قلب بيروت محطم.. “المدينة” لم تعد تلك التي نعرفها!

كتب نيكولا بو لـ“mondafrique”:

بيروت لم تعد تشبه نفسها، تذكّرنا المدينة بالضبابية التي عرفها اللبنانيون خلال الحرب الأهلية، حينها لم يكن التجوّل عند خط التماس بين المسيحيين والمسلمين ممكناً.
الأمر، لا يتعلّق بكون الاشتباكات بين الطوائف عادت وبدأت تشكّل تهديداً، الأمر أسوأ من ذلك. فوسط المدينة بات مهجوراً، المتاجر فارغة، الشوارع مهترئة وغير مضاءة. المطاعم فاتورتها غالية بسبب ارتفاع الدولار، المداولات العقارية تراجعت إلى النصف، وتكلفة المحروقات باتت تتساوى والإيجار.

أرصفة مشاة غير مضاءة، بل وأكثر، لم تعد هذه الأرصفة موجودة، فالقمامة تلتهم كل شيء، والأنقاض في كلّ مكان، مواقع البناء غير مكتلمة، الأسلاك الكهربائية تتدلّى من المولدات، ومواقف السيارات احتكرتها العصابات المحلية وتديرها.

كل ذلك، ناهيك عن التسوّل الذي بات ظاهرة في بلد يستضيف مليوني لاجئ ويعيش 80% من سكانه تحت خط الفقر.
ففي هذا البلد، يوجد مليون ونصف لاجئ سوري، ونصف أطفال هؤلاء ليسوا في المدرسة وهذه نسبة مقلقة.

المباني في كلّ مكان مدمّرة، وبيروت لا تزال تحمل ندوب انفجار 4 آب المروع، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وسقوط 6 آلاف جريح، ناهيك عن المشاريع التي توقفت بسبب الأزمة المالية.

في ساحة الشهداء، تجد المسجد الضخم الذي بناه رفيق الحريري صامداً، والحريري هو بانٍ عظيم، وكان قد اغتيل في العام 2005.

ما يضّيع هوية بيروت هي تلك المتاريس التي نصبها الزعماء الكبار لحماية أنفسهم من احتجاجات الشعب التي بدأت في العام 2015.
الميدالية الذهبية في وضع المتاريس بوجه الشعب، كانت من نصيب رئيس مجلس مجلس النواب نبيه برّي.
فزعيم حركة أمل، استطاع لأربعين عاماً، الاستيلاء على هكتارات مغلقة. بالجدران والحواجز والأسوار التي يحيط بها عدد كبير من الحرس، وهؤلاء يتقاضون رواتبهم من الدولة اللبنانية علماً أنّهم مجندون داخل حركة أمل، وهدفهم حماية الرئيس برّي ومن معه.

وكانت السلطة مع ثورة 17 تشرين قد حوّلت السراي الحكومي إلى قصر حكومي، ولوّن المواطنون الألواح الخشبية بألوان الثورة.

في الليل، الشوارع مظلمة، لا ضوء يحيط بالشوارع المهجورة المحيطة بهذه المباني، إسفلت الشوارع بات متضرراً، وحتى شارع المصارف بات قاتماً، وكل هذا يعني أنّ بيروت ماتت! ولكن بيروت لا تموت!

لبنان اليوم على وشك الانهيار، لكن لا ينبغي علينا دفنه بسرعة كبيرة. فقد تمّ تطعيم هذه البلاد ضد الاكتئاب بخمسين عامًا من الحروب الأهلية والاحتلال الأجنبي والقصف المتواصل والاغتيالات السياسية وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين.
وهذه البلاد التي تسامحت مع الفساد الوقح لفترة طويلة، لن تستلم أبداً في مواجهة المحن، فهي تملك طاقة أسطورية، وستولد هذه المدينة الأسطورية مجدداً.
ستأتي ولادة هذه المدينة الأسطورية، كالعادة..

أمام مرفأ بيروت الذي تم تفجيره في 4 آب، نسمع أصوات آلات ثقب الصخور التي تعمل على إعادة بناء الشقق المدمرة، دون انتظار الضوء الأخضر من شركات التأمين التي ربما لن تأتي أبدًا.
وعند حلول الظلام، يتجول حشد من المواطنين على طول الكورنيش إلى صخرة الروشة، وبالكاد ترى العائلات في المقاهي بسبب الوضع الاقتصادي السيء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us