لبنانيون يعيشون صدمة ما بعد الهزّة.. “لا تخجلوا من مشاركة مشاعركم”!

أخبار بارزة, خاص 8 شباط, 2023

أربعون ثانية مرت على اللبنانيين ببطء قاتل، أربعون ثانية جعلت الموت قريباً، قريباً جداً.. اللبنانيون الذين لم يتعافوا بعد من تفجير مرفأ بيروت الذي دمّر العاصمة وقتل أحباءهم كانوا ينتظرون صوت الانفجار بعد انتهاء الهزة!


كتبت هانية رمضان لـ “هنا لبنان”:

أربعون ثانية فقط، فجر  السادس من شباط، كانت كفيلة بزرع الرعب في نفوس اللبنانيين، أربعون ثانية جعلت فكرة الموت قريبة، قريبة جداً..

ولمّا أدرك هؤلاء أنّ ما حصل كان هزّة أرضية قوية، كان الابتعاد عن المباني السكنية هو التصرّف الأوّل، لتضاف هذه الكارثة الطبيعية إلى سلسلة الصدمات التي مرّت على اللبنانيين وأبرزها انفجار 4 آب الذي دمر العاصمة، وقتل الآمنين، وترك جرحاً لم يندمل.

هذا الهلع أصاب بالصميم العديد من اللبنانيين، وأعاد مشهدية 4 آب فهناك ترقّب في اللاوعي لانفجار ما بعد كلّ هزّة ارتدادية.

وما فاقم هذا الواقع المخيف، المعلومات المغلوطة التي كانت تنتشر كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل، إن لجهة التحذير من زلزال هائل أو من موجات تسونامي، ومع أنّ هذه الأنباء غير صحيحة إلا أنّ الخوف لم يستوعب الحقائق، فكاد ينفجر وهو يشاهد ما حصل في تركيا وسوريا ويسأل إن كان لبنان سيلقى المصير نفسه!

كثيرون من اللبنانيين سألوا بعدما استفاقوا من الهزّة: “لماذا نحن؟ ألا يكفي ما حلّ بنا؟”.. هي أسئلة طبيعية وسط معاناة نسبة كبيرة من هذا الشعب من واقع نفسي مليء باليأس والإحباط وازدحام الأفكار السوداوية.

في هذا السياق، أوضح الأخصائي النفسي علي شقير لـ “هنا لبنان”، أنّ “كل فرد يتأثر بالحادثة وفقاً لوضعه الخاص ومناعته النفسية وكيفية تلقيه للصدمة، وهناك العديد من العوارض التي نستطيع ملاحظتها لدى المعرّضين لهذا النوع من الصدمات، منها القلق والتوتر العاطفي أو الصمت والانفصال عن الواقع وعدم القدرة على النوم والأرق”.
وأضاف: “في مراحل متطورة فإن هذه العوارض تصبح مرتبطة بمثيرات خارجية ومجتمعية، كمثل الذي يحصل لدى أغلب الناس فإذا تحركت الثريا مثلاً سيصاب بالقلق ويربطها مباشرة بالعوارض التي حصلت معه وقت الهزة الفعلية”.
وتابع شقير متحدثاً عن استمرار هذه العوارض إلى بضعة أيام، فإما أن تشكل لدى الفرد عند تلاشيها مناعة نفسية تزيده قوة، أو أن يعيش انتكاسة نفسية في حال لم تتلاشَ، وفي الوقت نفسه يربط مع الصدمة مجموعة من الارتجاعات الموجودة في الذاكرة، فعلى سبيل المثال وأثناء الهزة الأرضية التي حصلت قد يشم الفرد رائحة عطر معينة داخل الغرفة التي كان موجوداً فيها، فبالتالي كلما تنشق هذه الرائحة سيتذكر الهزة بكل تفاصليها، وهذه الأعراض إذا رافقت الفرد لمدة طويلة فلا بد من التدخل العلاجي النفسي.

وأشار شقير إلى أنه في وقت الصدمة يشعر الفرد بأمور غير واقعية، فيتفاعل جسمه مع ردود أفعال غير متوقعة، وحدوث الهزة الأرضية في هذا الوقت من الليل زاد الأمور تعقيداً لأن أغلي الأشخاص في هذا الوقت كانوا في سبات عميق أي في مرحلة مشاهدة الأحلام حيث يكون فيها التنفس أسرع وأكثر انتظاماً وعضلات الأطراف مشلولة وفي حالة استرخاء كلي، وفي لحظات انتقلوا من مرحلة الاسترخاء واستفاقوا على صدمة.
وعمّا إذا كان مطلوباً من الجميع استشارة أخصائي نفسي، يجيب شقير أن “لا مشكلة في الاستشارة ولكن نحن نخشى من تطور هذه الأعراض واستمرارها لفترة طويلة قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات ما بعد الصدمة، وعلينا القيام بالتواصل الجماعي مع البعض لأن الفرد ينتمي إلى الجماعة، حيث أن الجميع قام بإخبار الآخرين عمّا حصل معه جراء هذه الحادثة”.
مضيفاً: “على الرغم من أن الخوف واحد في قصص الجميع، إلّا أنّ الحديث بين الأفراد يصبح عبارة عن تزاحم في القصص بطريقة غير مباشرة، ليبرز الفرد بأنه خاف أكثر أو أنّه يعاني من صدمة أكبر، وكأنه يقوم بسلوك رجعي للـ “Trauma”، مضيفاً أن “بعض الأفراد قاموا بإشغال أنفسهم عن هذه الأخبار والابتعاد عن كل ما يؤذيهم، ومنهم من اتجه إلى الشق الديني من خلال ممارسة بعض الطقوس أو العبادات والتقرب من الله كي يشعر بالطمأنينة، ولكن صادفنا الكثير من الأشخاص الذين اتجهوا إلى التكيّف مع عوارض الصدمة”.
ونَصح شقير بضرورة التكيف مع هذه الأعراض، من خلال الاستماع إلى المطلوب منه لتسكين الأوجاع النفسية الموجودة لديه، فإن كان لدى هذا الشخص أطفال فعليه أن يدرك لدى وقوع الحادثة بأن عليه أن يحضنهم ليشعرهم بالطمأنينة خاصة في لحظات بعض الصدمة، ومشاركتهم في مشاعرهم من دون الخوض في الكثير من التفاصيل، كما لا يجب أن نمثل أمامهم بأننا غير مهتمين بما حصل أو غير مبالين، مع ضرورة تجنب المعلومات غير الصحيحة وعدم مشاركتهم بها للسيطرة على مشاعرهم السلبية.
وأكد شقير أن العلاج النفسي يتدخل مع تشكل عوارض ما بعد الصدمة، وهناك مجموعة من العلاجات من خلال علاج السلوك المعرفي أو علاج خاص بالصدمات وله نتائج إيجابية ويطبق فردياً أو جماعياً ويساعد في معالجة الذاكرة من الأحداث المتراكمة.
وختم شقير مطمئناً: “لا شك أن الليلة التي مرت على الأفراد كانت صعبة جداً، ولكن هذا الخوف سيتلاشى مع الوقت بسبب مشاركة الجميع لمعاناتهم، وهذا الأمر سيساعد على ملاحظة الأفراد لسلوك بعضهم البعض، ففي حال شعر أحدهم بتغيرات سلوكية لدى فرد آخر في العائلة أو في الجوار يستطيع بذلك التدخل بمساعدة أخصائي نفسي”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar