المنقوشة إلى أدراج الذّكريات قريبًا؟!


كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان” :

“إذا حِبلت بالصّين، بتخلِّف عنّا”، لكنّ المفارقة هذه المرّة أنّ الحَمل لم يكن في الصّين، بل في أوكرانيا. لم يكد المواطن اللّبنانيّ التّعيس يتأقلم مع عاصفة الأزمات الدّاخليّة الّتي لم ترحم أحدًا، و”يَنعم” باستقرار سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء وتوفُّر المحروقات والسّلع الأساسيّة، حتّى كان من بين أوائل المتأثّرين بتداعيات العاصفة الرّوسيّة – الأوكرانيّة المستجدّة، الّتي رفعت حرارة الدّولار والبنزين وأَنذرت بشحّ في الطّحين والسكّر والزّيت.
في 7 آذار الحالي، أعلن وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال، أنّ “المطاحن أوقفت اليوم تسليم أفران المناقيش ومخابز المرقوق والباتيسري، كميّاتها المقنّنة أصلًا من الطّحين، وقد أقفل البعض منها أبوابه”، مبيّنًا أنّ “التّسليم اقتصر فقط على أفران الخبز العربي، بموجب قسائم صادرة عن وزارة الاقتصاد والتّجارة”.
هذا الإجراء خلق هلعًا وبلبلةً لدى الكثير من أصحاب أفران المناقيش والباتيسري، الّذين يعانون أساسًا من الوضع الاقتصادي والمعيشي الضّاغط وارتفاع أسعار المواد الأوّليّة وسعر صرف الدّولار، والآن باتوا مهدَّدين بلقمة عيشهم وبإقفال مصالحهم. وهناك تخوّفٌ من أن نصبح أيضًا أمام أزمة مناقيش، وأن يلتحق آلاف المعتاشين من هذا القطاع الحيويّ، بصفوف العاطلين عن العمل.
في هذا الإطار، أوضح رئيس تجمّع المطاحن في لبنان، أحمد حطيط، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّه “كان هناك قرارٌ شفهيٌّ بين وزير الاقتصاد أمين سلام ووزير الصّناعة جورج بوشكيان، يقضي بعدم تسليم الطّحين لأفران المناقيش والباتيسري، لإطالة أمد استخدام القمح الموجود في لبنان قدر الإمكان، لصناعة الخبز العربي. لكن بعد ظهر اليوم نفسه، تمّ التّراجع عن القرار وعاودنا تسليم الطّحين بشكل طبيعي إلى كلّ الأفران”.
وعمّا إذا كان من المحتمل اللّجوء إلى إجراء مماثل لاحقًا، أشار إلى أنّه “في الأسبوع المقبل، ستتّضح الصّورة أكثر، وما إذا ستُتّخذ حلولٌ جذريّةٌ بموضوع القمح المستورَد. عندها يتبيّن ما إذا كنّا سنستمرّ بالتّوزيع بالوتيرة الحاليّة، أو سيتمّ التوقّف عن تسليم الطّحين لأفران المناقيش والباتيسري”.
وقد ساد في الأيّام الأخيرة تخوّفٌ من أن تصبح المناقيش، الّتي هي عنصر أساسيّ في المطبخ اللّبنانيّ، من الماضي. إلّا أنّ حطيط طمأن “أنّنا في الوقت الحالي، نسلّم الطّحين للأفران بشكل طبيعيّ، والمخزون يكفي لشهر ونصف الشّهر”، مؤكّدًا “أنّنا إذا تبلّغنا في الأيّام المقبلة، بأنّه تمّ شراء القمح من الخارج أو وصلت أي باخرة محمّلة بالمادّة إلى لبنان، فبرأيي لن يُتّخذ أيّ إجراء متعلّق بأفران المناقيش، ولا داعي لتخويف النّاس قبل أن نعرف ماذا سيحصل الأسبوع المقبل”.
وذكر أنّ المخاوف المرتبطة بالقمح نتيجة حرب روسيا على أوكرانيا، اللّتان تُعدّان من بين أكبر مصدّري القمح في العالم، “لا تقتصر على بلدنا، فالعديد من الدّول أوقفت تصدير إنتاجاتها أو الحبوب إلى الخارج”. وعن إمكانيّة التوجّه لشراء القمح من لبنان بدلًا من استيراده، لفت حطيط إلى أنّ “كميّات القمح اللّبناني المنتجَة قليلة، وبأفضل الحالات لا تكفي لأكثر من 20 يومًا”، كاشفًا أنّ “العام الماضي، تمّ إنتاج 25 ألف طنّ من القمح، والكميّة المتبقّية في البلد هي نحو 10 أو 15 ألف طنّ فقط، والباقي تمّ تصديره”.
الأزمات لا تطرق باب الّلبنانيّ، بل تقتحم حياته بكلّ ثقلها من حيث لا يدري. وقد أبى قطار التّغيير أن يمرّ عبر سكّة نمط حياتنا اليوميّ فحسب، بل تجرّأ أن يأخذ من ذكرياتنا محطّةً له. غير أنّ هذا التّغيير لم يكن بإرادتنا، بل فُرض علينا نتيجة نهج سياسيّ اتُّبع لعشرات السّنوات، وحتّى بسبب أزمات وحروب خارجيّة أحرقتنا شظاياها. وبعد أن حُرمنا من أبسط حقوقنا ومقوّمات العيش الكريم، ها نحن قد نُحرم حتّى من المنقوشة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us