الهواتف الذكية و”المتطفّلون” يغتالون مهنة التصوير.. “صورٌ من دون روح”!
كتبت هانية رمضان لـ “هنا لبنان”:
“اضحك الصورة تطلع حلوة”، هو ليس فقط عنوان فيلم، بل هو إشارة لمهنة كانت مزدهرة في السابق.
كانت استوديوهات المصوّرين تحتفل بالوافدين، وكانت هذه المهنة هي الأقرب لقلوب عشّاق التصوير. ففي كل مناسبة يكون المصوّر ضيفاً محبباً، غير أنّ هذا العمل الممزوج بالجمال كان محاطاً بأدوات ومعدّات باهظة.
أهمية التصوير نراها أيضاً في الصحف، فالمانشيت غالباً ما يكون مرتبطاً بصورة تحتل نصف الصفحة الأولى!
أما اليوم فتبدّل المشهد، والأوضاع الاقتصادية عصفت بهذا القطاع كما القطاعات الأخرى، فضلاً عن منافسة الكاميرا والتي تطوّرت كثيراً، لأجهزة الهواتف الذكية والتي باتت تتمتع بتقنيات تصوير واسعة وهامّة، إلى حد ذهاب فئة غير قليلة من الإعلاميين إلى إعداد تقاريهم المصوّرة بكاميرا الهاتف.
غير أنّ التصوير ليس فقط تقنية، بل عدسة وفن لشخص يقف خلف الكاميرا، ويدرك جيداً معنى اللقطة وجماليتها.
وإلى جانب الاعتماد على الأجهزة الذكية لتوفير “الكلفة”، ظهرت موجة من الـ “فري لانسر”، وهم مصوّرون هواة استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لصنع شهرة افتراضية ومزاحمة المخضرمين.
كلّ ما سبق ساهم في تلاشي هذا القطاع، واعتكاف كثيرين ممن أحبوا هذه المهنة في أيام عزّها، أما من استمرّوا فاضطروا إلى ذلك في غياب أيّ دخل ثانٍ لهم.
في هذا السياق عبّر صاحب “استوديو بودي” السيد عبد لـ “هنا لبنان” عن استيائه الشديد للحال التي وصلت إليها مهنة التصوير، قائلاً: “ما إن بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع حتّى تراجع مردود المحل بشكل كبير وأصبحتُ أمام تحدٍّ كبير، فإما أن أقاوم أو أقفل المحل”.
وتابع: “هذا القطاع مثله مثل باقي القطاعات، فنحن عانينا أيضاً من ارتفاع الإيجارات، وأصبح يطلب منّا دفع جزء منها بالدولار الفريش ما دفعني لإقفال الاستديو وبيع الأدوات. وأبقيت على عدّة كاميرات كي أعمل وفق الطلب، من منزلي”.
“التلفونات خربت الدني”، هي العبارة التي يبدأ فيها صاحب استوديو “RAW PICTURES” رامي تغلبي، لـ “هنا لبنان”، مشيراً إلى الوضع المأساوي الذي طغا على المهنة.
ويضيف تغلبي معلقاً: “الجميع أصبح يعمل في سوق التصوير، ولم يعد هناك من يلجأ إلى تظهير الصور، في ظلّ إمكانية الاحتفاظ بها بنسختها الديجيتال”.
ووفق تغلبي فإنّ المهنة تتجّه نحو الانهيار فـ “بديهيات التصوير داخل الاستوديو لم تعد موجودة، كالصور الشمسية، والتي تراجعت كثيراً بسبب توقف العمل في الدوائر الرسمية، فضلاً عن أزمة جوازات السفر وإخراجات القيد التي أثرت بشكل سلبي على هذا الموضوع”.
وذكّر رامي كيف أنّ الزبون في السابق كان يتهافت لشراء الألبومات وتظهير عدد كبير من الصور، معلّقاً: “المهنة اليوم تقتصر على تصوير محدود للمناسبات، والوضع اختلف جداً من حيث المتطلبات والأسعار”.
إلى ذلك يوضح أحد تجار آلات التصوير لـ “هنا لبنان” أنّ “سوق شراء وبيع الكاميرات قد تراجعت بشكل ملحوظ وبات بعض المصورين المعروفين يصلّحون كاميراتهم أو يبيعونها!”، مضيفاً: “كنا نستورد أحدث آلات التصوير من الخارج ولا سيما من الإمارات لكونها تعرضها بأسعار مميزة، أما اليوم فالأسعار أصبحت خيالية بالنسبة للمواطن اللبناني وأصبح من الصعب للمصوّر مواكبة التطور”.
التصوير ليس مهنة عادية، بل هو مجموعة من الذكريات واللحظات التي تخلّد. هذه المهنة التي أصبحت اليوم تصارع للبقاء تحوّل مسرحها إلى مساحة لبيع “اللوتو” أو “الإكسسوار” أو حتى تشريج خطوط الهاتف.
مواضيع مماثلة للكاتب:
مرحلة التعافي في لبنان.. بين انتعاش المهن وعبء ارتفاع أسعار البناء | بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود |