الهدنة الجديدة


أخبار بارزة, خاص 13 تشرين الأول, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

يقال إن بعض الظن إثم، ويقال، أيضاً، إن بعض الظن من حسن الفطنة، وكثير من اللبنانيين يقبلون تحمل الإثم لكي لا يُقال إنهم قليلو الفطنة. لذا بعد وصول مفاوضات ترسيم الحدود البحرية إلى مرحلة تبادل المُذكّرات بين لبنان وإسرائيل، بيدي الوسيط هوكشتين اليمنى واليسرى، وبعدما اطلعوا على نص الرسالة الأميركية إلى الطرفين، والتعهد الملزمَين بتوقيعه، متباعدين، يتساءلون متى ستملك توليفة الحكم الجرأة لتسمية الأمور بأسمائها، بدل أن تستظل الإبهام “الخلّاق” لعدم الإعتراف بأن لبنان أقر، إقتصادياً بالحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي، وهي ستدخل، فور تبادل التوقيع الموارب، ما يسميّه الحزب المسلّح بـ “قواعد الإشتباك”، فلا هو سيجرؤ على استهداف “حقل كاريش” ولا تل أبيب ستبادر إلى مهاجمة “حقل قانا”، ولن يُعرّض الطرفان “القواعد” المتفقيْن عليها لأي اهتزاز، فـ “أبشر بطول سلامة يا مربع”.

لم يقصّر الحزب في الإيحاء بأن التفاوض، لبنانياً، برعايته وصونه، وهو لم يكن ليفعل ذلك كرمى للبنان، ولا لزوم للتذكير بارتكاباته ضد الدول العربية والصديقة على حساب مصالح لبنان السياسية والإقتصادية الإجتماعية. لذا من التغافل تناسي مصالح طهران التي يواليها، والتي، في ظلال التفاوض اللبناني، بـ”بركته”، سمح لها الأميركيون بتصدير مليون و800 ألف برميل نفط بدل 400 ألف، وأفرجوا عن مليارات الدولارات من أرصدة طهران المُجمّدة، مقابل إطلاق الأخيرة سجناء أميركيين.

ربما المكاسب الأميركية – الإيرانية – الإسرائيلية، وحتى الأوروبية، من الاتفاق أثمن مما جناه لبنان. يكفي التذكير بانعكاسات الحرب الروسية ضد أوكرانيا على افتقاد الغاز الروسي لا سيما في أوروبا، بسبب العقوبات على روسيا، ما أدى إلى تعهد تل أبيب بتزويد أوروبا 10 في المئة مما كانت توفره موسكو لها أي 15،5 من أصل 155 مليار متر مكعب.

وأصلاً، تزوّد إسرائيل الأردن ومصر بالغاز، ووقعت في حزيران المنصرم اتفاقاً لتسييل غازها في مصر بهدف شحنه بحراً إلى أوروبا. ويُنتج حقلا ليفياثان وتمار البحريان الإسرائيليان ما مجموعه 23 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

لكن لماذا تتقدم إسرائيل علينا في هذا المجال، بينما لبنان بادر إلى تحديد حدوده في العام 2009 في المنطقة الإقتصادية الخالصة في الجنوب، وكذلك في الشمال، في النقطتين 23 جنوباً و7 شمالاً، وقد أقرها مجلس الوزراء، ثم مجلس النواب، وأودع المرسوم لدى الأمم المتحدة في 14/07/2010، ولم تقم إسرائيل بعمل مماثل إلا بعد سنتين، أي في 12/07/2011، ما أتاح لها تطوير الحقول في منطقتها الإقتصادية، بينما أضاع لبنان 13 سنة في المماحكات والشعبويات والمزايدات، كأن لا أزمة في البلاد، ولا جاع العباد.

ليس سهلاً أن يصدق اللبنانيون أن الاتفاق هو ما تضمنه النص المعمم لبنانياً وإسرائيلياً وأميركياً، وأن لا قطب مخفية، ولا تمايزات بين النصوص العربية والعبرية والإنكليزية، ولا ملحقات ما. وستحمل الأيام المقبلة النبأ الصحيح في شأن المفاوضات من أصحاب خبرة ومتابعة، قادرين على قراءة ما فوق الطاولة، وكشف ما تحتها.

يبقى أنه إن كان من وجه ايجابي لهذه المفاوضات، فهو أن إسرائيل ليس لديها، حتى الآن، حدود معروفة ومرسومة وثابتة مما يشكل مصدر عدم استقرار بمنطق العلاقات الدولية، فلبنان وسوريا والفلسطينيون لديهم مشكلة في عدم ترسيم الحدود الإسرائيلية، والأمم المتحدة تسكت على ذلك منذ العام 1948.فوق ذلك يبقى سؤال يردده كل اللبنانيين، كيف سيبرر الحزب استمرار سلاحه الخارج على الدولة، فيما، و”ببركته” اعترف لبنان بإسرائيل وبحدودها معه، بما يشبه اتفاق هدنة جديدة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us