توقيت التصعيد بين إسرائيل والجانبين اللبناني – الفلسطيني… صدفة؟

كتب ميشال توما لـ”Ici Beyrouth”:

أليس السيناريو واضحاً وضوح الشمس تقريباً؟ إنّه لمن السذاجة إلى حدٍّ ما، الاعتبار بأنّ مناخ التصعيد الذي لوحظ في قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية وعلى الحدود اللبنانية الجنوبية خلال الساعات الأربع وعشرين، بمنأى تام عن تطورين استراتيجيين رئيسيين في منطقة الشرق الأوسط: الاتفاق الثلاثي و”المصالحة” بين السعودية وإيران والتي لم تنل رضا جميع من في المنطقة، والخلاف غير المسبوق في الداخل الإسرائيلي والذي بات أقرب إلى صراع داخلي حاد.
وفي مثل هذه الظروف، يبرز النمط الكلاسيكي المعتاد: حين تزداد التوترات حدة داخل مجتمع ما، يكفي أن تندلع أزمة ما بمواجهة عدو خارجي لتحفيز الالتفاف مجدّداً حول السلطة القائمة. ومما لا شك فيه هو أنّ التصعيد الحالي يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتقليص رقعة الخلاف بين الإسرائيليين، أو على الأقل بصرف الانتباه عنه مؤقّتاً على أمل القضاء عليه.
ومع ذلك، من الأجدى البحث في المقام الأول، عن السبب وراء تجدّد دوامة العنف، في المعسكر المعارض. وقد يميل المرء للإشارة تلقائياً لإيران، أو بالأحرى لفصيل محدد تابع للنظام الإيراني. ويطرح السؤال التالي: هل تزامن التّصعيد الذي شهدناه خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، مع اجتماع وزيري خارجية كل من المملكة العربية السعودية وإيران في بكين حيث أكّدا على إرادتهما المشتركة للسعي من أجل “الأمن والاستقرار والازدهار” في منطقة الشرق الأوسط، محض صدفة؟
وهل يتوجّب في هذا السياق، التذكير بأن حماس (المسؤولة عن التصعيد في غزة) وحزب الله (الذي ينفي أي علاقة له بالقصف من جنوب لبنان) يمثلان الأدوات المفضلة للحرس الثوري الإيراني؟ بالنتيجة، قد ترتبط التحركات العسكرية التي سجلت خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، بأحد السيناريوهات الثلاثة الآتية: إما أن حركة حماس أفلتت اليوم من سيطرة إيران فيما فقد حزب الله، في الوقت نفسه، السيطرة على الوضع جنوب البلاد؛ وإما أنّ نظام الملالي في طهران يلعب “لعبة مزدوجة”، فيفتح نافذة على الرياض بالتزامن مع متابعته استراتيجيته لزعزعة الاستقرار في المنطقة.. وإما يمكن أن نفترض مرة أخرى أن هناك تيار راديكالي قوي في إيران (في فلك الحرس الثوري) غير راضٍ تماماً عن الهدنة مع المملكة العربية السعودية.
في الظروف الحالية، قد يبدو السيناريو الأول غير قابل للتصديق، أو بالأحرى يفتقر لدليل ملموس يدعم فرضية فقدان طهران السيطرة على حركة حماس أو تراجع نفوذ حزب الله في منطقة الجنوب اللبناني بشكل يتيح لحماس التمتع بالحرية الكاملة والتحرك عسكرياً على مقربة من الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة.
يبقى أمامنا السيناريوهان الآخران: اللعبة الإيرانية “المزدوجة”، أو وجود فصيل داخل نظام الملالي يعادي بشدة الاتفاقية المبرمة مع السعودية. وفي الواقع، نقلت صحيفة خليجية قبل أيام معلومات تفيد بأنّ السلطات في طهران فككت “خلية” داخل الحرس الثوري كانت تعمل على نسف الاتفاق الودّي مع الرياض.
ونظرًا لأنّ الشفافية ليست من سمات النظام الإيراني، سيتطلب الأمر عدة أيام قبل أن نستطيع تبيّن أي من هذين السيناريوهين هو الأقرب إلى الواقع. ويبقى أن التطورات الأخيرة على الأرض قد سلطت الضوء على التراجع الحاد في مصداقية نظام الملالي. وذلك لسبب وجيه: فإمّا أنّه لم يعد قادراً على السيطرة على أقرب حلفائه، وإما أنّ حلفاءه، لم يعودوا قادرين على ضبط الوضع على أراضيهم بغض النظر عن وفائهم له. وأما إذ لجأنا لتفسير اللعبة ” المزدوجة”، يعني ذلك أن الفصيل الراديكالي ما زال هو الأقوى وأنه أثبت قدرته على تخريب مساعي الانفتاح على المعسكر المعارض، أو على التشكيك بسهولة في أي التزام أو اتفاق مع طرف ثالث.
أضف إلى ذلك أن هناك استنتاج واحد يفرض نفسه بقوة وبشكل طبيعي، إذا ما حاولنا مثلاً تأطير الوضع الحالي في سياق لبناني بحت، حتى لو كان اختزاليًا بشدة. والاستنتاج هو الطبيعة اللاعقلانية تمامًا وغير الديكارتية لموقف المدافعين بحماس عن فكرة التنازل عن رئاسة الجمهورية لمرشح مقرب من حزب الله مقابل “ضمانات” يقدمها حزب الله وإيران.
هل بمقدورنا أن نصدق ولو للحظة، التزامات حزب يلعب لعبة مزدوجة (بالنظر للأيديولوجية وتعبئة صفقات الإنقاذ المالي، إلخ).. حزب ما عاد يمتلك السبل الموضوعية لاحترام الاتفاقات المبرمة، تحت رعاية قوة دولية، تزعم نقل المنطقة إلى عهد جديد من “الأمن والاستقرار والازدهار”.. وهو ما أكد عليه الخميس، إعلان بكين الذي حمل توقيع وزير الخارجية القوي لولاية الفقيه؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us