“سنموت”: شبح الكوليرا يطارد سكان المخيمات السورية في لبنان

أخبار بارزة, ترجمة هنا لبنان 11 تشرين الثانى, 2022

أسهمت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان بخلق ظروف غير صحية في مخيمات اللاجئين السوريين والبنية التحتية المهترئة وساعدت في انتشار الكوليرا في جميع أنحاء لبنان بينما تسعى المنظمات الصحية إلى احتواء تفشي المرض.

كانت تحيط بنا المئات من الحشرات الطائرة والذباب خلال جولة قمنا بها في المخيم برفقة كل من حسين مطر (44 سنة)، والسيدة شيخ محمد أحمد شيخ (39 سنة)، اللذين اعتذرا عن الروائح الكريهة التي كانت تعبق في المكان والنفايات التي غطت المخيم بأكمله.

أشارت أحمد شيخ إلى مجرى مياه صغير خلف خيمتها كان مليئًا بالقمامة والنفايات وقد أصبح غذاء للحشرات والقوارض.

وكان هناك المزيد من المياه القذرة بين الخيمتين مصدرها النفايات القادمة من خيمة شقيق أحمد شيخ.

وبحسب كل من مطر وأحمد شيخ، فإن مطالبتهم المستمرة للمساعدة في تنظيف المخيم لم تلقَ آذاناً مصغية، وأشارا إلى أنه “لم يأت أحد إلى هذا المكان خلال عامين… حاولنا الاتصال مراراً ولكن لا أحد يستجيب لنا”، وفقا لصحيفة “The New Arab”

ولفت مطر إلى أنه لم يتم تسجيل أي إصابة بالكوليرا في مخيمهم الواقع في بؤرة انتشار العدوى في منطقة ببنين الواقعة في منطقة عكار شمال لبنان، إلا أنه أكد أن المياه التي يستخدمونها أدت إلى إصابته هو والعديد من الأشخاص في المخيم بالمرض، إذ أصيب بعض سكان المخيم بالإسهال، لكنهم لم يطلبوا الرعاية الصحية نظراً لعدم قدرتهم على تحمل تكاليفها.

وأوضح مطر أن قلقه يتعاظم كل يوم حيال ما سيحدث للسكان إذا لم يتحسن وضعهم.. ويطرق قائلاً: “سنموت”.

وسجل لبنان أول إصابة بالكوليرا منذ عام 1993 في 6 تشرين الأول عندما أصيب رجل سوري يعيش في المخيم 045 في ببنين بالبكتيريا من المياه الملوثة، ومنذ ذلك الحين، انتشرت العدوى في جميع أنحاء البلاد ووصلت العاصمة بيروت واتجهت جنوباً حتى مدينة صور.

سجل لبنان حاليًا 448 إصابة مؤكدة بالكوليرا إلى جانب 18 حالة وفاة على الأقل، في حين تتابع وزارة الصحة العامة 2274 حالة أخرى مشتبه بها لم يتم تأكيدها بعد.

ونظرًا لاتساع نطاق تفشي حالات الكوليرا، فإنه يمكن أن يكون هناك العديد من الحالات التي لا يتم الإبلاغ عنها، وفق الخبراء.

من جهته رجح مدير المختبر في مركز أبحاث الأمراض المعدية الدكتور غسان مطر، والذي يعمل مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية لاختبار حالات الكوليرا في كل من لبنان وسوريا، اللتين تكافحان انتشار الكوليرا منذ عدة أشهر مع وجود أكثر من 10000 حالة، أن البكتيريا تمكنت من دخول البلاد عبر المياه الملوثة، مشيراً إلى أن الظروف السيئة في مخيمات اللاجئين أسهمت بانتشار الكوليرا، الذي بدأ في المناطق الريفية شمال لبنان وفي المخيمات السورية بشكل رئيسي.

ولا يوجد في مخيمات اللاجئين السوريين ما يكفي من مياه صالحة للشرب أو يمكن الاستفادة منها، الأمر الذي دفع بالسكان للبحث عن أي نوع مياه لاستخدامها، ولذلك كانت هذه المياه ملوثة وتسببت بإصابتهم بالعدوى، وفق ما رجح مطر.

وأكد مطر أن هناك حاجة لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة كيف انتشرت الكوليرا في أنحاء البلاد، متوقعاً أن تكون الأزمة الاقتصادية المستمرة والبنية التحتية المهترأة سبباً في تفاقم الوضع.

وأوضح أنه “بسبب الأزمة الاقتصادية، لم يتم إنجاز ما يكفي من أعمال الصيانة… وعند التخلف عن صيانة البنية التحتية التي سببتها الأزمة الاقتصادية، فلا يمكن توقع كيف ستسير الأمور وما سيكون عليه الوضع، ويعد خط الأنابيب جزءاً من قنوات البنية التحتية، وإذا ما تم تسرب مياه الصرف الصحي إلى قنوات المياه الصالحة للشرب فإن الأمر بحاجة إلى أموال للصيانة، وعليه فإن الأزمة الاقتصادية أسهمت في اهتراء البنية التحتية التي أدت إلى انتشار الكوليرا”.

من جهتها، أطلقت وزارة الصحة حملات توعية للتعريف بالبكتيريا وكيفية انتشارها وكيفية الوقاية منها.

وقال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض إن علاج أي شخص مصاب بالكوليرا في مستشفى حكومي سيتم تغطيته بنسبة 100%.

أعطت 13440 جرعة من لقاح الكوليرا وصلت إلى لبنان من فرنسا، الأمل للقطاع الطبي، في أن تتمكن البلاد من السيطرة على المرض.

ووفقاً لمطر، فإن الجرعات الأولى ستخصص للعاملين في مجال الرعاية الصحية المعرضين لخطر الإصابة بالعدوى، والعاملين في الخطوط الأمامية في مواجهة المرض إضافة إلى عمال المختبرات، في حين أن الدفعة الثانية ستخصص لسكان المناطق المصنفة عالية الخطورة، مثل ببنين، والدفعة الثالثة سيحصل عليها من يرغب بتلقي اللقاح.

ورغم أن وصول اللقاح يسهم بتسهيل عمل المستشفيات والمراكز الطبية للسيطرة على المرض في لبنان وضمان توزيع اللقاح على فئات المجتمع، إلا أن حتى ذلك الوقت سيبقى غالبية الناس يشككون في ما إذا سيكونون عرضة للمرض أم لا.

الخطوط الأمامية

تفاجأ الأطباء بانتشار الكوليرا لأول مرة في عكار، إذ لم يسجل لبنان أي إصابة منذ ما يقرب من 30 عامًا، لذا لم يعرف معظمهم ما طبيعة المرض الذي بدأوا يتعاملون معه.

من جهتها قالت مديرة مركز الإيمان الطبي في ببنين الدكتورة ناهد سعد الدين، “سمعنا لأول مرة عن الكوليرا عبر وسائل الإعلام… لم نكن نعرف ما هو. سمعنا عنه عندما كنا صغاراً، لكنه اختفى بعد ذلك.”

ووفق سعد الدين، فإن انتشار البكتيريا يعود إلى المياه الملوثة في المنطقة قبل أن يتم احتواؤها نسبيًا في البداية، إلا أنه وبعد أن تسببت عاصفة ممطرة بتسرب المياه الملوثة إلى بعض مصادر المياه الرئيسية في المنطقة، مما أدى إلى تفشي المرض على نطاق واسع في البلاد.

وطلبت حينها وزارة الصحة من مركز الإيمان الصحي استخدام القاعة الفارغة الموجودة أسفل الطابق الرئيسي كمستشفى ميداني لرعاية المرضى الذين يأتون لطلب المساعدة بعد إصابتهم بالبكتيريا.

وفور انتشار الخبر، اكتظ المركز بالمرضى نظراً إلى قرب موقعه وتكاليف الفحوص والعلاج التي لم تكن باهظة مقارنة بأي مستشفى خاص.

ووفق سعد الدين فإنه “في غضون أربع ساعات، حصلنا على 50 مريضًا…. ولم يتوقف العمل. فعدد الحالات التي يعتقد الناس أنها مجرد مبالغة من وسائل الإعلام موجودة بالفعل”.

نظرًا لعدم وجود فحص خاص للكوليرا يمكن للمستشفى القيام به لتأكد ما إذا كان شخص ما مصابًا، فقد تم علاج كل حالة تظهر عليها أعراض الكوليرا على أنها إصابة، وبات المركز مكتظاً إلى درجة تعذر استقبال الحالات غير الحرجة فيه، وتم إرسال الأطباء والممرضات إلى منازل المشتبه بإصاباتهم لإجراء فحوص أو للعلاج.

ووفق سعد الدين فإن المركز يبذل قصارى جهده لعلاج المرضى، رغم عدم جهوزيته للتعامل مع المرض.

كان المركز مكتظاً بالمرضى منذ أيام، حيث كان المصابون يجلسون على الكراسي أو يرقدون على الأرض لتلقي العلاج.

وأشارت سعد الدين إلى نقص بالمعدات “تم تجهيز هذا المستشفى في أربعة أيام… لسنا مستعدين لاستقبال هذا الكم من المرضى… سكان المنطقة العائلات والأصدقاء يتطوعون لمساعدة المرضى… لا نعرف ما البروتوكول المطلوب للعلاج، ولا نعرف كيف نتعامل مع هذا المرض، إلا أننا نقوم بعمليات التعقيم والتنظيف وإزالة القمامة”.

ورغم اعتقاد سعد الدين بتحسن الوضع، إلا أنها لا تزال تعيش في خوف دائم من تعذر استقبال المزيد من الحالات، مشيرة إلى أن “خزانات المياه القديمة والملوثة يتم تخزينها مما يتسبب في المزيد من الحالات” وهو ما أكده كل من أحمد شيخ ومطر.

تنتشر الكوليرا، مثل العديد من الأمراض المعدية الأخرى، من خلال المياه الملوثة، الأمر الذي يثير قلق أحمد شيخ ومطر.

وتمتزج المياه بالقمامة والفضلات البشرية والحيوانية، في جميع أنحاء المخيم، نظراً لأنها ليست مياه جارية الأمر الذي سمح للحشرات بالتكاثر في المكان وخلق بيئة غير صحية.

انتقل أحمد شيخ ومطر إلى هذا المخيم قبل عامين، بعدما واجهتهما مشاكل في المخيم الذي عاشوا فيه لعدة سنوات عقب فرارهم من سوريا في بداية الحرب الأهلية.

واستمر الوضع بالتدهور في المخيم ولم يردّ أحد طلب أحمد شيخ ومطر للمساعدة في تنظيف المخيم حتى لا تنتشر الأمراض، واكتفى الجميع بزيارة المخيم لالتقاط الصور، وأكدا أنهما حاولا الاتصال بالأمم المتحدة للحصول على المساعدة.

عندما طُلب من المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التعليق على استجابة المنظمة لتفشي الكوليرا، قال إنهم يعملون مع وزارة الصحة ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية للمساعدة في معالجة البكتيريا.

وفق المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد، فإن المساعدات المحدودة للمفوضية تهدف إلى تعزيز الوقاية من الكوليرا وهياكل الاستجابة والمراقبة لاحتواء تفشي المرض، إضافة إلى دعم حملة التلقيح؛ ورفع قدرة مرافق الرعاية الصحية وضمان الوصول إلى التشخيص المبكر والعلاج، وتعزيز الوعي المجتمعي حول الكوليرا؛ وضمان إجراءات النظافة المناسبة في الوقت المناسب للسيطرة على انتشار الكوليرا، مع إيلاء اهتمام خاص للسكان في المناطق المعرضة للخطر.

وأضافت أبو خالد أن المفوضية السامية تغطي تكاليف المستشفى لجميع اللاجئين الذين يتلقون العلاج من الكوليرا وتساعد في حملة تلقيح “للاجئين والمواطنين اللبنانيين”.

ولفتت أبو خالد إلى أن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقوم بتحويل مراكز كورونا التي تمولها المفوضية إلى مراكز علاج الكوليرا في مستشفى حلبا وطرابلس الحكوميتين”. كما أرسلت المفوضية السامية خزونًا طارئًا من الأدوية والإمدادات إلى مستشفى حلبا الحكومي.

ومن المعلوم أن كل من يملك بطاقة أممية، يمكنه شراء الطعام شهرياً، إلا أن الكمية المخصصة عبر هذه البطاقة لا تكفي حاجة أسرة مكونة من ستة أفراد.

.

على مسافة قصيرة من الخيم التي تعيش فيها العائلات، يوجد غرفة خشبية صغيرة تستخدم كمرحاض على شكل حفرة في الأرض، إلا أنه هو أيضاً كان مليئًا بالفضلات البشرية وكان مغطى بعدد لا يحصى من الذباب، ووفق الشيخ أحمد فإن “المرحاض مقرف للغاية”.

وأشار مطر إلى أنه هناك “العديد من خزانات المياه المنتشرة في المخيم إلا أن لا أحد يجرؤ على استخدامها إلا بهدف التنظيف، وللحصول على مياه صالحة للشرب يجب الذهاب إلى متجر قريب يبيع غالونات من مياه مفلترة.

ورغم ذلك لا يزال يخيم القلق من إمكانية حصول الأطفال على هذه المياه الملوثة.

وأكد مطر أن سكان المخيم طلبوا أقراص الكلور التي يمكنهم استخدامها لتطهير خزانات المياه هذه، إلا انها لم تصل حتى الآن.

ولدى الزوجين مطر وأحمد شيخ، طفل يبلغ من العمر عامين يحتاج إلى دواء كل يوم لأنه لم يحصل على ما يكفي من الأكسجين عند ولادته، وما يملكونه من نقود لا تكفي إلا لتلبية احتياجاتهم الأساسية وأدوية طفلهم، لذلك “إذا مرض الأطفال فلا يمكن نقلهم إلى عيادات الأطباء”.

وأصبح سكان المخيم مرهقين لأنهم يشعرون أنهم ينتقلون من أزمة إلى أخرى.

وقال مطر: “قبل ذلك تفشى وباء كورونا وماذا حدث الآن؟… الكوليرا. لا يوجد إجابة. لا أحد يجيب. ما الذي سيحدث؟ لا أعرف”.

يخلد سكان المخيم كل ليلة إلى النوم وهم يعانون مع الروائح التي تنبعث من النفايات، ويستيقظون في الصباح، قلقين من أن يكون هذا يومهم الأخير من دون أن يتمكنوا من حماية أنفسهم من العدوى.

المصدر: The New Arab

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us