الكبتاغون أغلق باب الخليج في وجه المزارع اللبناني.. والتفاح تكدّس إلى “غينيس”!


أخبار بارزة, خاص 16 تشرين الأول, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

بعد الاستشفائي والتّعليمي والصّناعي والعقاري… حطّت الأزمة الّتي تعصفُ بلبنان رحالها في القطاع الزّراعي، الّذي لم تكن تنقصه أيّ مشكلةٍ إضافيّةٍ لو مهما صغُر حجمها؛ إذ ينطبق عليه المثل الشّعبي “لا تهزّني واقف عَشوار”. ولعلّ المشهد الأكثر إيلامًا وتظهيرًا للانهيار الّذي يُصيب القطاع، هو افتراش التّفّاح اللّبناني للأراضي الزّراعيّة وبرّادات التّخزين، مصارِعًا التّلف ومعوّقات التّصريف.
فبعدما كانت زراعة التّفّاح مورد عيشٍ أساسيٍّ لآلاف العائلات اللّبنانيّة، نظرًا لنوعيّة التّربة والمناخ المناسبَين، ها هم المزارعون المنهَكون يتفرّجون على مصدر رزقهم يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا قدرة لديهم على مدّه بالأوكسيجين اللّازم.
فالتّفّاح مكدَّس في ظلّ إقفال العديد من الدّول الخليجيّة أسواقها في وجهه بعدما استخدمت الصادرات لتهريب الممنوعات، تعثُّر عمليّات الشّحن البرّي عبر الأراضي السّوريّة، وغياب الكهرباء عن البرّادات الّتي يُحفظ فيها إلى حين حلول موعد تصديره. هذا فضلًا عن “تحليق” كلفة الإنتاج، متأثّرةً بارتفاع سعر الصّرف ومضاعفة أسعار المواد المستخدَمة في الزّراعة واليد العاملة.
للاطّلاع عن كثب على أوضاع المزارعين ودعم إنتاجهم، جال وزير الزّراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن مطلع الشّهر الحالي، بمناسبة يوم التّفّاح اللّبناني، في مناطق لبنانيّة عدّة، حيث استمع إلى مشاكل المزارعين وطمأنهم إلى أنّ الوزارة تعمل على وضع الحلول الّتي توصل إلى نتائج وأهمّها تصريف التّفّاح.
في هذا السّياق، يؤكّد الحاج حسن لـ”هنا لبنان”، أنّ “إنتاج التّفّاح اللّبناني كان واعدًا جدًّا هذا العام، واليوم ستفتح الأسواق الأردنيّة في وجه هذا المنتَج، ما سيخفّف كثيرًا من الضّغط الحالي على الأسواق الدّاخليّة”، مشيرًا إلى أنّ “أسواق العراق ومصر مفتوحة أيضًا أمام التّفّاح اللّبناني”.
ويلفت إلى “أنّنا حاولنا جاهدين أن يكون تصريف الإنتاج انسيابيًّا، لكنّ تحديد سعر صندوق التّفّاح استنادًا إلى أكلاف الإنتاج العالية، خلق لنا مشكلةً، توازيًا مع غياب الضّوابط في العلاقة بين التّاجر والمزارع، وهذا ما يجب العمل عليه”. ويوضح أنّ “في ظلّ ارتفاع سعر المازوت، ارتفعت بشكل كبير أيضًا الكلفة الّتي تحتاجها برّادات التّخزين لتستمرّ بعملها”.
ويركّز الحاج حسن على “أنّنا نعمل على تأمين الطّاقة الشّمسيّة للبرّادات، من خلال المساعدات التّي تقدّمها الهيئات المانحة، على أن يكون هناك تعاونٌ بين البلديّات ووزارة الزّراعة والهيئات الأهليّة بهذا الخصوص؛ ونأمل أن يحصل تجاوبٌ في هذا الصّدد”.
وعن أبرز الصّعوبات والتّحدّيات الّتي يواجهها مزارعو التّفّاح، يذكر أنّ “المشاكل كثيرة، يتقاسمها مزارعو التّفّاح مع مزارعي البطاطا والعنب أو القمح وغيرهم؛ وأبرزها الأكلاف الباهظة. فتكلفة الإنتاج عالية، وبالتّالي تكون الكلفة على المستهلك داخليًّا وخارجيًا مرتفعة، ما يؤدّي إلى إضعاف إمكانيّة المنافسة في الخارج”، مشدّدًا على “أنّنا نحتاج إلى تخفيف الأكلاف على صعيد الأسمدة والمبيدات والمياه “.
عادةً يتمنّى المزارعون أن يكون موسمهم غزيرًا وإنتاجهم “حرزانًا”، فيعود عليهم بمردودٍ مادّيٍّ يعوّضهم عن تعبهم والمصاريف الّتي تكبّدوها. لكن عندما تكون الدّولة مهترئةً والفساد ينخر كلّ مفاصلها، يُصبح الإنتاج الوفير نقمةً؛ فالتّصريف ليس سهلًا والمردود ليس كافيًا.
ويبيّن الحاج حسن أنّ “بحسب الأرقام التّقريبيّة، تقدَّر كميّة التّفّاح المنتَجة هذا العام بنحو 7 ملايين صندوق، سعة كلّ منها تبلغ في المتوسّط 23 كيلوغرامًا”، معلنًا أنّ “الموسم كان خيّرًا جدًّا، ونسبة التّصدير ممتازة، لكن لا إمكانيّة لدينا لتصدير كلّ أنواع التّفّاح في الوقت نفسه، لذلك ارتفعت صرخة بعض المزارعين بأنّهم لم يتمكّنوا من بيع موسمهم وبقي على الأرض”. كما يؤكّد أنّ “عمليّة الشّراء بين المزارع والتّاجر تشوبها الكثير من الشّوائب”.
حاولت الوزارة بحسب إمكانيّاتها، مساعدة المزارعين، من خلال شراء كميّة من الإنتاج أو تسهيل التّصدير، غير أنّ هذه الخطوات غير كافية مقارنةً بالعقبات الكبيرة. ويجزم الوزير “أنّنا لا ندّخر جهدًا في سبيل تأمين الكهرباء للبرّادات، وإن كانت جزءًا من القطاع الخاص، وعلى صعيد فتح الأسواق الخارجيّة للتّصدير، والتّعاون مع كلّ الهيئات الفاعلة في ما خصّ القطاع الزّراعي الّذي يشمل كلّ المنتجات وليس التّفّاح حصرًا”.
الأزمات تشتدّ وطأةً، الحلول “بالقطّارة”، والمعنيّون إمّا في سباتٍ عميقٍ، وإمّا عاجزون في ظلّ غياب الموارد اللّازمة. كما أنّ مشكلتَي التّبريد والتّصريف اللّتين استفحلتا في موسم التّفّاح، يُرجَّح أن تطالا العديد من المنتجات الزّراعيّة في الفترة المقبلة. فهل ستُجترَح حلولٌ عمليّةُ وجذريّةٌ تنتشل المزارعين ومواسمهم، أم ستبقى إحدى أبرز “الإنجازات” كسر الرّقم القياسي بأكبر مرطبان من مربّى التّفّاح؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us