مصداقية القضاء اللبناني على المحك.. وإيرلندا لن تسكت عن حادثة اليونيفيل


أخبار بارزة, خاص 28 كانون الثاني, 2023

يبقى السؤال كيف سيواجه الشعب اللبناني هذه الجرائم الموصوفة، التي تزيد من وتيرة إنهيار الدولة وقضائها بشكل يهدد لبنان ومصداقيته


كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:

حملت الأيام القليلة الماضية جملة تطورات قضائية لم يشهد لبنان لها مثيلاً من قبل وأبرزها الفوضى القضائية العارمة ومحاولات السيطرة على السلطة القضائية وضربها من الداخل والخارج والتي عملت على تبيان عجز القضاء اللبناني عن قدرته على البت بجرائم كبرى كجريمة تفجير مرفأ بيروت وما جرى من تداعيات خلال اليومين الماضيين، وقبلها جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط من العام 2005 والتي وصلت إلى التدويل عبر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي دانت عناصر من حزب الله بارتكاب الجريمة.

على مقلب قضائي آخر لم يعد في الواجهة الحديث عن التحقيقات في قضية مقتل الجندي الإيرلندي شون روني وجرح ثلاثة آخرين حيث لا يزال جندي منهم في حالة خطرة. هذا الهجوم المباشر وغير المسبوق على القوات الدولية (اليونيفيل) كاد أن يفتح باب جهنم على لبنان أمنياً لولا تدارك هذه المسألة الحساسة عند الحدود الجنوبية، حيث سارع حزب الله إلى تسليم أحد المتورطين للجيش اللبناني ويدعى “محمد عياد” وكان سبق ذلك مسارعة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا لتقديم التعزية لقوات اليونيفيل، متمنياً الشفاء للجرحى في الحادث “غير المقصود”، ودعا إلى عدم “إقحام” الحزب في الحادث، مطالباً بترك المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق.

وبعد إجراء التحقيقات اللازمة إدعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على الموقوف محمد عياد بجرم قتل الجندي الإيرلندي ومحاولة قتل رفاقه الثلاثة بإطلاق النار عليهم من رشاش حربي. كما جرى الإدعاء على ستة آخرين معروفين بالأسماء لا يزالون متوارين عن الأنظار وبحقهم مذكرات بحث وتحرٍّ، وأحال عقيقي الملف مع الموقوف إلى قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان لإجراء التحقيقات وإصدار المذكرات القضائية اللازمة.

حتى الساعة، ووفق ما أكدت مصادر قضائية لـ “هنا لبنان”، لا جديد في هذه القضية سوى الإدعاء الذي صدر عن المحكمة العسكرية. إلا أن قوات اليونيفيل فتحت تحقيقاً في الحادث ولا تزال تتابع هذا الأمر عن كثب لا سيما بعد حضور المحققين الإيرلنديين وفتح تحقيق خاص من قبل إيرلندا أيضاً في هذا الشأن.

وتشير مصادر دبلوماسية غربية لموقعنا إلى أن “إيرلندا تتابع قضايا مواطنيها حتى الانتهاء منها وتبيان الحقيقة حتى ولو أخذت سنوات طويلة وبأنها لا تنام، كما يقول المثل، على ضيم”. ومما يؤكد على ذلك زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ووزير الدفاع الايرلندي مايكل مارتن إلى لبنان منذ أيام ولقاؤه المسؤولين اللبنانيين حيث جرت مناقشة حادثة العاقبية التي أودت بحياة الجندي الإيرلندي في جنوب لبنان والإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية والقضاء اللبناني لمتابعة هذا الملف مشدداً على ضرورة معاقبة من ارتكب هذه الحادثة.

كما أكدت مصادر دبلوماسية متابعة لـ “هنا لبنان” أن التعاون قائم مع أيرلندا من أجل تحقيق العدالة، مشيرة إلى أن مارتن نوه بالتجاوب اللبناني والطريقة الإيجابية التي تعاطى بها لبنان في هذه القضية الحساسة، لكنه جدد التأكيد على وصول التحقيق في الحادثة إلى كشفِ كامل الحقيقة ومحاسبة المعتدين والمرتكبين لتصل الأمور إلى خواتيمها.

