“الحزب” يسيّر البلد على “توقيته”


أخبار بارزة, خاص 28 آذار, 2023

يسيّر “حزب الله” البلد على “توقيته” إذ يكفي التمعن بما أثارته هذه البلبلة من تحريك للغرائز والعصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية والأحقاد المتوارثة، والتي دفعت جمهور العامة إلى الاصطفاف كالعادة مع هذا أو ذاك من زعماء الطوائف ونسيان ولو مؤقتاً معركة الرئاسة وإنذار صندوق النقد!


كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

أثارت متاهة تقديم الساعة عملاً بالتوقيت الصيفي المعتاد ككل سنة، والتي انزلق إليها (أو تعمدها؟) رئيسا المجلس والحكومة نبيه برّي ونجيب ميقاتي عاصفة من ردود الفعل في الأوساط السياسية والاقتصادية والمؤسسات التجارية والعامة وصلت إلى حد التسعير الطائفي، وأعادت ذكريات الحرب وأجواء انقسام البلد المقيتة.
وعدا عن أنّ القرار اتخذ بشكل فردي وليس في مجلس الوزراء، علماً أنّه يحتاج إلى اجتماع مجلس وزراء وإلى مرسوم، فإنّ أوّل سؤال يتبادر إلى الذهن في هذا السياق لماذا تقصد برّي (أو الإثنين معاً) نشر وتعميم فيديو للقائهما في عين التينة فيما هما يتداولان في مسألة تأخير التوقيت الصيفي، وهذا أمر غير مألوف عند رئيس المجلس.
إلى ذلك هناك من أطلق على الإجراء تسمية “توقيت برّي- ميقاتي”، بالمقابل هناك من تكلّم عن “فخ” نصب لرئيس الحكومة الذي عودنا عكس ذلك من انسياب وتكافل متأنٍّ مع خطط وتوجهات محور الممانعة، بدءاً بقبوله تشكيل الحكومة على وقع تهديدات “القمصان السود” بعد أن أسقط محور الممانعة حكومة سعد الحريري بداية 2011، وشكل يومها ميقاتي حكومته الثانية بأكثرية لـ”الثنائي الشيعي” وحلفائه بهدف قلب معادلة الأكثرية النيابية التي حققتها قوى 14 آذار سابقاً في انتخابات 2009. وقد عاد إلى رئاسة الحكومة هذه المرة أيضاً على أنقاض اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة بعد تكليف دام أكثر من تسعة أشهر، وهو يدير الآن مرحلة تصريف الاعمال بالتنسيق الكامل مع “حزب الله” ما أثار نقمة رئيس التيار العوني جبران باسيل، وكان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الأخير إلى الفراق مع حسن نصرالله، إلى جانب السبب الأهم أي الخلاف حول رئاسة الجمهورية. علماً أنّ ميقاتي سبق أن أعلن تأييده سليمان فرنجية الذي رشّحه ثنائي”حزب الله”- حركة أمل.
طبعاً، لا أحد يعتقد أنّ ما فعله برّي وميقاتي كان عفوياً أو مجرد هفوة إدارية، خاصّة وأنّ أكثر من شيخ ورجل دين مسلم أكدوا أن لا علاقة لأوقات الصوم والصائمين بتوقيت الساعة وإنّما بغروب الشمس وشروقها. ولذلك، فإنّ الهدف من اللعب بالتوقيت هو سياسي بامتياز على ضوء تطورات واقع انحدار البلد المتسارع نحو الهاوية على المستويات كافة، خاصّة الحياتية والمعيشية، والذي لم تعد تكفي معه تحصينات “حزب الله” لجمهوره ومناصريه.
في حين أنّ المأزقين ألأهم والأخطر في خضم واقع الانهيار هما رئاسة الجمهورية والعلاقة مع صندوق النقد الدولي، إذ دقت آخر بعثة للصندوق زارت لبنان ناقوس الخطر محذّرة من أنّ “لبنان يمر في لحظة خطيرة للغاية”. وقد شكّل هذا الإنذار إحراجاً للمنظومة التي تدير شؤون البلد وتسيّر عمل الحكومة وتتهرب من توقيع اتفاق مع الصندوق يفتح آفاق الخروج من حال التدهور المالي والاقتصادي ويجلب الاستثمارات، وترفض إقرار الإصلاحات الضرورية، فيما راح نصرالله يروّج في آخر كلمة له لمصرف “القرض الحسن”! والآن يقول الصندوق لهم أنّ الوقت قد انتهى! ولهذا السبب جرى التعتيم عليه وتمّ إطلاق فقاعة التوقيت.
كما أنّ إدارة “حزب الله” لمعركة إيصال فرنجية إلى بعبدا تراوح مكانها، فالأفق الداخلي مسدود سواء أمام نصاب الـ86 نائباً أو أمام أكثرية الـ65 لانتخاب الرئيس.
والأنكى من ذلك أنّها دخلت في مأزق عميق بعد تراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، العراب الخارجي الوحيد لفرنجية الذي بدأ البحث عن خيار آخر بعد أن اصطدم برفض السعودية التي تصرّ على رئيس سيادي إصلاحي ومنفتح على الجميع، وكذلك الولايات المتحدة على ما يبدو. وبطبيعة الحال، سارع باسيل إلى توظيف المأزق واستغلاله شعبوياً عبر التعبئة الطائفية حول هدف تافه هو التوقيت.
وهكذا، يسيّر “حزب الله” البلد على “توقيته” إذ يكفي التمعن بما أثارته هذه البلبلة من تحريك للغرائز والعصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية والأحقاد المتوارثة، والتي دفعت جمهور العامة إلى الاصطفاف كالعادة مع هذا أو ذاك من زعماء الطوائف ونسيان معركة الرئاسة وإنذار صندوق النقد ولو مؤقتاً!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us