منح الجنسية اللبنانية بالاستثمار : السياسيون “أبناء الست” والدولة “إبنة الجارية”.. والكلمة للصفقات السوداء


أخبار بارزة, خاص 13 تشرين الأول, 2022

كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:

مَن مِن اللبنانيين لا يذكر الصورة التي تجمع المشنوق ونضال غازي كرامة الذي شمله مرسوم تجنيس ميشال سليمان في العام 2012؟ في وقت أن شقيقه مفيد غازي كرامة هو واحد من المجنسين في عهد عون وهما من كبار المتمولين السوريين.

مفيد الذي منح الجنسية اللبنانية في 11 أيار 2018، في ما سمي بـ “فضيحة” مرسوم التجنيس الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، آنذاك سعى القيمون إلى تهريب مرسوم تجنيس وتوقيعه، وقيل أن أموالاً طائلة دفعت لقاء الحصول على الهوية اللبنانية، وشهدت الساحة اللبنانية جدلاً سياسياً واجتماعياً واسعاً، وتعرض الرئيس عون لانتقادات واسعة من سياسيين ومواطنين من تيارات وأحزاب مختلفة.

المرسوم ضم نحو 411 مجنساً من تابعيات عربية وأجنبية مختلفة، وصحيح أن من بينهم حالات اجتماعية وإنسانية محقة، لكنه فخخ في المقابل بتجنيس رجال أعمال من دول عربية غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين، وهنا تطرح الإشكالية الكبيرة: إذا كانت المادة 3 من قانون الجنسية تعطي رئيس الدولة حق إسناد الجنسية لأجنبي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن، فهل هذا “الأجنبي” يقدم فعلاً هذا النوع من الخدمات للبنان؟

في المقابل ثمة الكثير من الدول التي تمنح الجنسية للراغبين بها مقابل الاستثمار في هذه البلدان ومن بينها: تركيا، مونتينيغرو، قبرص، مالطا، دومينيكا، اليونان، البرتغال، الولايات المتحدة الأميركية، إسبانيا، بلغاريا، كندا، بريطانيا ونيوزلندا، ضمن قواعد وشروط تختلف من دولة إلى أخرى. فلماذا لا نشهد هذه المعادلة في لبنان وضمن شروط معلنة وواضحة؟

وفي هذا السياق يعلق الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محي الدين الشحيمي في حديث لـ “هنا لبنان”: “في لبنان لا يمكن أن يحدث هذا النوع من الإستثمار بطريقة شفافة، لأن لبنان بلد في مرحلة اللادولة والإنحلال لأمور الرقابة والإنتظام القانوني والحوكمات الدستورية، فليس هنالك من أموال بطريقة قانونية إزاء هكذا ملفات، والدستور اللبناني يمنع التجنيس للنازح واللاجئ، وكل تجنيس آخر يحكمه قانونه الخاص”، لافتاً إلى أن لبنان لا يشبه الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم في مقاربة الموضوع، فالحاصل على الجنسية من رجال الأعمال والمتمولين بصرف النظر عن جنسيته الأولى تحوم حوله في معظم مراسيم التجنيس حتى اليوم روائح الفساد والمنفعات الخاصة والهروب وتبييض الأموال”.

ويعرب الشحيمي عن أمله في أن يصبح لبنان في مصاف هذه الدول، لكن المانع كان ولا يزال من إستفادة الدولة من المستثمرين وأصحاب الأموال هو إفتقاد لبنان لمعايير الرقابة والحوكمة وحكم القانون.

وإذا كان منح الجنسية بالاستثمار معمولاً به في معظم الدول المتوسطية حيث لا تقل الرسوم عن الـ100 ألف دولار أو يورو للشخص الواحد إضافة إلى القيام بمشاريع الاستثمار داخل الدولة. وتلجأ بعض الدول إلى الإعلان عن هذا الأمر في الصحف، وترفق الإعلان بمغريات من الإقامة إلى التأشيرات وجواز السفر الثاني فهذا يدل على المكاسب التي تحققها هذه الدول من هكذا مشروع.

من الناحية القانونية والدستورية يتوقف الشحيمي عند المادة 6 من الدستور “إن الجنسية اللبنانية وطريقة اكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بمقتضى القانون”. وهو تنظيم دستوري واضح بحكم القوانين لطريقة اكتساب الجنسية تبعاً لقانون خاص، وقد حددت هنا المادة 65 مجموعة الحالات والمواضيع الأساسية والتي تتطلب أكثرية ثلثي مجلس الوزراء ومن بينها الجنسية وأمور التجنيس، بخضوع هذا المرسوم حكماً بعد موافقة مجلس الوزراء عليه لقانون يتم إقراره في مجلس النواب.

وبرأيه فإن المصلحة العامة وشرط الخدمات المميزة للدولة (لبنان) وفق مقتضيات القانون والضرورات والحاجات هي المعايير الضامنة لهكذا إقرار وقانون، وهي كلها صلاحيات تقديرية لرئيس الجمهورية، ولكنها صلاحية إستنسابية غير ملزمة، له أن يستخدمها وله أيضاً الإغفال عنها، وكل ما عدا ذلك يدخل حكما في أتون الصفقات والبازارات والمنافع الشخصية والمحسوبيات والمحاباة ويكون أثرها على لبنان بالغ السلبية.

ويختم الشحيمي أنه وبالرغم من أن الدستور والقوانين لحظت أحقية التجنيس للأجنبي وعدم الجواز إنسانياً لأي شخص أن يكون مكتوم القيد وبلا جنسية، إلا أن معايير تلك الأمور في لبنان حساسة وصعبة جداً، وهي متعلقة مباشرة بفسيفساء التكوين الاجتماعي للخريطة الديمغرافية والمناطقية، والتي يحكمها ميزان دقيق وشفاف، لذا يقتضي التعامل مع هذه الوقائع بالمنطق القانون، وما تفرضه المواثيق الدولية المناسبة للبنان الدولة وليس لما يتناسب مع السياسيين وصفقاتهم السوداء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us