وتزامناً أيضاً كانت زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا إلى لبنان والذي فاتح المسؤولين اللبنانيين بحادثة مقتل الجندي الإيرلندي ومدى توصل القضاء اللبناني لمحاسبة المسؤولين عن حادثة العاقبية المؤسفة، مشدداً على تمسّك اليونيفيل بأفضل العلاقات مع المجتمعات المحلّية في الجنوب ومؤكّدًا أهميّة التعاون مع الجيش اللبناني ودعمه. وأطلق من الناقورة بعد زيارة التعزية موقفاً قوياً من هذه القضية بضرورة ضمان المساءلة عن هذا العمل المدان، والتزام إيرلندا القوي بواجبات حفظ السلام في جنوب لبنان وفق القرار الأممي 1701 إضافة إلى الإلتزام بدعم الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق والمساعدة على بناء قدرات القوات المسلحة لتولي المسؤولية والمهام الأمنية جنوباً في نهاية المطاف.

هذه المطالب الجدية التي يسعى المجتمع الدولي وإيرلندا إلى تحقيقها في لبنان يتم تمييعها مع مرور الوقت في ظل قضاء مدني وعسكري عاجز وبعضه مسيس يعمل على التعمية عن الحقيقة، ومن القضايا المشابهة لمقتل الجندي الإيرلندي والتي لا تزال ماثلة وشاهدة أمامنا قضية استشهاد الملازم أول الطيار سامر حنا بإطلاق النار على الطوافة العسكريةالتي كان يستقلها في العام 2008 من قبل أحد عناصر “حزب الله” ويدعى مصطفى مقدم، والذي اتهم حينها أيضاً بالتسبب بقتل حنا عن “غير قصد” وحيازة ونقل سلاح حربي من دون ترخيص، وقد أخلت المحكمة العسكرية الدائمة سبيله بكفالة عشرة ملايين ليرة لبنانية ليتوارى عن الأنظار. وفي العام 2014 نعاه الحزب معلناً عن مقتله في صفوفه في سوريا من دون تقديم أي إثباتات بذلك ولا تزال المحكمة تنتظر وثيقة الوفاة.

إذن سينتظر المجتمع الدولي طويلاً وفي حال لم يتحرك بنفسه لتحقيق العدالة في لبنان، في حين أن مسؤوليه ومنهم المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونيتسكا علقت في تغريدة منذ أيام قليلة على قضية تفجير مرفأ بيروت وما جرى من تداعيات قضائية قائلة: “مر 30 شهراً على الإنفجار المروع في مرفأ بيروت ومع ذلك لم يتم تفعيل العدالة وإستقلالية القضاء ويتم تحديهما بإستمرار، مشيرة إلى أن ذلك غير عادل للشعب اللبناني ولا يمكن للبنان أن يتحمله وأن لا غنى عن وجود سلطة قضائية فاعلة”.

يبقى السؤال كيف سيواجه الشعب اللبناني هذه الجرائم الموصوفة، التي تزيد من وتيرة انهيار الدولة وقضاءها بشكل يهدد لبنان ومصداقيته ويجعله غير قابل على إجراء الإصلاحات في مؤسساته التي تواجه أصعب الظروف بفعل منظومة فاسدة ومتحكمة بمفاصل الدولة والمؤسسات معاً، غير آبهين بمستقبل هذا البلد الذي بات عرضة للإقصاء مع فقدانه حق التصويت في الأمم المتحدة بسبب عدم سداد مستحقاته، وبحسب مصادر دبلوماسية متابعة لموقع “هنا لبنان” قد يفقد أيضاً حق التصويت في العديد من المنظمات الدولية بسبب التقصير والإهمال على الرغم من التنبيه والتحذير لمخاطر تأخير دفع هذه المستحقات، مشيرة إلى أنه حتى الساعة لم تتم معرفة ما إذا كان لبنان رسمياً قد عمل على تحويل الأموال اللازمة لسداد مستحقات الأمم المتحدة لاستعادة حق التصويت وسداد الإشتراكات والمتأخرات لبعض المنظمات.

لكن يبدو أن الوعود بتحويل الأموال من قبل الدولة اللبنانية اللامسؤولة لا تزال وعوداً في الهواء وقد تطير معها دور لبنان ومصداقيته وحقوقه واعتباره فاشلاً على غرار قضائه في المؤسسات والمحافل الدولية والإقليمية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar