التصويت الإلكتروني “معلّق”منعاً للإحراج.. مخيبر: منظومة حاكمة تخشى الشفافية والنسبية


أخبار بارزة, خاص 14 حزيران, 2022

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :

على وقع صوت مطرقة رئيس مجلس النواب مصحوباً بكلمة “صُدّق”، كم من قوانين أقرت بالتصويت برفع الأيدي من دون معرفة من أعطى الموافقة من النواب أو حجبها وسط أصوات نيابية معترضة أحياناً بسبب عدم الدقة في تعداد الأصوات.
إشكالية أثارت مراراً جدلاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري واتهامات سياسية بتمرير قوانين بعد الإتفاق عليها قبل الجلسة لتتحول إلى جلسة شكلية، ما يخالف أصول النظام الديمقراطي.
ولأنه من حق الناخب أن يحصل على الشفافية ويعرف اتجاه كل نائب إزاء القضايا التي يُناقشها مُمثلوه. ومن حق النائب التعبير من خلال اعتماد أصول سليمة للتصويت في مجلس النواب، قدّم عدد من النواب اقتراحات لاعتماد التصويت الإلكتروني في المجلس النيابي، والنائب السابق غسان مخيبر أول من قدّم الإقتراح عام 2004 لاعتماد هذا النظام في التصويت ثم عام 2006 إلا أنه كان هناك دائماً نوع من الاستهزاء واللامبالاة من الرئيس بري وعدد من النواب، ولم يتم اعتماده حتى اليوم والسؤال المطروح من الذي لا يناسبه التصويت إلكترونياً؟ ومن يخشى الشفافية ولماذا؟
الأكيد أن مجلس النوّاب مُجهّز بالمعدات اللازمة لإجراء التصويت الإلكتروني وفق ما يؤكده النائب السابق غسّان مخيبر في حديث لموقع ” هنا لبنان”، وبالتالي لا مشكلة تقنية في تطبيقه. أما السبب الحقيقي، بحسب مخيبر، فهو “بغياب الإرادة السياسية إذ إن هذا النظام يُحرج رئاسة المجلس وعدداً كبيراً من النواب على حد سواء بسبب فعاليته وشفافيته لجهة نمط التصويت والنصاب، وقد سُجلت حالات حصل فيها تصويت على قوانين من دون نصاب أو أُقرت قوانين من دون أن يكون هناك الأكثرية المطلوبة. أمر تحقق منه يومًا المجلس الدستوري بالنسبة للتصويت على إحدى المواد المتعلقة بالموازنة.
ومن الأسباب أيضاً وجود بعض النواب الذين يطلقون مواقف معينة حول مسألة ما، ثم يصوّتون بخلاف ما عبّروا عنه في مواقفهم”.
مخيبر يخالف الرئيس بري بتحججه الدائم عند طرح الموضوع بالحاجة إلى تعديل الدستور، إذ إن “تعديل آلية التصويت يستدعي تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب وليس الدستور، هذا التعديل يستدعي إجراءً بسيطاً من المجلس إذا ما أراد فعلاً اعتماد التصويت. لأن النظام الداخلي لمجلس النواب نص في المادة 81 منه على أنه “يجري التصويت على مشاريع القوانين مادة مادة بطريقة رفع الأيدي. وبعد التصويت على المواد يطرح الموضوع بمجمله على التصويت بطريقة المناداة بالأسماء”. في حين إن تقنية التصويت برفع الأيدي غير واردة بالدستور إذ أن المادة 36 من الدستور لا تذكر التصويت برفع الأيدي وهي تنص: “تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس إلا في الحالة التي يراد فيها الانتخاب فتعطى الآراء بطريقة الإقتراع السري. أما فيما يختص بالقوانين عموماً أو بالإقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال”.
وهنا يستطرد مخيبر بالقول: “حتى لو كان ذلك يتطلب تعديلاً للدستور فإن مسألة تقنية كهذه لا تحتاج إلى الكثير لتعديله إذا وجدت الإرادة، وللتذكير فإنه عند انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان اقترع مجلس النواب لقائد الجيش بمخالفة صريحة للدستور من دون تعديله.”
مخيبر أعطى هذا المثال ليؤكد أنه “بحجة أننا نريد التحسين في الأداء البرلماني يستأهل الأمر هذا التعديل التقني للدستور الذي لن يعترض عليه أحد، إنما الحقيقة هي في غياب الإرادة السياسية لذلك.”
يُميّز مخيبر بحسب المادة 36 من الدستور بين آلية التصويت العلني لمشاريع القوانين أو إعطاء ثقة أو غيرها من قرارات المجلس وبين آلية الاقتراع السري أي بأوراق ضمن مغلفات كانتخاب رئيس الجمهورية حتى لا يكون هناك أي ضغط على النائب ولكي لا يُعرف لمن انتخب.
أما النظام الإلكتروني الموجود في مجلس النواب فهو فقط للتصويت العلني ولا يتيح الإقتراع السري لأن ذلك يتطلب نظاماً مختلفاً، ويؤكد مخيبر أن “الاقتراع السري لانتخاب رئيس جمهورية أمر مستحيل لأنه عندها يجب أن توضع أمام كل نائب لوحة لاختيار الإسم، ولكن في لبنان ليس هناك من نظام ترشيح لرئاسة الجمهورية وبالتالي لا يمكن تطبيق هذا النظام في هذه الحالة.”
إلا أن تطبيق الاقتراع السري في انتخاب اللجان النيابية فممكن إذا ما اعتمد نظام إلكتروني جديد هو اليوم غير موجود، لأنه لا يجب أن يظهر خيار النائب علناً، على أن يتم الاقتراع من خلال لوحة أمامه وفق أرقام ترمز إلى النواب المرشحين وهذا غير مزوّد به المجلس حالياً.
وحتى الاقتراع السري الإلكتروني، لا يتطلب تعديلاً للدستور يكفي تعديل النظام الداخلي لأن المادة 36 من الدستور لم تحدد تقنية الإقتراع فيما النظام الداخلي في المادة 11 منه نص على أنه: “تجري جميع عمليات الانتخاب في المجلس بالاقتراع السري بواسطة ظرف خاص وأوراق نموذجية بيضاء تحمل كلاهما ختم المجلس توزع على النواب. وكل ظرف يتضمن أكثر من ورقة واحدة أو يحمل علامة فارقة يعتبر لاغياً.”
وأمام ما شهدناه أخيراً في مجلس النواب في انتخابات اللجان النيابية، يرى مخيبر “أن مشكلة انتخاب اللجان ليست مشكلة تقنية يحلها تصويت إلكتروني، المطلوب تمثيل نسبي للكتل النيابية في اللجان البرلمانية في حين أن النظام الانتخابي اللبناني هو نظام أكثري بسيط يسمح بتحكم الأكثرية أياً كانت هذه الأكثرية بمئة بالمئة من المقاعد وبالتالي حتى لو وضعنا نظاماً إلكترونياً وتم التصويت بالنظام الإلكتروني تستطيع الأكثرية استبعاد المعارضة كلها من اللجان.”
ويعطي مخيبر مثالاً عن النظام البرلماني الفرنسي أو البلجيكي الذي لا يعتمد الانتخاب في اللجان بل التعيين من قبل الكتل النيابية نفسها على أساس نظام نسبي وكل كتلة تُعطى بحسب حجمها نسبة مئوية في عضوية اللجان وتختار الأعضاء من دون تدخل من باقي المجلس.
وإذ يشير إلى أن البرلمانات في العالم قد عانت المعاناة نفسها التي يعانيها اللبنانيون وأخذت الأمور وقتها ولكنها طوّرت أنظمتها إلا أن النظام اللبناني ولسوء الحظ عصيٌّ عن تطوير النظام الداخلي لبرلمانه.
من الواضح، بحسب مخيبر، أن المنظومة الحاكمة تخشى في التصويت والإنتخاب الشفافية والنسبية، لهذه الأسباب لطالما رفضت التصويت الإلكتروني.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us