اللبناني يتمسك بسيارته القديمة كأحد أسلحته في مواجهة الأزمة


أخبار بارزة, خاص, مباشر 22 نيسان, 2022

كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:

يقتصدُ أحمد في شراء بعض احتياجاته الشخصية الضرورية بغية شراء “جوان كيلاس” لسياراته المستعملة نهاية الشهر، بعد أن تخلى -مرغمًا- عن فكرة شراء سيارة جديدة العام الماضي، إثر توقفه عن العمل بسبب إغلاق المعمل الذي كان يعمل فيه محاسباً في منطقة طريق الجديدة، بفعل الأزمة المالية والاقتصادية الكارثية، الساحقة والماحقة التي ضربت لبنان منذ ثورة تشرين 2019.
“كنت أعمل ب 1000 دولار شهريًّا، واليوم بالكاد أؤمن لقمة العيش لعائلتي، خططت وزوجتي لاقتناء سيارة جديدة لكن الكارثة المعيشية التي حلت باللبنانيين، دفعتنا إلى بيع مصاغ زوجتي لمواجهة التدهور المعيشي، متمسكين بسيارة الـnissan sunny من طراز 2008 حتى الله يفرجها علينا وعلى الجميع”، يشرح في حديثه لـ “هنا لبنان” الحالة التي يعانيها اليوم مع عائلته.
واقع الحال المأساوي في لبنان، دفع بالكثير من اللبنانيين إلى التخلي عن “البرستيج” الذي لطالما كانوا يرضخون لضغوطه، بعد أن استعادت مقومات الحياة المرتبة الأولى، لتتبخر فكرة شراء سيارة جديدة، كواحدة من مظاهر الرغبة في الظهور المكلفة، وتكفي جولة سريعة على صالات العرض الخاوية التابعة للشركات المستوردة للسيارات، وعلى معارض السيارات المستوردة في بيروت الخالية من الزبائن وضواحيها، لنلمس أن هذا القطاع يعيش آخر أيامه .
سياسة مواجهة جديدة للأزمة قلما ألفها اللبنانيون، بدأت ملامحها تظهر منذ بداية تدهور سعر صرف الليرة في السوق السوداء، التي فقدت 90 % من قيمتها حتى اليوم، حيث بات اللبناني يعيش حتى همّ تغيير قطع سيارته المستعملة، التي يدفع ثمنها بالدولار الأميركي، متمسكاً بالفرج ولو تأخر طبقاً للآية الكريمة “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً “.
ويؤكد دانيال شميط (33 عاماً) صاحبُ كاراج ميكانيك سيارات في المدينة الصناعية في عاليه، في حديث لـ “هنا لبنان” أن معظم زبائنه اليوم لم يعد لديهم مشكلة في تركيب القطع التايوانية والصينية، بدلاً من اليابانية أو الألمانية لسياراتهم المستعملة، وذلك من باب التوفير على جيوبهم، هرباً من أسعار القطع الأصلية التي تفوق قدرتهم المادية، كاشفاً عن إصرار الكثير على حصر التغيير بالقطعة التي تشكلُ خطراً على حياتهم أو على السيارة، وتأجيل البقية لوقت آخر، عند اكتشاف الزبون أن هناك أكثر من قطعة تحتاج إلى استبدالها بجديدة.
الأزمة لا تقف هنا، فأوجهها متنوعة الأشكال، وليس آخرها الضربة المؤلمة التي تلقاها الكثير من اللبنانيين، خصوصاً أصحاب السيارات ذات المحركات الكبيرة، والذين شعروا أنها باتت تشكل عبئاً عليهم بعد أن سجلت أسعار المحروقات سقوفاً خيالية خلال الأشهر الماضية بفعل ارتفاع أسعار النفط عالمياً على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا.
فحوالي 80% من اللبنانيين يعتمدون على السيارات الخاصة، و18% على “التاكسي” و”السرفيس” و2% على الباصات والفانات والدراجات الهوائية، إلا أنّ هذا الارتفاع الذي وصل اليوم إلى حوالي 450 ألف ليرة لصفيحة البنزين، وهو ما يتجاوز نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان ب 115 ألف ليرة يشكل عبئاً إضافياً على كاهل كلٍّ منهم، وفاقم من مشاكلهم التي يواجهونها مع أسعار السرفيس أثناء تنقلهم إلى مراكز أعمالهم، ومدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم التجارية…
ومن هنا برز “التوك توك” على الساحة، إذ كيفما التفتّ في بيروت وضواحيها هذه الأيام، لا بد أن تصادفه أمامك، مشهد ٌبات مألوفاً، بعد أن فرضته الظروف المعيشية والمالية للبنانيين بقوة، فتحول في الوقت عينه إلى خط دفاع معيشي، ومصدر رزقٍ للكثيرين لا سيما في ضواحي العاصمة الفقيرة وفي الكثير من قرى البقاع الشمالي وعاصمة الشمال طرابلس.
وبالعودة إلى شميط نجده يُشدد على أنّ الزبون اليوم يُفكر من النواحي كافة، ويُضيف “العديد من زبائني باع سيارته الكبيرة الحجم كالـ Range Rover والـ X5 BMW وتويوتا لاندكروز و FJ Cruiser والـ GMCواشترى سيارات صغيرة، وبسعر أقل، مثل الـ picanto والـ هيونداي جيتز، ونيسان ساني، وتويوتا بهدف توفير البنزين”، لافتاً إلى أنّ هذه السيارات الصغيرة الحجم، ومعظم السيارات ذات الطراز تحت الـ 2010 تعتبر ناجحة، وتوفر في استهلاك البنزين، ولا تتعرض إلى الكثير من الأعطال، كما أنّ قطع الغيار الخاصة بها رخيصة نسبياً.
وهكذا نجح اللبناني في تدوير زوايا مشكلته مع السيارة، التي تجمعه علاقة وثيقة بها بدليل تجاوز عدد السيارات والعربات المسجلة في لبنان المليونين، وفق إحصاءات رسمية، في ظل وجود 80 % من اللبنانيين تحت خط الفقر، ومع انعدام شبه كامل لشبكة متكاملة لتأمين خدمة النقل المشترك إلى كل المناطق اللبنانية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us