستوى المؤسسي والدستوري.

مشروع تحالف الأقليات يفكك وحدة البلاد ويحوّلها إلى تجمعات ومحافظات لديها مصالحها الخاصة. من هنا، يزرع الاحتلال الإيراني عبر حزب الله الفوضى داخل جميع مكونات المجتمع اللبناني، بما في ذلك داخل المجتمع الشيعي نفسه.
غير أنّ الأوساط المقربة من حزب الله، ترى أنّه سيبقى البيئة الحاضنة للشيعة في المرحلة الحالية.

في المقابل يتم إغراق السنة في أزمة وطنية تتجاوز السياق السياسي، إذ اختار البعض منهم الاستسلام غير المشروط  فيما يتعلق بحزب الله، فيما انسحب البعض الآخر من الحياة السياسية تجنباً لإضفاء الشرعية على وجود حزب الله، أما من قرروا مواجهة الاحتلال فهم قلّة.

أمام هذه الصورة القاتمة، تتذكر الدوائر السيادية أنه لا توجد حلول جزئية ومجتمعية للمسألة اللبنانية وأن المشاكل السياسية للجميع تهم الجميع، دون أي حصرية.
لذلك هناك فقط حلول وطنية تتطلب تطبيق القرارات الدولية واتفاق الطائف والعودة إلى حالة الحياد بروح ميثاق 1943 وإعلان بعبدا.
من هنا لا بدّ من إعادة تشكيل جبهة معارضة لمواجهة الاحتلال الإيراني ومنع تشويه النظام السياسي للبلاد من خلال مشروع تحالف الأقليات، على نسق اتفاق حزب الله وميشال عون.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us