هل سقطت غادة عون بالضربة القاضية؟


أخبار بارزة, خاص 4 أيار, 2023

صدور قرار بهذه القوّة وبالإجماع، يشكّل تحولاً بمسار المحاسبة في مؤسسة العدالة، وكأنه يضع حدّاً لتفرّد “حرّاس الهيكل” الذين ارتكزوا في قراراتهم إلى الدافع السياسي قبل القانوني


كتب يوسف دياب لـ “هنا لبنان”:

لم تعد القاضية عون صانعة الحدث القضائي في لبنان، ولا المستأثرة بتحريك الدعاوى والمتفرّدة بالتحقيق في الملفات الحساسة سواء بالاستنسابية أو بغيرها، بل أضحت حدثاً قضائياً بامتياز، مع صدور حكم قاسٍ عن المجلس التأديبي للقضاة، أفضى إلى فصلها من السلك القضائي لأسباب تأديبية. القرار المفاجئ في شكله ومضمونه جاء كنتيجة لـ “المخالفات التي ارتكبتها” سواء في معرض تحقيقاتها بالملفات المالية، أو بالإجراءات التي اتخذتها وبدت أشبه بـ “انقلاب على الواقع القضائي وأصول الإجراءات”، وفق تعبير مرجع قضائي تابع عن قرب مسار هذا الملفّ.

من المبكر الحديث عن تداعيات قرار بهذا الجحم، بالنظر لاعتبارين أساسيين، الأول أنه أصاب قاضية كانت عصيّة على الملاحقة أو حتى المساءلة بفضل مرجعيتها السياسية، خصوصاً أنه أعقب خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا، الذي طالما شكّل مظلّة حماية لها منذ العام 2017، وأطلق يدها في ملاحقة خصومه في عالم السياسة والاقتصاد والمال والأعمال، والثاني أنه يؤسس لمرحلة مختلفة من المحاسبة في الجسم القضائي، كانت مستحيلة قبل ذلك، بالنظر للحمايات السياسية لهذا القاضي أو ذاك.

لا شكّ أن القرار فاجأ الأوساط القضائية لجهة قساوته، حتى أشدّ المنتقدين لأسلوب القاضية عون لم يتوقعوا ذهاب المجلس التأديبي إلى هذه العقوبة المشددة، التي تبدو أشبه بـ “الضربة القاضية”، تكاد تنهي مسيرة سيّدة أمضت أربعة عقود في السلك القضائي، لكن قبل العنان لمخيلاتهم في التحليل والتفسير، استدرك هؤلاء بأن “صدور قرار بهذه القوّة وبالإجماع، يشكّل تحولاً بمسار المحاسبة في مؤسسة العدالة، وكأنه يضع حدّاً لتفرّد “حرّاس الهيكل” الذين ارتكزوا في قراراتهم إلى الدافع السياسي قبل القانوني”.

سيفتح قرار المجلس التأديبي الباب على الاستثمار السياسي لهذا الملفّ وهو بدأ فور الإعلان عنه، عبر التحرّك الاحتجاجي الذي حصل داخل أروقة عدلية بيروت، وواكب غادة عون إلى خارجها، إلّا أن مرجعاً قضائياً شدد على أن القرار قانوني بحت، بعيد كلّ البعد عن الاستهداف السياسي، وأكد لـ “هنا لبنان” أنه “استند إلى 12 دعوى أقيمت أمام هيئة التفتيش القضائي ضدّ القاضية عون، وأن التفتيش أحال هذه القضايا دفعة واحدة على التأديب”، مشيراً إلى أن القرار “استند على قوته القانونية وليس على أي اعتبار آخر، فصاحبته خضعت لجلسات تحقيق عدّة وقدّمت الدفاع عن نفسها ومنحت الوقت الكافي عبر تأجيل الجلسات بناء لطلبها لتقدم المستندات التي ترى أنها تخدم قضيتها وتدافع عنها”.

يرتكز قرار التأديب وفق تعبير المرجع القضائي على “مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية”. ويلفت إلى أنه “فنّد كل المخالفات التي ارتكبتها عون، بدءاً من التصريحات التي أدلت بها لوسائل الاعلام وتغريداتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومخالفتها موجب التحفظ في الدعاوى كانت تنظر فيها، وإمعانها في عدم الالتزام بقرارات مجلس القضاء الأعلى وتحذيرها من الإدلاء بتصريحات إعلامية، والتمرّد على المذكرات والتعاميم التي أصدرها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وكفّ بموجبها يدها عن التحقيق بالملفات المالية”.

ولقطع الطريق على استغلال القرار في الصراعات السياسية، وربطه بدعاوى السياسيين التي أقيمت ضدّ القاضية عون على خلفية نشرها لائحة بأسماء السياسيين، وزعمت أنهم “هرّبوا عشرات مليارات الدولارات إلى الخارج”، يوضح المرجع القضائي أن هذه القضية “لا علاقة لها بدعوى الرئيس نبيه برّي وعقيلته وعدد من السياسيين ضدّ القاضية عون، كما أنه منفصل تماماً عن حفل التكريم الذي أقيم لها في باريس، وإطلاقها مواقف من هناك تنال من أداء زملاء لها، وتغوص في عمق ملفات كان يفترض أن تبقى سريّة”. ويشدد على أن “المجلس التأديبي أصدر حكمه بناء على الأدلة والمعطيات المعززة بالمستندات”، مذكراً بأن المدعية العامة في جبل لبنان “رفضت مرات عدّة أن تتبلّغ دعاوى الردّ المقدمة ضدها ورفضت أن تتسلّمها من الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في جبل لبنان، كما رفضت أن تتبلّغ دعاوى المخاصمة المرسلة إليها من الهيئة العامة لمحكمة التمييز”، مذكراً بأن القرار “قابل للطعن أمام الهيئة العليا للتأديب في مهلة أقصاها 15 يوماً، ويمكن للقاضية عون أن تستمر في موقعها حتى صدور حكم الهيئة العليا للتأديب، الذي يفترض ألّا يتأخر، طالما أن الملف جاهز ومستكمل العناصر”.

لقد آثر رئيس المجلس التأديبي القاضي جمال الحجار استدعى عون إلى قصر العدل في بيروت وأبلغها مضمون القرار الذي أثار غضبها وسمع صراخها داخل أروقة قصر العدل وهي تغادره، وأفادت معلومات بأنه “على أثر تبلغها القرار انتقلت القاضية عون إلى القاعة التي يحقق فيها الأوروبيون وأطلعتهم على القرار الصادر بحقها، ثم غادرت قصر العدل وانضمت إلى مجموعة من المحامين والناشطين الذين تجمعوا أمام مدخل قصر العدل للتضامن معها”. ووصفت عون في تصريح القرار بأنه “كيدي” وقالت “يحاكمونني لأني أقوم بواجبي بملاحقة الفاسدين والمرتكبين، وها هي الملفات موجودة لدى القضاءين اللبناني والأوروبي”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us