أريد ابني شهيداً!


أخبار بارزة, خاص 23 كانون الثاني, 2023

كيف لأمّ أن ترجو لابنها القبر؟ كيف تتخيّل كفنه وهو ما زال طفلاً؟.. هل أصبح التطبيع مع ثقافة الموت عادة؟ وكيف ينجب البعض الأطفال كي يقدمها قرابين لهذا المشروع أو ذاك؟!


كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:

أتذكّر وجه جدتي، يوم تلقت خبر وفاة ابنها، أي عمي، منذ 9 سنوات. أتذكره جيّداً، فمنذ ذلك الحين لم تعد جدتي نفسها، وكأنّ جزءاً منها دفن في ذات القبر مع عمي.
دخلت جدتي غيبوبة حزن.. حزنها كان غريباً، قاسياً، هادئاً، احتجبت عن صور ابنها، عن جدران بيته، عن كل ما يعيد إليها وجهه، وكأنّها تهرب من فكرة موته.
جدتي بالمناسبة كانت مؤمنة، زاهدة، ولكن في موت ابنها، كانت لديها تساؤلات، وبغريزة الأم كانت تريد لجسده أن يبقى عمراً طويلاً أمامها لا أن يأخذه النعش إلى مثواه الأخير!
لم تستيقظ جدتي يوماً من وفاة عمي، وتوالى سقوطها مع رحيل أبي وولديها الآخرين، حتى استسلمت أخيراً، لتجاورهم قبراً!

ذكرى جدتي التي فارقتنا منذ عامين، حضرت أمامي وأنا أقرأ سطوراً لأمّ، تتحدث بفخر عن ابنها، فهي تريده أن يكون كشافاً وهذا حقّها، تريده خريجاً وهذا حقّها، تريده عريساً وهذا أيضاً حقّها.. وتريده أيضاً مجاهداً وهنا أيضاً حقّها، مع التحفظ على نوع القضية التي سيجاهد لأجلها!

كلّ ما سبق هو حقّ، إلى أن جاء السطر الأخير، والتي أعلنت فيه أنّها تريده شهيداً وأن يعود إليها في بدلة غارقة بدمائه، وأن تزفّه إلى مسكنه الأخير معلّلة الأمنية بـ”تبييض الوج”!

هذا السطر ليس حقّاً، وهذه الرغبة الدموية لا يمكن أن تكون مفهومة، فكيف لأم أن ترجو لابنها القبر؟ كيف لها أن تتخيّل كفنه وهو ما زال طفلاً، كيف لها أن تقتل أحلامه بتدوينة ربما سيقرأها بعد سنوات، وفي حينها إما أن يسأل: أي أمّ لي؟ أو سيكون قد أصبح ضحية الأدلجة!

سيسأل أحدهم، ما لنا؟ وما لها؟ لها الحرية باختيار الجهاد والشهادة لابنها.. وهنا لا بد أن نسأل في المقابل، لماذا لم تختر الانتصار؟ أوَ ليس المحور هو محور الانتصارات كما يردّد ويطربنا؟ لماذا لم ترده أن يعود إليها منتصراً؟ واثقاً؟ مبتسماً؟
وهنا لا بد أن نسأل أيضاً، هل أصبح التطبيع مع ثقافة الموت عادة؟ هل أصبح مشهد الجثث مألوفاً؟ هل على بعضنا أن ينجب الأطفال كي يقدمها قرابين لهذا المشروع أو ذاك؟!

ما كتبته الأم، ليس مجرد كلمات، بقدر ما هي ثقافة.. ومواجهة هذه الثقافة التي انطلقت منذ الأمس، هي الجهاد الحقيقي، جهادٌ لأجل الحياة، لأجل الغد، لأجل المستقبل..

استهجان كلام الأمّ ضرورة.. تصويبه ضرورة، والدفاع عنه والانحياز إليه هو جريمة!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar