منارة الشرق والغرب… كيف جمع لبنان بين المآسي والآمال في آن؟

أخبار بارزة, ترجمة هنا لبنان 8 تشرين الأول, 2022

ترجمة “هنا لبنان”

كما يتوق الأميركيون للرومانسية في باريس، ويحلم الشباب في لاهور الباكستانية بتجربة الحياة الصاخبة في نيويورك، ويحلم أبناء غزة بحضور مباراة مباشرة لفريق كرة قدم في برشلونة، تجذب قصص بيروت والحياة الاجتماعية والسياسية فيها كل من يتابعها.

واعتبر مقال نشره موقع “egyptian streets” أن الذكريات والحنين إلى العائلة ليست التي تجذب الناس إلى البلدان، بل ما تنقله وتعكسه وسائل الإعلام والأعمال الفنية والأخبار من صور وثقافة وأحداث تنطبع بالأذهان عن هذه المناطق.

قلما نجد مدناً كُتبت لأجلها الأغاني والقصائد كبيروت، بداية من الأغنية المنفردة لفيروز “لبيروت” وصولاً إلى قصيدة نزار قباني “بيروت يا ست الدنيا”.

ويقول كاتب المقال أنه لم يزر بيروت “إلا أن شيئاً غير عادي يستمر في جذبي إليها… لا يسعني إلا أن أصف هذه المدينة كما وصف الفنان ربيع علم الدين إليزابيث تايلور بالـ “مجنونة، الجميلة، المنهارة، العتيقة، والمثقلة بالدراما الأبدية”.

ما هو الوضع الحالي في لبنان؟

لا شك في أن لبنان يمر حالياً بواحدة من أصعب أزماته الاقتصادية والسياسية، والتي تسببت بخسارة العملة الوطنية أكثر من 90٪ من قيمتها، وبات أكثر من نصف سكانه يعيشون في فقر مدقع، ودين عام تخطى الـ 425 في المئة، بالتزامن مع تراجع الاستثمارات والدعم الخليجي لا سيما من المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة، كلها عوامل أسهمت بتفاقم الأزمة في البلاد، وفق المقال.

كما تدنى متوسط الدخل الشهري للطبقة المتوسطة في لبنان مقارنة مع عام 2018، من 2000 دولار أميركي، إلى أقل من 140 دولارًا أميركيًا اليوم، وهو أجر غير كاف لتغطية النفقات الأساسية.

ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بالتزامن مع شح في مادة الغاز التي عادة ما تكون مكلفة إن وجدت، عمدت معظم الأسر إلى الاستغناء عن وجبة طعام واحدة على الأقل يومياً لتغطية وجباتها الأساسية بقية الأسبوع، وبات اللبنانيون على موعد يومي مع غياب سلعة غذائية أساسية من الأسواق، كأزمة نقص الخبز بسبب شح في القمح، تلتها صعوبة في الحصول على حليب الأطفال.

علاوة على ذلك، يعاني البلد من انقطاع مزمن في التيار الكهربائي منذ نهاية الحرب الأهلية.

ونظراً لدقة الوضع، دعا صندوق النقد الدولي لبنان لوضع خطة إنعاش اقتصادية لإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة، وأعلن عن اتفاق على مستوى الموظفين مع لبنان على ضخ ثلاثة مليارات دولار في الاقتصاد اللبناني، ربط تطبيقه بتنفيذ حزمة إصلاحات وتعزيز الحوكمة والشفافية.

ووفق المقال، فإنه على الرغم من أن الاتفاق يسمح بتقدم البلاد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الفساد وغياب الشفافية في القطاعين الخاص والعام يمثلان عقبات كبيرة تحول دون ذلك.

وتبدو مطالب صندوق النقد الدولي التي تشترط إصلاحًا اقتصاديًا من لبنان، صعبة التحقيق في بلد يحكمه قادة محاور وميليشيات وأمراء حرب ورجال أعمال يرفضون تحمل المسؤولية عن الوضع الذي تمر به البلاد.

هل من تقدم سياسي منذ انتخابات 2022؟

وفق المقال، أثبتت الانتخابات البرلمانية أن لبنان لن يكون دولة مسالمة أو محترمة”، فقد كشف متطوعون في مراقبة الانتخابات، أن ممثلين من أحزاب مثل حزب الله وحركة أمل عمدوا إلى ترهيب الناخبين وإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم لمرشحين لا يريدون التصويت لهم. كما وثقت وسائل إعلام عدة مثل قناة الجزيرة والجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE)، فوضى الانتخابات وعمليات ترهيب المقترعين التي مارستها العديد من الأحزاب اللبنانية.

وأشارت وسائل إعلام إلى أن جهات حكومية عمدت إلى تقليص ساعات الاقتراع في المراكز لمنع الناخبين في القرى من التوجه إلى بيروت والإدلاء بأصواتهم، إذ أنه عادة ما يستغرق وصول المواطنين اللبنانيين الريفيين ساعات للوصول إلى بيروت، خاصة مع ندرة الوقود.

