بيئة لبنان 2023: ملفات شائكة… ولا إنقاذ إلا بخطط بيئية مستدامة


أخبار بارزة, خاص 2 كانون الثاني, 2023

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

يغرق لبنان في الأزمات البيئية منذ سنوات تعززها سياسات خاطئة أمعنت في ازدياد التدهور البيئي الذي لا يمكن أن يُعوّض كالإستنزاف في الموارد الطبيعية وزيادة مستويات التلوث، لا سيما أن ما يعتبره المسؤولون عن هذه الملفات حلولاً ليس سوى علاج بالمسكنات لم يرقَ إلى مستوى المعالجة البيئية الجدية. وهي سياسة لا شك أنها ستمتد إلى العام 2023 خصوصاً أن الأولويات ليست بيئية في ظل أزمة إقتصادية ومالية وقيادات لم تُظهر يوماً الإرادة في إيجاد الحلول الناجعة للأزمات البيئية. مع العلم أنّ التدهور البيئي كان قد بدأ قبل هذه الأزمة الإقتصادية بسنوات.
ولأن الصحة والبيئة تتلازمان، فإنّ لا عقل يسلم ولا جسم يبرأ إذا ما كنا نعيش في بيئة ملوثة الهواء.
وتشير التقديرات إلى أن كلفة التدهور البيئي في لبنان تبلغ نحو 2,35 مليار دولار، وهو الناتج عن الضرر الذي يسببه تضاعف نسب تلوث الهواء بسبب أزمة الطاقة وعدم التشدد في تطبيق القوانين المتعلقة بالقيم الحدّية للانبعاثات الغازية للمصادر الثابتة من مصانع ومعامل كهرباء ومولدات، والانتشار العشوائي للمقالع والكسارات، وازدياد حرائق الأحراج والغابات وأزمة النفايات وغيرها من المشاكل البيئية.
أما المبررات فحاضرة على لسان المسؤولين منها ما يتعلق بالموارد المالية وعدم القدرة على تنفيذ المشاريع أو في غياب الرقابة إذ أن موازنة وزارة البيئة لا تتخطى الـ 0,3 بالمئة من موازنة الدولة ما لا يسمح لها التواجد الدائم لمراقبة وتحديد جميع التحديات والمخالفات. فيما تفعيل دور البلديات يحتاج إلى إعطائها المستلزمات ومنها المالية، وهنا يكمن بيت القصيد!

رئيس الحزب البيئة العالمي الدكتور ضومط كامل لفت في حديث لموقع “هنا لبنان” إلى سلسلة من التحديات تواجه لبنان بيئياً في العام 2023 وهي استمرار للنهج المتبع منذ سنوات.

النفايات
هو الملف البيئي الأخطر، عمره عقود بعد أن فشل المسؤولون في بناء إدارة متكاملة للنفايات الصلبة. فيما الحلول التي وضعت مؤقتة ولم تعزز ثقافة الفرز من المصدر أما المشكلة الأكبر فهي في إدارة القطاع.
أما حجم رمي النفايات في الشارع يومياً فيبلغ نحو 50 طناً. وفي هذا الإطار لفت ضومط إلى أن الملف يحتاج إلى إدارة سليمة وخطط مواكبة جديدة. لافتاً في هذا السياق إلى مكب
جبيل الذي عمل على تأسيسه عام 1983 والذي يعتبر أحدث مكب وبالتالي لن تعاني جبيل من مشكلة نفايات لسنوات طويلة بسبب المواصفات التي يُعمل فيها بالمكب ويتولى اختصاصيون العمل فيه إضافة إلى شركة متخصصة.
وأكد ضومط أن النفايات في المكبات المنتشرة في لبنان تطمر من دون معالجة وعلى شواطئنا أقيمت جبال من نفايات.
وإذ أمل ضومط بخطط واستراتيجيات بحجم الأزمة من قبل اختصاصيين بعيداً عن الاستفادة السياسية، لفت إلى أن أزمة النفايات تحولت إلى نفايات سياسية. وقد تم رمي ملايين الأطنان في مكب الناعمة مثلاً من دون أي معالجة، وكذلك في الكوستا برافا والدورة برج حمود. وهذا أمر خطير جداً فيما أن أي دولة في العالم المتقدم لا تسمح بهذا الأمر.
وأكد أن 60 في المئة من النفايات هي نفايات عضوية تتحول إلى أسمدة أو إلى إنتاج طاقة كهربائية لذلك في دول العالم المتقدم لا وجود لمشكلة نفايات لأنها تستفيد منها.
ويبقى أن الملف يحتاج إلى قرار سياسي بوضع استراتيجية واضحة ووجود قيادة على دراية بما تقوم به.

