“الحزب” يبدأ الحرب البحرية بالتوقيت الإيراني؟


أخبار بارزة, خاص 4 تموز, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :

لم تكد طائرة وزير خارجية إيران حسين عبد الأمير اللهيان تحط في مطار دمشق حتى كانت طائرات “حزب الله” المسيّرة تنطلق إلى التحليق نحو البحر قبالة منطقة حقل “كاريش” النفطي والغازي في مياه البحر بإسرائيل. فهل هذه بداية حرب بدأها الحزب في المنطقة البحرية المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط بين لبنان وإسرائيل؟
قبل أن يطل التوتر بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كانت أوساط إعلامية قريبة من “حزب الله” تتحدث عن “تصعيد أمني محدود”، ربطاً بتأخر إنطلاق تسوية النزاع البحري برعاية الولايات المتحدة الأميركية ممثلة بوساطة يقودها المبعوث آموس هوكشتاين. وعلى الرغم من التطمينات التي حملتها السفيرة الأميركية دورثي شيّا من واشنطن قبل أيام ووضعتها بتصرف المسؤولين اللبنانيين، حول تقدم هذه الوساطة، والتي تؤشر إلى إمكان إستنئناف المفاوضات غير المباشرة قريباً في الناقورة ، إلا أن “حزب الله” صعّد من شكوكه ووصل السبت الماضي إلى حد إرسال المسيّرات نحو إسرائيل تحت عنوان النزاع البحري.
في الصورة الكبيرة لهذه التطورات، لا بد من رسم صورة واسعة للتطورات المحيطة بملف ترسيم الحدود البحرية. وفي هذه الصورة، يبرز إخفاق الجولة الأخيرة من المحادثات النووية التي إستضافتها قطر قبل أيام بين الغرب وبين إيران. وجاء تحرّك وزير الخارجية الإيرانية نحو دمشق، بمثابة تحضير لمرحلة ترافق وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة في أول زيارة له منذ انتخابه قبل عامين. وعلى ما يبدو أن إسرائيل التي تخوض مواجهة أمنية بينها وبين طهران، كانت مستعدة لهذه المرحلة التي تعدّها إيران، فبعثت برسالة عاجلة قبل وصول الوزير الإيراني عبد اللهيان إلى سوريا، فوجّهت إسرائيل، فجر السبت الماضي، ضربات صاروخية ضد مواقع يُشتبه في أنها تابعة لـ”حزب الله” في محافظة طرطوس الساحلية السورية، وذلك قبيل وصول وزير الخارجية الإيراني إلى مطار دمشق الدولي والذي كان قد تعرض بدوره، الشهر الماضي، لضربات إسرائيلية ضد ما يُشتبه بأنها مخازن أسلحة لميليشيات مرتبطة بإيران، ما أدى إلى خروجه من الخدمة لأيام.
كيف بدا المشهد الجديد عند “حزب الله”؟ نبدأ بالبيان الذي أصدرته “المقاومة الإسلامية”، وهو الاسم الآخر لـ”حزب الله”، مساء السبت وجاء فيه: “قامت مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي بإطلاق ثلاثِ مسيّراتٍ غير مسلحةٍ ومن أحجامٍ مختلفة باتجاه ‏المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهامٍ استطلاعية، وقد أنجزت ‏المهمة المطلوبة وكذلك وصلت الرسالة، وما النصر إلا من عند الله العزيز ‏الجبار”.‏
وفي رأي خبراء في عمل “حزب الله”، تمثل صياغة هذا البيان، اللغة التي تعتمدها الدول النظامية والتي يطلق عليها البلاغات العسكرية. ورأى هؤلاء شبيهاً بالبلاغ رقم واحد الذي تصدره الجيوش الرسمية. وما يعزز هذا الرأي، ما صرّح به رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” إبراهيم أمين السيد أن “الحرب لن تكسر المقاومة وأيّ حرب قادمة ستكون فرصة للمقاومة لأن تكسر أعداءها بالكامل”، مضيفًا أن “هذا الزمن ليس زمن أميركا والدول المستكبرة والخونة والمتحالفين مع العدو بل هو زمن المقاومة والمجاهدين”.
وتحت عنوان “رعب حزب الله في البحر يأسر العدو” نشر موقع العهد الإلكتروني التابع للحزب تقريراً جاء فيه أن رعب حزب الله وقدراته المتعاظمة عسكريًا محطّ متابعة حثيثة من جانب العدو. دائرة الخوف تتّسع عند الصهاينة ولا سيّما لجهة خرقهم أمنيًا وعسكريًا وجغرافيًا”. واعتمد التقرير على موقع “والا” الإسرائيلي، فنسب إليه قوله “أن وحدات بحرية تابعة لحزب الله نفّذت عملية عسكرية خاصة وذلك بهدف رصد الدفاعات الإسرائيلية على الحدود”. وأضاف الموقع “قبل بضع سنوات وصلت معلومات إلى الاستخبارات الإسرائيلية حول احتمال أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد، قد قرر تسليم صاروخ “ياخونت” إلى حزب الله، وهو صاروخ تم تعريفه على أنه تهديد للقوات البحرية الغربية”.
وأيضاً، تحت عنوان “هل يعيد حزب الله الضالين إلى وطنيتهم دفاعًا عن غاز لبنان؟”، نشر موقع “حزب الله” الإلكتروني مقالاً كتبه زكريا حمودان الذي عرّف عنه الموقع بأنه “مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء” جاء فيه: “بعد ساعات من تحديد قواعد اللعبة في ملف الغاز في شرق المتوسط من قبل الأمين العام لحزب الله ،تحركت الدول الأوروبية والموفدون الغربيون تجاه لبنان. لم يتحركوا حبًا بل تحركوا مكرهين أمام قوة لبنان التي زال الزمن الذي يُتَغنّى بضعفه وباتت قوة لبنان بمقاومته. القوّة التي يستند إليها لبنان أعادت ملف ترسيم الحدود إلى الردود الإيجابية على الطروحات التي سلمها رئيس الجمهورية بشكل رسمي إلى الموفد الأميركي، كما أن وفودًا عربية وغربية حضرت إلى بيروت لتسمع التطمينات مُقدِمة الوعود للبنان، مكرهة أمام قوته”.
في المقابل، كيف بدا المشهد الجديد عند إسرائيل؟ بحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن
إطلاق “حزب الله” ثلاث طائرات مسيّرة غير مزودة بالسلاح، قد تم بهدف إثبات حضور الحزب في المفاوضات الجارية بوساطة أميركية، بين إسرائيل وحكومة لبنان حول المناطق المتنازع عليها في المياه الاقتصادية للبلدين. واعتبروها “عملية تخريب معنوية.”
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية عن الجيش الإسرائيلي قوله إنّ “التقديرات الأولية تشير إلى أن الطائرات لم تكن مسلحة ولم تشكّل أي تهديد”، وأضاف: “في رأينا، هذه محاولة لتقويض المفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البحرية، وحزب الله يريد تدمير لبنان”.
وفي تحليل أوردته جيروزاليم بوست تحت عنوان “التهديد الواسع للطائرات بدون طيار بين إيران وحزب الله يتصاعد ، كتبت الصحيفة تقول: “يوضح إسقاط إسرائيل لثلاث طائرات بدون طيار يوم السبت العلاقة المتزايدة بين التهديدات بين إيران وحزب الله في المنطقة – وعلى وجه التحديد محاولات المنظمة (…) المتصاعدة لإستهداف منصات الغاز قبالة سواحل إسرائيل”. ولفتت جيروزاليم بوست إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، وسعت إيران بسرعة برنامجها للطائرات بدون طيار وشجعت وكلاءها في المنطقة على تطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الخاصة بهم. غالباً ما تكون هذه الطائرات بدون طيار من طراز كاميكازي، مما يعني أن لديها رأساً حربياً ومصممة للطيران إلى هدفها. لقد ظهر تهديد الطائرات بدون طيار ضد إسرائيل ببطء، على مراحل، على مدى السنوات القليلة الماضية. يستخدم “حزب الله” الطائرات بدون طيار منذ سنوات عديدة، لكنها أصبحت أكثر تطوراً والتهديد آخذ في الازدياد.
وقال مركز ألما للبحوث والتعليم في كانون الأول 2021 إنه “في التقرير الخاص الذي نشرته الصحيفة في 21 كانون الأول أن حزب الله لديه اليوم ما يقرب من 2000 مركبة جوية بدون طيار. على مدى السنوات الـ 15 الماضية، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الطائرات بدون طيار التابعة لحزب الله”.
هل هي بداية “حرب” يشنّها “حزب الله” بذريعة النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، ولكن لأهداف إيرانية بعيدة المدى؟ المؤشرات الأولية تشير إلى أنها كذلك. ومرة أخرى يغرق لبنان الرسمي في صمت مريب لا سيما الرئاسة الأولى التي هي بحسب الدستور المعنية مباشرة بالمفاوضات بشأن هذا النزاع!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us