ولفت المقال إلى أن المغتربين الذين يمثلون 15 مليون لبنانياً يعيشون في الخارج لم يسلموا بدورهم من عمليات الترهيب خلال إدلائهم بأصواتهم في المهجر.

وعلى سبيل المثال، منع مغتربون في الولايات المتحدة، من الإدلاء بأصواتهم بعد أربع ساعات من الانتظار في مركز للاقتراع بسبب مشكلة تقنية لم توضح أسبابها السفارة هناك.

ولا تشكل هذه الانتهاكات الجانب الأكبر من حالة الإحباط التي خيمت على المقترعين، إذ أن نسبة الإقبال الضعيفة على التصويت التي بلغت 41٪ خلال أبرز العمليات السياسية في تاريخ لبنان، مؤشر على حالة إحباط عامة، وفق متابعين للانتخابات.

من جهتها اعتبرت رئيسة المؤسسة اللبنانية للبودكاست المركزي الشاب، سيرين البنا، التي تابعت الانتخابات اللبنانية عن كثب، أن الإقبال الضعيف على الاقتراع لربما كان بسبب اشمئزاز المواطنين من المنظومة السياسية، أو ربما كان شعورًا باليأس من إحداث تغيير.

للبنان جانب آخر دائمًا

ورغم مؤشر اليأس الذي تمثل بالإقبال الضعيف على الاقتراع، إلا أن هناك إجماع بين المحللين السياسيين والنشطاء والطلاب على أن نجاح اللوائح السياسية المستقلة في الحصول على 16 مقعدًا في البرلمان اللبناني لتواجه الطبقة الحاكمة كان أمرًا حيويًا وخرقاً بالغ الأهمية.

وأثبتت انتخابات هذا العام للبنانيين والعالم أن التغيير ممكن، وعلى سبيل المثال، أشارت البنا إلى أنه لطالما وثق أبناء الطائفة الدرزية وهم أقلية، “بسياسيين هما وليد جنبلاط وطلال أرسلان، إلا أن هذا العام، تمكنت الطائفة الدرزية من التصويت ضد طلال أرسلان لأول مرة منذ 30 عامًا واستبداله بناشط المجتمع المدني مارك ضو. وهو ما يعد تقدماً في مجتمع متماسك مثل الدروز”.

ووفق المقال، فإن أرسلان، وهو مدافع بارز عن بشار الأسد، كان قادرًا على حشد دعم لسنوات عبر بث الترهيب في المجتمع الدرزي. ورسخ نظرية بين أبناء طائفته تشدد على أن التصويت لصالحه هو السبيل الوحيد لحماية الدروز من تهميشه بين الطوائف الدينية الكبرى في لبنان، إلا أن الخسارة التي لحقت به في الانتخابات الاخيرة تعد دليلاً على قدرة اللبنانيين على التحرر من قيود الفتنة الطائفية.

ولم يكن الدروز هم المجتمع الوحيد الذي تحرر من زعاماته، فالسياسيون الذين سخروا من ثورة عام 2019، مثل زياد أسود وإيلي الفرزلي وآخرين، خسروا مقاعدهم في البرلمان أمام المستقلين ومؤيدين للثورة.

من جهته فاز رئيس البرلمان نبيه بري عبر أكثرية الصوت الواحد الذي أنقذه من الخسارة.

ووفق المقال فإنه لا يمكن التكهن كيف سيصبح المشهد السياسي والاقتصادي في لبنان، إلا أن التخلص من الطبقة السياسية الفاسدة ليس بالمهمة السهلة.

وتسببت الأزمة الاقتصادية أيضاً بهجرة الأدمغة من البلاد، إلا أنه ورغم المشاكل المزمنة التي يعاني منها، لا يزال لبنان أحد أكثر البلدان الفريدة من نوعها، حتى أن أبناءه الذين يسعون إلى الهجرة يترددون في اتخاذ قرار المغادرة.

وقد خرّج لبنان بعض أفضل الموسيقيين والشعراء والكتاب والمفكرين في العالم منذ عصر الفينيقيين، بداية من جبران خليل جبران وأنتوني شديد إلى فيروز وربيع علم الدين.

منارة الشرق والغرب

ومع انخراط العالم في العولمة، ازداد تبادل الثقافة والسياسة بين البلدان، وبالنسبة للبنان فهناك الكثير الذي يمكننا تعلمه منه، إذ بقي هذا البلد لقرون منارة الشرق والغرب ومصدّراً لنمط حياة مميز وللثقافات والأنظمة السياسية، وتميز بالفوضى وقدرته على التكيف، وإبداع لا مثيل لها.

وختم المقال ناصحاً بتعلم الدروس من تاريخ لبنان وإيلاء الاهتمام به، إذ سنجد دائمًا في مدنه قصة تعلمنا الكثير، وتجذبنا إلى خليط المآسي والجمال فيها.

المصدر: Egyptian streets

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us