الجسم القضائي يهتزّ: قضاة غادروا وآخرون بإجازات مفتوحة والآتي أعظم


أخبار بارزة, خاص 2 كانون الأول, 2022

كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:

بعدما أيقن القضاة المضربون عن العمل منذ نحو ستة أشهر والذين يشكلون ثلثي عدد القضاة في لبنان أنّ مطالبهم الحياتية لا تزال صعبة المنال، ازدادت حالة اليأس لديهم ومعها ارتفع عدد الاستقالات إلى ستة خلال العام 2022، وأخذ أكثر من 20 قاضيًا إجازات مفتوحة بلا راتب، فيما لجأ البعض الآخر إلى خيار العمل ولو بالحد الأدنى في قصور العدل لتسيير بعض الملفات.

ويشكو القضاة، كغيرهم من اللبنانيين، من تردي أوضاعهم المعيشية بعد انهيار قيمة الليرة اللبنانية، وتراجع قيمة البدلات، فضلاً عن الوضع المزري في مباني قصور العدل والمحاكم، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه والخدمات عنها بشكل بات يعيق عمل القضاء وتحقيق العدالة، ويكفينا جولة على قصور العدل لتدل على تراجع الصيانة ونقص الموارد والمستلزمات في صرح يُفترض أن يحتكم إليه الناس لرفع الظلم وإحقاق الحق. فهل استمرار اعتكاف القضاة يشير إلى بداية نهاية القضاء أم إلى فصل السلطة القضائية عن السطلة التشريعية؟

أزمة مؤسسات وسلطات

الخبير الدستوري والباحث السياسي الدكتور عادل يمين يقول لـ “هنا لبنان”: “ليس بالضرورة أن تنذر المرحلة المقبلة بنهاية القضاء، اعتكاف القضاة عن العمل ما هو إلا دليل أزمة في أداء المؤسسات والسلطات في لبنان على مختلف الأصعدة، ابتداءً من الفراغ في رئاسة الجمهورية إلى وجود حكومة تصريف أعمال إلى العمل المحدود في المجلس النيابي وصولاً إلى حال الإدارات العامة وإضراب الموظفين أو عملهم المحدد أسبوعياً”.

ويشير إلى أن “أزمة اعتكاف القضاة الممتدة منذ نحو ستة أشهر بسبب أزمة الرواتب وحال العدلية المزري، أدت إلى استقالة بعض القضاة وطلب إنهاء خدماتهم، ودخول البعض الآخر بإجازات مفتوحة بدون راتب”.

وعن تصوره لمدة استمرار الإضراب ومستقبل السلك القضائي، يجيب: “نحن أمام أزمة عدالة وأزمة عجلة الدولة ومؤسساتها وأزمة مجتمع وحقوق مواطنين، وأيضاً أزمة في هيبة القانون، ما سيؤدي إلى هروب الاستثمارت الأجنبية، لأن العدالة معطلة، ما يعني أن الانتظام العام سيكون أيضاً في أزمة، فمن جهة يعاني بعض القضاة من صعوبات معيشية تجعلهم مترددين في العودة إلى العمل ومن جهة أخرى لا يجوز الاستخفاف في إحقاق الحق وتعطيل مرفق العدالة وبالتالي فإننا أمام معضلة كبيرة يجب حلها من خلال الحل العام عبر انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تأليف حكومة جديدة تمنح الثقة، ووضع خطة للتعافي الاقتصادي والمالي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار القوانين الإصلاحية كي نبدأ بالنهوض. وعدا عن ذلك قد تشتد الأزمة، لافتاً إلى أنّه حتى الساعة هناك عجز في تحقيق مطالب القضاة وبالتالي أي حل ممكن أن يحصل من خلال سيناريو معين فهو مؤقت، متمنياً على القضاة تفهم الواقع القائم مع تعديل شكل الضغط والأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية الراهنة وموضوع مضاعفة رواتبهم ثلاث مرات كي يقوموا بتسيير مرفق العدالة ولو بالحد الأدنى” .

أما بالنسبة للموقوفين في السجون المكتظة والذين لم يتمّ البت بملفات إخلاء سبيلهم بعد، فيرى أنه “يتعين على القضاة إجراء جلسات استجواب إلكترونية للموقوفين احتياطياً إن تعذر عليهم الوصول إلى قصور العدل بسبب غلاء المحروقات، خصوصاً وأن ظروف التوقيف اليوم قاسية، وتأخير إخلاء سبيلهم يتعارض مع العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع المواثيق الدولية ذات الصلة والتي يتبناها الدستور اللبناني”.

