كي لا ننسى انفجار مرفأ بيروت.. اتركوا أهراءات القمح شاهدة على الجريمة!

المصدر: رويترز

تضغط أسر ضحايا انفجار مرفأ بيروت عام 2020 على الحكومة اللبنانية للاحتفاظ بأهراءات القمح كنصب تذكاري، قائلة إنّ هذه الخطوة ستكون بمثابة اعترافٍ قويٍّ بالمعاناة في بلد لا يزال يكافح من أجل التكيف مع سنوات الحرب والفتنة.

عمل غسان حصروتي في أهراءات القمح الشاهقة لما يقارب الأربعة عقود – حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا. أخبر غسان زوجته أنّه كان يحتمي بالجدران السميكة للأهراءات أثناء القصف.
تتذكّر تاتيانا ابنة حصروتي: “كان يقول لأمي: أنا خائف عليكِ لأنّكِ في المنزل، ولا أخاف على نفسي لأن لا شيء يمكن أن يضرّ بالأهراءات، لا الشظايا ولا غيرها… لا شيء يمكن أن يسقطها”.
في الرابع من آب 2020، كان غسّان يعملُ لوقتٍ متأخّر عندما أودى الانفجار الضخم في المرفأ بحياته وحياة 215 آخرين على الأقل، كما تضرّرت أهراءات القمح بشكلٍ كبير جرّاء الانفجار.

وإذ صادف يوم الأربعاء الماضي الذكرى الـ47 لبدء الحرب الأهلية في لبنان، تحارب ابنة غسّان وأقارب آخرين من شهداء انفجار الرابع من آب خطط الحكومة لهدم الأهراءات.
يقول المسؤولون اللبنانيون إن الأهراءات المدمرة يجب هدمها وفسح المجال لبناء أخرى جديدة، وتكتسب الخطوة المقترحة زخمًا وسط توقعات بنقص الحبوب عالميًّا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

لكن بحب الناشطين وعائلات الضحايا فالأعمدة التي تقف مثل شاهد قبر كبير عند المدخل الشمالي لبيروت، يجب أن تبقى كنصب تذكاري – على الأقل حتى استكمال التّحقيق في الانفجار وتحقيق العدالة في بلد اعتاد على عدم المحاسبة.

قالت حصروتي: “في لبنان اعتدنا على ذلك، فعند أيّ حدثٍ يجلبون لنا شيئًا أكبر وأشدّ، ونحن ننسى”.
“السياسيون يعملون بجهدٍ حتى نستيقظ كل يوم على مخاوف جديدة، ولهذا السبب أقول أن الأهراءات يجب أن تبقى، لأنّ النّاس ربّما يمرون بها ويتذكرون: لقد مات الناس هنا”.

الشاهد على جرائمهم
واجه التحقيق في الانفجار، وهو أحد أكبر التفجيرات غير النووية التي تم تسجيلها على الإطلاق، معارضة من نظام سياسي أقيم في نهاية الحرب الأهلية 1975-1990، عندما صدر العفو عن أمراء الحرب الذين حصلوا على مقاعد في الحكومة.
خلفت الحرب نحو مئة ألف شهيد وهناك 17 ألفًا ما زالوا في عداد المفقودين – لكنها تُركت خارج المناهج الدراسية وأعيد بناء المناطق الأكثر تضرراً في بيروت بدون آثار عامة.
يقول المؤرخون إنّ ذلك أدى إلى فقدان ذاكرة جماعي بشأن الحرب – وهو أمر تسعى عائلات ضحايا الانفجار بشدة إلى تجنبه.

قالت ريما زاهد لرويترز، التي مات شقيقها أمين في الانفجار، “لقد نشأنا جميعًا خلال الحرب الأهلية، ونتذكر كيف كانت الصواريخ تطير فوق رؤوسنا. لقد نسيها اللبنانيون لأنه تمّ محوها، لأنهم ببساطة أعادوا بناء كل شيء”.
ومنذ ذلك الحين، ساعدت زاهد في تنظيم احتجاجات لدعم التحقيق والحفاظ على الأهراءات.
وقالت لرويترز: “اليوم نحن بحاجة إلى أهراءات القمح كشاهدٍ حيٍّ على جرائمهم.
فيما تقول الحكومة اللبنانية إن لديها أولويات أخرى”.

قلب بارد وعقل بارد
وقال وزير الثقافة محمد مرتضى لرويترز إن مجلس الوزراء قرر هدم الأهراءات وإعادة بناء أهراءات جديدة بناء على “تقييم اقتصادي بحت” لاحتياجات الأمن الغذائي في لبنان.
كما قال مسؤولون لبنانيون إنّ لبنان يحتاج إلى تخزين المزيد من القمح لمواجهة النقص العالمي في الحبوب الناتج عن الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث كان لبنان يستورد معظم قمحه منها.
وأشار مرتضى إلى أنه لا يمكن تجديد المباني لأسباب فنية وصحية، لذلك كان لا بد من هدمها.
وكان قد تراجع عن قرار وضع المبنى على لائحة الجرد العام قبل أيام، ما يتيح التوجّه نحو هدمه بناءً على توصيات اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة وضع المبنى.
“ما يرضي أهالي الضحايا أو لا يرضي أهالي الضحايا رغم أهميته ليس ما يطلبه وزير الثقافة. فالمطلوب منه أن يتعامل مع الملفّ بقلب بارد وعقل بارد على قاعدة: هل هي مرتبطة بالتاريخ أم لا؟

من جهتها قالت الناشطة سهى منيمنة إن خطوة تدمير الصوامع ترقى إلى “محو مسرح جريمة”.
وقد صرّحت منيمنة التي هي عضو في نقابة المهندسين، أن النقابة قامت بإعداد تقرير عن الصوامع لدراسة إمكانية تجديدها.
وقالت منيمنة إنه يجب تعزيزها “حتى تبقى في الذاكرة الجماعية للشعوب حتى لا تتكرر”.

أما بالنسبة لتاتيانا حصروتي، فالأهراءات مع أنّها تُعيد لها ذكريات مؤلمة لكنها أيضًا رمز للقوة.
“بعد وفاة والدي هناك، أشعر أن ما بقي من الأهراءات يرمز لعائلتي. فعلى الرغم من كل ما حدث لنا وكل الحزن الذي عشناه، فإن عائلتنا لا تزال صامدة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us