بين “دولرة” الأقساط المدرسيّة واعتراض لجان الأهل… “العترة” على التّلاميذ!


أخبار بارزة, خاص 4 تموز, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان” :

لا يعلم اللّبناني من أين تهبط عليه المصائب، في دولةٍ قَطعت عهدًا على نفسها أن تحرمه من أبسط مقوّمات العيش الكريم، وأن تحوّل حقوقه الأساسيّة لأمنيات صعبة المنال. فبعدما أصبح الموت على أبواب المستشفيات أسهل من الحصول على سرير فيها، وتأمين “مرقد عنزة بلبنان” من سابع المستحيلات، وبعدما أضحت الكهرباء حلمًا أبديًّا؛ وصل الكأس المرّ إلى القطاع التّربوي.
فمع استفحال الأزمة الماليّة النّقديّة، وارتفاع سعر صرف الدّولار الأميركي مقابل اللّيرة اللّبنانيّة بشكل جنوني خلال فترة زمنيّة قصيرة نسبيًّا، وَجدت إدارات المدارس الخاصّة نفسها عاجزة عن دفع رواتب الأساتذة والموظّفين، وشراء الحاجات الأساسيّة وتسديد المصاريف التّشغيليّة؛ ما وضع الأعوام الدّراسيّة ومعها مصير آلاف التّلاميذ على المحكّ.
وقد لجأت أغلبيّة المدارس الخاصّة إلى مضاعفة أقساطها، بشكل يضمن استمراريّة التّعليم ويحفظ بعضًا من كرامة المعلّمين، مع الأخذ بالاعتبار الصّعوبات المادّيّة الّتي يعاني منها الأهالي، خصوصًا أنّ قسمًا كبيرًا منهم بات عاطلًا عن العمل. لكن مع اشتداد الأزمة أكثر، انتقل الحديث من زيادة قيمة الأقساط المدرسيّة باللّيرة، إلى فرض مبلغ نقدي بالدّولار على كلّ تلميذ، بحسب مرحلته التّعليميّة.
على سبيل المثال لا الحصر، حدّدت “مدرسة الشويفات الدّوليّة” قسطها الدّراسي للعام المقبل ابتداءً من 12 مليون ليرة، وفرضت إلى جانبه 1500 دولار عن التّلميذ الواحد، فيما طلبت مدرسة “الإخوة المريميّين” – الشانفيل من الأهالي دفع 700 دولار عن التّلميذ في صفوف الحلقة الأولى، 800 دولار للحلقتين الثانية والثالثة، و900 دولار للتّلميذ في الصّفوف الثّانويّة. بدورها، طلبت مدرسة “السان جورج” استيفاء 300 دولار عن كلّ تلميذ، فضلًا عن القسط الّذي يبدأ بـ8 ملايين ليرة للصّفوف الابتدائيّة. أمّا “ليسيه نهر ابراهيم” ففرضت مبلغ 1000 دولار عن التّلميذ، وألزمت ذويه دفعه كاملًا؛ فيما أنشأت مدرسة “الإليزيه” صندوق دعمٍ وطلبت من الأهالي تسديد ما بين 200 و400 دولار عن كلّ تلميذ.

هذا التّدبير المستجدّ خلق بلبلةً وامتعاضًا في صفوف الكثير من الأهالي، في ظلّ تفلّت بعض المدارس من أيّة ضوابط أو معايير. في هذا الإطار، أوضح الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “القانون رقم 96/515 ينظّم طريقة احتساب الأقساط المدرسيّة في المدارس الخاصّةّ. القسط يوضَع بعد تحديد الأعباء المدرسيّة والمصاريف التّشغيليّة من جهة، والرّواتب والأجور وملحقاتها وبدل النّقل من جهة أخرى”.
وأشار إلى أنّ “الوضع الّذي استجدّ مع الأزمة الاقتصاديّة، وتدهور قيمة اللّيرة اللّبنانيّة وتلاعب سعر صرف الدّولار، كلّها عوامل تسبّبت بعدم استقرارٍ في اقتصاد المدارس. كما أنّ جزءًا من المصاريف التّشيغليّة للمدارس بالدّولار، كالمحروقات والتّأمين والطّبابة وكلّ ما يتعلّق بالإلكترونيّات والقرطاسيّة، بالإضافة إلى أنّ المعلّمين يطالبون يتقاضي جزءٍ من رواتبهم بالدّولار”.
ولفت الأب نصر إلى “أنّنا تحت وطأة كلّ ذلك، أصبحنا عاجزين عن تأمين هذه المصاريف من خلال موازنة 2021- 2022 باللّيرة اللّبنانيّة”، مبيّنًا أنّ “هذه التكاليف الإضافيّة دفعت المدارس للتّفكير بإنشاء صناديق دعم بالدّولار، تموَّل من قِبل الأهالي والمساعدات الّتي تأتي للمؤسّسات التّربويّة، لتلبية الحاجات المستجدّة”.
“دولرة” الأقساط المدرسيّة قوبلت بموجة اعتراضات، منها تلك الّتي قادها النّائب إدغار طرابلسي، الّذي أكّد أنّ الخطوة “غير قانونيّة، لكنّها أصبحت واقعيّة”، كاشفًا “أنّه سيتقدّم باقتراح قانون تعديل القانون 515، لحفظ حقّ الأهل والأساتذة والمدرسة، عبر إلزام المدرسة والأهل بتعيين شركة تدقيق مجازة وخارجيّة، لتلعب الدّور الّذي كانت تقوم به الدّولة؛ وذلك للاطمئنان إلى أنّ المصاريف والموازنة والأقساط مبرَّرة”.
ردًّا على الأصوات المندّدة، شرح نصر أنّه “يمكن احتساب كلّ التّكاليف المذكورة باللّيرة، ولا مانع من ذلك، كما يمكن دولرتها، أو مطالبة الأهالي بدفعها بالدّولار، لأنّ سعر هذه العملة الأجنبيّة غير مضمون وغير مستقرّ. إذًا، كلّ هذه التّكاليف يمكن أن تدخل ضمن الموازنة المدرسيّة”.
وأكّد أنّ “الغاية ليست الخروج عن القانون، ونحن تحت سقفه، لكنّنا نريد إجابة واضحة من المعنيّين: من يتحمّل فرق سعر صرف الدّولار؟”، مشدّدًا على أنّه “لا يكفي اتّخاذ مواقف والقيام بمزايدات، بل هناك أسئلة عمليّة نريد إجابات عليها، منها: من يتحمّل فرق سعر صرف الدّولار؟ هل يستطيع المعلّم أن يعيش براتب شهري يساوي نحو 100 و200 دولار؟ هل تستطيع المدرسة أن تكمل مسيرتها دون أن تؤمّن الإنارة والقرطاسيّة والتّأمين للتّلاميذ؟ من يتحمّل كلفة هذه الأعباء بالدّولار؟ لماذا اللّبنانيّون يقبلون بالدّولرة في كلّ القطاعات، وآخرها قطاع الاتّصالات، ويرفضونها في القطاع التّربوي؟ هذه الأسئلة وغيرها برسم المعنيّين”.
وذكر أنّ “وزير التّربية ورئيس لجنة التّربية النّيابيّة، صرّحا منذ أيّام أنّ بداية العام الدّراسي 2022- 2023 بخطر، ونحن نبحث عن الحلول كي لا يبقى مصير أولادنا والعام الدّراسي في المجهول. هذه هي هواجسنا، ونريد من المعنيّين مقاربة هذا الأمر بموضوعيّة”. وتوجّه أمين عام المدارس الكاثوليكيّة إليهم قائلًا: “تعالوا نتحاور، ولنكشف لكم كلّ أوراقنا، ولنفكّر سويًّا بعيدًا عن المزايدات الإعلاميّة”.
وبما أنّ التّكاليف تختلف بين مدرسة وأخرى، لذلك من البديهي أن يتفاوت المبلغ الّذي ستطلبه كلّ مؤسّسة تربويّة. وهنا أفاد بأنّ “هناك مدارس قد لا تستطيع أن تطلب دولارًا واحدًا من ذوي التّلاميذ، وأخرى قد تطلب رقمًا بسيطًا، وهناك مدارس لديها أعباء كبيرة جدًّا. فعلى سبيل المثال، مصروف كلّ مدرسة كبرى من مادّة المازوت يفوق الألف دولار يوميًّا! يجب التّفكير بواقع المؤسّسات”.
ليس خافيًا أنّ نسبة التسرّب المدرسي ارتفعت في الأعوام الأخيرة عمّا كانت عليه قبل الأزمة، ويُتوقَّع ارتفاعها أكثر في العام الدّراسي المقبل، مع تضاعف الأقساط ودولرتها وجنون كلفة النّقل وعدم توفّر مدارس رسميّة قريبة في معظم الحالات. لمواجهة هذا الخطر، وجد نصر أنّه “يجب تفعيل السّياسات الاجتماعيّة في مؤسّساتنا التّربويّة الخاصّة. هذا الأمر ليس بجديد على المؤسّسات الخاصّة، وتحديدًا على المدارس الكاثوليكيّة، ففي كلٍّ منها هناك مكتب اجتماعي يجب تفعيله، أي يجب الوقوف إلى جانب الطّبقة الفقيرة من خلال هذه المكاتب الاجتماعيّة”.
وجزم أنّ “هدفنا ألّا نخسر أيّ تلميذ، وأن نؤمّن التّعليم للجميع دون تمييز، فهو حقّ مقدّس. لكنّ السّؤال، هل يمكن أن نؤمّن الأموال اللّازمة، لضمان استمراريّة التّعليم وجودته؟”، موضحًا أنّ “الهدف من الدّولار ليس تهجير الطّبقة الفقيرة من المدارس الخاصّة، بل المحافظة على كلّ الطّبقات الاجتماعيّة وتأمين حقّ التّعليم للجميع. من هنا، يجب مقاربة الأمور بواقعيّة وعقلانيّة ومنطق، وإلّا سنخسر أولادنا ومؤسّساتنا التّربويّة”.

أمّا اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصّة، فكان له رأي مختلف لناحيّة قانونيّة خطوة “دولرة” الأقساط المدرسيّة. ولفتت رئيسة الاتّحاد لما الطّويل، في حديث لـ”هنا لبنان”، إلى أنّ “استيفاء الأقساط المدرسيّة بغير العملة اللّبنانيّة ليس قانونيًّا. وبالعودة إلى القانون 92/515 الّذي يحكم العلاقة بين الإدارة والمدارس ووزارة التّربية، وإلى الموازنة المدرسيّة، لا شيء اسمه دولار نهائيًّا. أمّا إنشاء صندوق جانبي لا يدخل ضمن الموازنة، ويتمّ تمويله بالدّولار، فهو غير إلزامي؛ بمعنى أنّه لا يُمكن إلزام الأهل به قانونًا”.
وأشارت إلى أنّ “الأشخاص المقتدرين والجهات المانحة والجمعيّات يمكنهم المساعدة، لكنّ الصّندوق غير ملزم للأهل”، مركّزةً على أنّ “من يُحدّد الأقساط بحسب القانون، هي الهيئة الماليّة في لجنة الأهل، الّتي تدرس الموازنة مع بداية العام الدّراسي. ما يحصل حاليًّا أنّ أغلبيّة المدارس الخاصّة تعمّم الأقساط من دون الرّجوع إلى لجان الأهل، وهذا تجاوز آخر للقانون”.
وأعلنت الطّويل “أنّنا مقتنعون كلجان أهل، بظلّ الظّروف الاستثنائيّة في البلد، أنّ هناك زيادةً حتميّةً على الأقساط، لاستمرار هذه المؤسّسات والمحافظة على الأساتذة وجودة التّعليم. لكنّ هذه الزّيادات يجب أن تكون شفّافة ومدقّقة ومدروسة من قِبل لجان الأهل، عبر خبراء محلّفين تحدّدهم الّلجان أو وزارة التّربية. لا يمكن إعطاء المدارس “شيك” على بياض، من دون معرفة أين ستذهب هذه الأموال”.
كما رأت أنّ هذه الخطوة الّتي أقدمت عليها العديد من المدارس، “ستؤدّي إلى تسرّب مدرسي، ويجب إعلان خطّة طوارئ لإنقاذ القطاع التّربوي، وإلّا فنحن ذاهبون إلى كارثة في العام المقبل”.
وعمّا إذا كانت اللّجان ستلجأ إلى إجراءات قانونيّة، في حال إصرار المدارس على موقفها، أكّدت “أنّنا كاتّحاد رسمي قد تكون لدينا مساءلات في مجلس النوّاب، أو قد نتّخذ إجراءات قانونيّة، ولكنّنا في الوقت الحالي بانتظار ما إذا كان وزير التّربية سيقوم بأيّ إجراء في الأيّام القليلة المقبلة”، داعيةً لجان الأهل وأولياء الأمور كافّة، إلى “استخدام حقّهم الطّبيعي في تقديم الاعتراضات في مصلحة التّعليم الخاص”.

بعد الجامعات الخاصّة، حطّ شبح “الدّولرة” رحاله في المدارس الخاصّة، ليرتكب مجزرةً بحقّ ذوي التّلاميذ، ويخفّف بعض الأثقال عن كاهل تلك المؤسّسات التربويّة، الّتي تُطرح عدّة علامات استفهام حول مصير الأرباح الكبيرة الّتي حقّقتها طيلة السّنوات الماضية. وبين النّزوح من المدارس الخاصّة إلى تلك الرّسميّة، والمصير المجهول للعام الدّراسي المقبل، ومعاناة الأهالي والأساتذة المتفاقمة… تبقى “العترة” على التّلاميذ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us