ويختم يمّين: “تراكم هذه الأزمات يجب أن يشكل حافزاً لدى القوى السياسية ويكون سبباً لصحوة الضمير من أجل انتخاب رئيس للجمهورية يوحي بالثقة وقادر على تحقيق الإصلاح ومؤمن به وببناء الدولة ومكافحة الفساد والأسباب التي قادت البلاد إلى الانهيار المالي والاجتماعي، ومن ثم تأليف حكومة تضع برنامجاً يمنح الثقة في البرلمان من أجل تحقيق هذا النهوض المرجو واستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ومعالجة موضوع ودائع اللبنانيين والعرب والأجانب بهدف الخروج من الركود الاقتصادي على قاعدة إعادة هذه الودائع إلى أصحابها من ضمن خطة ورؤية استراتيجية متكاملة وفي ما عدا ذلك يبدو أن لا إمكانية للنهوض.”

أهالي الموقوفين يهدّدون

أمام هذا الواقع يحتج أهالي الموقوفين لإنصاف أبنائهم مناشدين القضاة بأن ينظروا في ملفات أبنائهم العالقة لديهم وخصوصاً لناحية عقد جلسات التحقيق وإنجاز المطالعات من النيابات العامة في الملفات المحالة من قضاة التحقيق، للتمكن من البت بإخلاء سبيل الموقوفين وإصدار القرارات الظنّية، وإبداء الرأي في طلبات إخلاء السبيل من قبل النيابات العامة.

وهدد أهالي الموقوفين بالقيام باحتجاجات تصعيدية باعتبار أن تعطيل البت بملفات الموقوفين يشكل إحتجازاً لحريتهم، وأمهلوا القضاة 15 يوماً وإلا… “أعذر من أنذر” على حد تعبيرهم.

اعتكاف بلا جدوى

من جهته، يقول أحد القضاة: “القضاء اللبناني يعيش سابقة تاريخية لا مثيل لها، والاعتكاف عن العمل يشكل خطراً كبيراً على المجتمع، مؤكداً أن إضراب القضاة أصبح بلا جدوى في ظل وجود حكومة مستقيلة تصرف الأعمال وفي ظل فراغ رئاسي، داعياً القيادات الفعالة في السلك القضائي لاتخاذ الاجرءات الحاسمة واللازمة لإنقاذ القضاء”.

إنهيار العدالة!

أما عضو كتلة الجمهورية القوية، القاضي السابق جورج عقيص فيرى أنه “لا يوجد قضاء ينتهي بدولة وإلا لكانت الدولة انتهت كلياً، ولكن ما أستطيع قوله أننا أمام أزمة كبيرة يعيشها سلك القضاء في لبنان، وسط حلول معدومة ما يحتّم على الدولة تحمل مسؤوليتها وأن تتجاوب مع مطالب القضاة المعتكفين عن العمل، كي لا تكون المرحلة المقبلة في قصور العدر أشد خطراً، وكي لا يستمر النزف، وإلا قد نصل إلى مرحلة خطيرة جداً تنذر بانهيار العدالة ومنظومة الدولة ومؤسساتها”.

ويشير عقيص إلى أنّ “العدالة في لبنان وفي عز أيام الحرب لم تكن يوماً مسيسة كما هي اليوم، ومتخلفة عن إحقاق الحق وضعيفة تجاه التدخل السياسي، إضافة إلى اللامبالاة على المستويين الرسمي والمؤسساتي وعلى المستوى الشعبي، وكأن الشعب اللبناني ليس مدركاً لأهمية وجود قضاء ومحاكم تعطي الحقوق بسرعة وفعالية، لا بل وبدأ يتآلف مع فكرة عدم وجود القضاء والقانون في لبنان، ما يعني أننا تحولنا من دولة شبه قانون إلى دولة تسودها شريعة الغاب”.

الوضع في لبنان خطير، أسباب الجريمة إلى ارتفاع

في ظل تقهقر المؤسسات القضائية الذي يؤدي إلى شريعة غاب فعلية، قد بدأنا نلحظ اليوم أنواعاً من الجرائم وأنماطاً من العنف الاجتماعي لم يشهدها لبنان في عز فترات الحرب.

الوضع في لبنان خطير، ومعدلات الجريمة إلى ارتفاع قياسي والجسم القضائي ينهار، ويبقى السؤال الأهم كيف يمكننا إستعادة الثقة بهذا المرفق، وإقناع المواطن بالإحجام عن تطبيق شريعة الغاب؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us