التحقيق في العاقبية: هل لا يتكرر ما جرى في عين الرمانة؟


أخبار بارزة, خاص 19 كانون الأول, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

الرحلة الأخيرة التي قام بها الجندي الإيرلندي شون روني العامل في قوات اليونيفيل للبنان كانت الأحد في 18 كانون الأول الجاري. لكنه غادر هذه المرة في تابوت إلى موطنه بعدما سقط برصاص المهاجمين للمركبة التي كان يقودها مساء الخميس الماضي في بلدة العاقبية الساحلية في جنوب لبنان. وفيما تم نقل جثمان الجندي الإيرلندي إلى بلاده، اتجهت الأنظار إلى التحقيقات التي بدأت على الفور لكشف ملابسات الجريمة التي قلبت النظرة الدولية إلى جنوب لبنان رأساً على عقب.
من الجانب اللبناني، وضع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي يده على الاعتداء الذي أدى إضافة إلى مقتل الجندي روني إلى إصابة جندي آخر في الوحدة الإيرلندية بجروح خطرة وجرح آخرين. فهل سينجح القاضي في مهمته هذه؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من التوقف عند موقفين متناقضين لشخصيتين بارزتين في حزب الله. الموقف الأول هو الذي صرّح به مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا لوكالة “رويترز” فقال أن “الحادث لم يكن مقصودًا”، داعيًا إلى “عدم إقحام حزب الله في الحادثة”.
أما الموقف الثاني فكان للشيخ صادق النابلسي العضو القيادي في الحزب الذي غرّد بعد الاعتداء قائلاً: “أنّ بعض الدول المشاركة في قوات اليونيفيل تعمل وكيل أمن لإسرائيل… يعرفون الطرق والزواريب في لبنان كما يعرفون أبناءهم، لم يكونوا في هذا المكان تائهين ولم يكن غرضهم الخروج إلى شارع «مونو» لاحتساء الكحول”!
قبل أكثر من عام، كان “حزب الله” طرفاً رئيساً في أحداث شهدتها منطقة عين الرمانة وسقط فيها قتلى وجرحى. وتلك الأحداث كان القاضي عقيقي أيضاً مكلفاً بالتحقيق فيها، لكن هذا التحقيق أخذ مساراً سياسياً أكثر مما هو قضائي بعدما ركز القاضي على استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع متجاهلاً الدعوة التي رفعت ضد الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في الأحداث نفسها. وقد أدى منحى التسييس هذا إلى وضع التحقيق على رف الانتظار حتى الآن.

وبالعودة إلى اعتداء العاقبية، بدا واضحاً أن “حزب الله” يصرّ على وضعه في خانة “الحادث العرضي”. وفي هذا الإطار، قالت قناة “المنار” التلفزيونية التابعة للحزب: “الحادث الذي أراده البعض أزمة فقد طوّقته الحكمة والعودة إلى الوقائع الميدانية ما يعني انتزاع الحقيقة من أنياب التضليل السياسي والإعلامي وسط الإجماع اللبناني والدولي على محدودية الحادث المنزوع من أي أبعاد وعلى بعد العلاقة مع اليونيفيل مع حسن الأداء وتجنّب الأخطاء”. وفي تقرير لـ “المنار” حمل عنوان “إنتظار التحقيقات بحادثة العاقبية” تضمن مقابلة مع الناطق الإعلامي باسم اليونيفيل أندريا تيننتي مع القناة فيقول في مقطع الفيديو بالإنكليزية: The incident is very serious. لكن ترجمة “المنار” لهذه العبارة كانت الآتية: “الوضع في عمليات اليونيفيل هادئ والجنود مستمرون بأنشطتهم كالمعتاد”. ومن يعرف الإنكليزية يدرك أن عبارة تيننتي تقول وبحسب قاموس وبستر: “إن الحدث قد تكون له تداعيات خطيرة”.
عندما يكون الاعتداء يستهدف دولة كإيرلندا معنى ذلك أن الأمر لن ينتهي عند الجهود التي بدأها القاضي عقيقي. ومن نماذج ما ينشر هناك، ما نشرته صحيفة “أيرش تايمز” تحت عنوان “تشاؤم في إيرلندا حول التحقيق اللبناني في مقتل جندي”. وجاء في المقال الذي أعده كونور غالاغر السبت الماضي: “لا يثق المسؤولون الأيرلنديون كثيراً في التحقيق اللبناني في مقتل الجندي شون روني وسط مؤشرات على مقتل الجندي في هجوم مسلح مستهدف. وهناك أيضاً شكوك متزايدة حول نفي حزب الله لتورطه في الهجوم الذي وقع على خلفية التوترات المتصاعدة بين قوات اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) والجماعة المسلحة.
وقال مصدر دفاعي إن إطلاق الرصاصة من مؤخرة السيارة من خلال نافذة مكسورة أو باب مفتوح يشير إلى أن وفاة روني كانت ذات طبيعة مستهدفة، وليست نتيجة رش عشوائي للرصاص”. يضيف المقال: “رفض مسؤولو الحكومة والدفاع (في إيرلندا) قبول بيان حزب الله بأنه ليس له أي ضلوع في الهجوم الذي وصفه بأنه “حادث غير مقصود”. وكانوا يرددون تصريحات وزير الخارجية سيمون كوفيني التي رفض فيها قبول “أي ضمانات حتى يتم الانتهاء من تحقيق كامل لإثبات الحقيقة الكاملة”.
وأشارت المصادر التي استقت منها الصحيفة معلوماتها إلى “الجهود الأخيرة التي بذلتها المجموعة (حزب الله) لمنع حرية حركة قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل . وقالت: “قد يكون الأمر كذلك أنهم حرضوا عليه مباشرة. أو قد يكون غير مباشر من خلال خطابهم ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. أو ربما يقولون الحقيقة. علينا أن نرى”.
من الأسئلة التي بدأت تطرحها أوساط شيعية مستقلة منذ الآن: “ماذا لو قررت إيرلندا التي تعتبر أن جنوب لبنان بات بيئة معادية لا يمكن لوحدتها العاملة في اليونيفيل أن تستمر في مشاركتها في هذه القوات الدولية؟” وفي رأي هذه الأوساط أن سحب إيرلندا لوحدتها في اليونيفيل “سيمثل تطوراً خطيراً غير مسبوق خصوصاً أن إيرلندا هي من أوائل الدول التي أرسلت جنودها إلى جنوب لبنان وذلك في العام 1978”.
ربما يكون المخرج من هذه الأزمة الخطيرة يكمن في توقيف المسوولين عن الاعتداء ومحاسبتهم. فهل بإمكان القاضي عقيقي أن يقوم بهذه المهمة التي لم يقم بها سابقاً في عين الرمانة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us