السياسة المقيتة في لبنان!


أخبار بارزة, خاص 28 آذار, 2023

الانحدار الكبير في مستويات الممارسة السياسيّة مرتبط إلى حد بعيد بتعطل آليّات المحاسبة والمساءلة، إذ فاقم هذا الشعور العام بالإحباط أن الانتخابات النيابيّة التي كان من المنتظر أن تكون محطة تغييريّة جذريّة تفسح المجال أمام حصول تحوّلات عميقة في البنية السياسيّة لم تحقق هذا الهدف.


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

يمكن القول، بكل وضوح وشفافيّة و”ضمير مرتاح”، أن السياسة اللبنانيّة وصلت إلى الحضيض بسبب المواقف المقززة للكثير من أركانها وعنوانها الأساسي الفظاظة وقلة المسؤوليّة وعدم الاكتراث إطلاقاً إلى مصالح الناس وحقهم في العيش بكرامة في وطن يحققون فيه طموحاتهم.

وهذا الانحدار الكبير في مستويات الممارسة السياسيّة مرتبط إلى حد بعيد بتعطل آليّات المحاسبة والمساءلة، إذ فاقم هذا الشعور العام بالإحباط أن الانتخابات النيابيّة التي كان من المنتظر أن تكون محطة تغييريّة جذريّة تفسح المجال أمام حصول تحوّلات عميقة في البنية السياسيّة لم تحقق هذا الهدف.

حتى “القوى التغييريّة” التي قدّمت نفسها على أنها آتية لإحداث فرقٍ نوعيٍّ في الممارسة السياسيّة سرعان ما تلاشت واعترت علاقاتها إشكالات تجاوزت في عمقها وأسلوبها الكثير من الممارسات التي كانت تتّهم بها “القوى التقليديّة”. ولم ينجح النواب التغييريون بإحداث ولو خرق واحد في الواقع السياسي القاتم.

طبعاً، حجة هؤلاء مبنيّة على أنّ “المنظومة” متماسكة وكل أطرافها يتفقون على استهدافهم. هذا ليس صحيحاً. “المنظومة” ليست شريحة واحدة موحدة برؤية وأهداف موحدة. لو كانت كذلك لكانت اختارت بسهولة مرشحاً واحداً يواجه ذاك التيار التغييري حتى ولو كان منشطراً على ذاته، أو لما كانت بعض الكتل تواظب على تأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة بينما تواظب قوى أخرى على الاقتراع بالورقة البيضاء وعلى تطيير النصاب في الدورة الثانية.

كان من الخطأ أساساً تصوير الصراع القائم في البلد على أنه صراع بين “تقليديين” و”تغييريين”. هو صراع بين من يعطّل بناء الدولة ويجهض عمل المؤسسات الدستوريّة بصورة منهجيّة وبين من يسعى قدر الإمكان للقيام بعكس ذلك.

اللبنانيون يعيشون حالة من الذهول بالحد الأدنى. الجنون اليومي للدولار والجشع الذي لا ينتهي للتجار والشعور العام بالعجز والشلل، يجعل من ارتفاع الدولار ووصوله إلى مستويات قياسيّة، لا بل كارثيّة، مسألة شبه طبيعيّة لا يقطع ديمومتها سوى بعض حالات الغضب الشعبي المتفرقة التي سرعان ما تتلاشى لعدم جديتها ومحدوديتها، ولاقتناع شرائح واسعة من الشعب اللبناني بأن خيار الشارع قد استنفذ بعد أن ترجم نفسه من خلال انتخاب مجموعات من النواب المنقسمين الذين لم ينجحوا في أيّ ملفّ سياسي أو اقتصادي أو حتى خدماتي!

وفوق كل ذلك، تنقسم البلاد على موعد تطبيق التوقيت الصيفي، والأبشع أن يأخذ هذا الانقسام أبعاداً طائفيّة ومذهبيّة. كم أصبحت السياسة مقيتة في لبنان!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us