المياه والصرف الصحي
ملف آخر لا يقل أهمية عن ملف النفايات. إذ أن لبنان يعاني من تلوث كبير في مصادر المياه بسبب سوء الصرف الصحي، قلة محطات التكرير الخاصة بتكرير مياه الصرف الصحي، عدم وجود مكبات نفايات صلبة بشكل كافي، وغيره من الأسباب التي جعلت من مياه لبنان مياه ملوثة بشكل كبير.
ضومط أكد أنه في ثمانينات القرن الماضي كانت مياه أنهار لبنان صالحة للشرب حتى أنّ مياه نهر بيروت في بداية السبعينات كانت صالحة للشرب.
اليوم الملف المائي في لبنان خطير جداً وتأثيره على الإنسان كذلك. لأن الآبار الارتوازية ذات القعر المفقود ضربت المياه الجوفية، كما أن الآبار الارتوازية الموجودة على الشاطئ اللبناني دخلت إليها المياه المالحة.
والأنهار لم تعد مياهها صالحة للشرب ومعظم الينابيع ما دون الـ 800 متر ملوث أشد التلوث والسؤال ماذا يشرب اللبناني؟
وهنا ملف آخر يحتاج إلى جدية في العمل وإيجاد الحلول.

حرائق الغابات
خسر لبنان جزءاً مهماً من ثروته من الغابات، بعد سلسلة حرائق اجتاحته من الشمال إلى الجنوب، نتيجة إهمال كبير في صيانة هذه الثروة وضعف في تجهيز فرق الدفاع المدني بالمعدات اللازمة لإطفاء الحرائق. ولأن لا قدرة مالية لتأمين كلفة شراء طائرات إطفاء الحرائق وتأمين كلفة صيانتها الدورية، الإتكال على بعض الأفكار الوقائية وتشجيع تنفيذ أعمال الصيانة المنتظمة لمساحات الغابات والمحميات، لا سيما الأشجار المعمرة التي تشكل آخر ما تبقى من هذه الثروة في لبنان.
في هذا الملف شدد ضومط على أنه طالما القيادات نفسها، فإن التفكير نفسه، والنتيجة نفسها. على رغم أن الغابات خط من الخطوط الأساسية من عناصر الحياة: الإنسان، الحيوان والنبات إضافة إلى الهواء والمياه والأرض. هي عناصر يجب المحافظة عليها وإلا الدمار.
إلا أنه في العام 2022 زادت عمليات التشجير بنسب عالية، وانخفضت أعداد ومساحات الحرائق. وقد أعلن وزير البيئة ناصر ياسين في نهاية موسم الحرائق عن خفض أكثر من 90% من المساحات المحترقة بالمقارنة مع الأعوام الثلاثة الماضية من خلال الوقاية والرصد المبكر والتدخل السريع.

الصيد البري
صحيح أنه لم يُفتتح موسم الصيد البري لعامي 2021 و2022، من أجل تفعيل المحافظة على التنوّع البيولوجي، وأنواع الطيور والحيوانات البرية، إلا أنه بحسب ضومط فإن هناك نوع من إبادة للطيور والصيد مستمر على مدار الساعة. ويمر في سماء لبنان وحو 600 مليون طائر لم نلاحظها هذا العام. فيما تُطلق سنوياً 75 مليون طلقة خرطوش صيد في لبنان. وانتقد ضومط الاستراتيجيات الموضوعة في هذا الإطار غير العلمية بامتياز.

المقالع والكسارات
هو ملف شائك بامتياز، ينقص هذا القطاع الحوكمة والإدارة السليمة، فيما مستحقات هذا القطاع للخزينة العامة تقدر بمليارات الدولارات. في ظل محميات سياسية تؤثر بشكل كبير على بت ملفات عديدة في هذا القطاع. والنقاش مفتوح حول متطلبات هذا القطاع وكلفته على البيئة والصحة العامة بالمقارنة مع فتح باب الاستيراد.
بيئياً لفت ضومط إلى الانعكاسات السلبية للمقالع والكسارات العشوائية على البيئة بسبب قطع أشجار الغابات وإزالتها من جذورها لا سيما الغابات التي تعود هذه الغابات كما كانت
فيما المقالع غير مستوفية للشروط البيئية. وهو تدمير ممنهج للبيئة في لبنان.

التلوث الغذائي
هو ملف بحسب ضومط يؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان لا سيما بسبب الأسمدة التي تستعمل في الزراعة والنيترات ومشتقاته والمبيدات إضافة إلى الري بمياه ملوثة، إضافة للأدوية الزراعية التي تترك آثاراً مباشرة في الثروة المائية الجوفية والسطحية ومن ثم للإنتاج لينتقل مخزونها الجرثومي والسام إلى الإنسان.
كما يشكل خطراً على سلامة الاقتصاد الوطني عند تصدير الإنتاج الزراعي أو المواد الغذائية المصنعة من هذا الإنتاج، إذ أن هناك مواصفات يجب أن تطابق الشروط الصحية المطلوبة في البلدان المستورِدة خصوصاً إذا ما تم الإفراط في استخدام الأدوية.
هذا الأمر يتطلب رقابة متواصلة لتلافي الأخطر على صحة المواطن والاقتصاد. من هنا وجوب وضع خطة شاملة متكاملة.

إذاً رأسمالنا الوحيد في لبنان هو الطبيعة، منه نستثمر من أجل قضايا أخرى ومنها تنمية الاقتصاد المحلي، إلا أننا على ما يبدو لم نتعلم بعد الحفاظ على ما تبقى من إرث طبيعي في لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar