عن مفصلية معركة الاستشارات

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

لن تكون الاستشارات النيابية غداً، مجرد محطة عابرة، بل تأسيسية، والحسابات والبوانتاجات تسير بالدقائق والساعات، لأن حصيلة الاستشارات ستنفي أو تؤكد وجود أكثرية صلبة بوجه حزب الله وحلفائه، خلافاً لانتخابات رئاسة المجلس النيابي ونائبه، التي يمكن أن يوجد لها بخلاف الاستشارات أسباب تخفيفية، خاضعة لاعتبارات مجلسية، لكن الخريطة الحقيقية للمجلس لا يمكن أن تظهر إلا في محطة الاستشارت والثقة بالحكومة والانتخابات الرئاسية، أما الاستشارات فهي البداية التي ترسم خريطة الطريق إلى تشكيل الحكومة وإلى الانتخابات الرئاسية على السواء.
في توزع القوى المجلسية، بات يمكن القول أن تفاهماً قواتياً اشتراكياً قد حصل مؤداه البحث عن اسم جامع يحظى بأصوات جميع الكتل الخارجة عملياً عن حزب الله، هذا التفاهم لم يتأثر إلى الآن بالتشكيك المستمر بموقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط من زاوية أنه سيغلب في النهاية تحالفه مع الرئيس نبيه بري وسيذهب إلى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي. التشكيك له أسبابه ونفيه يرتكز إلى مصلحة جنبلاط في أن لا يصوت لرئيس حكومة مكلف من الصعب أن يؤلف إلا بشروط جبران باسيل، وبالتالي التصويت سيكون لرئيس حكومة مكلف لأربعة أشهر من فراغ التشكيل، وهذا ما يدفع جنبلاط إلى التريث قبل الإقدام على الخطوة، التي يعارضها ابنه ورئيس كتلته الاشتراكية تيمور جنبلاط، والكثير من نواب الكتلة أبرزهم مروان حمادة وأكرم شهيب.
التفاهم القواتي الاشتراكي بات كما هو معلوم قائماً على إيجاد شخصية سنية من قماشة مختلفة تحظى بموافقة التغييريين أولاً، وهي الموافقة الضرورية والمعبر إلى تأييد جميع الكتل، لأن من دونها تصبح معركة الاستشارات معركة بفوارق كبيرة، أي لا تصلح لأن توصف بالمعركة.
لهذا كانت الاتصالات بين الكتل الحزبية والتغييريين والمستقلين قد قطعت شوطاً كبيراً وتمحورت بعد الجوجلة على اسم نواف سلام الذي بدوره تواصل مع الجميع دون استثناء، كل ذلك انتظاراً ليوم الاستشارات التي ستشهد معركة أصوات لم تحصل تقريباً في انتخابات رئيس المجلس ونائبه، هذا إلا إذا ارتأى فريق حزب الله تأجيل الاستشارات إذا ما شعر بأن فوز سلام ممكن، وبأنه يحتاج لمزيد من الوقت لترتيب اتفاق بين ميقاتي وباسيل، الذي يلوح على سبيل الابتزاز بأنه سيصوت لاسم آخر، أو بأنه سيلجأ إلى الورقة البيضاء.
في الساعات المقبلة ستتبلور صورة الاستشارات أكثر، مع وضوح الصورة بالنسبة للكتل، ومنها النواب السنة الذين احتاجوا من السفير السعودي وليد البخاري إلى استقبالهم فرادى، لإنتاج موقف، من الصعب أن يشمل الجميع، نظراً لبقاء التأثير الحريري على عدد من هؤلاء النواب، الذين يريدون التصويت لميقاتي بنفس الروحية التي صوتوا بها لبري وأبو صعب، ثأراً من تغييب الرئيس الحريري عن المشهد.
مساء غد الخميس، سيكون المشهد تعبيراً عن اتجاهين متناقضين، فإما أن يسمى ميقاتي وحينها يمكن القول بكل ثقة بأن حزب الله احتفظ مع حلفائه بأكثرية نيابية، حكومية ورئاسية، أي أن هذه الأكثرية ستكون حاضرة في الانتخابات الرئاسية، وسيكون على الأطراف الأخرى أن تفتش عن الثلث المعطل الرئاسي، إذا ما سار الحزب في انتخاب باسيل أو فرنجية، أما الاتجاه الآخر فسيتمثل بتسمية نواف سلام أو من يشبهه، وحينها سوف يقدم الرئيس المكلف نهجاً جديداً، وتشكيلة حكومية توضع عند الرئيس ميشال عون، بما يعني وضع المسؤولية عند رئيس الجمهورية إذا ما رفض هذه التشكيلة (وهو المرجح)، وفي كلتا الحالتين، فإن تشكيل حكومة الاشهر المتبقية من عهد عون بات بحكم المتعذر، لأن المعركة الرئاسية انطلقت قبل معركة تشكيل الحكومة.

مواضيع مماثلة للكاتب:

ليست مسرحية

نصرالله والذاكرة المثقوبة عمداً

مآزق الصبر الاستراتيجي