“جريمة المرفأ”: المتضرّرون ينشدون العدالة لا التعويضات!


أخبار بارزة, خاص 15 حزيران, 2023
المرفأ

قمّة القهر والظلم واللاعدالة أن يتحوّل أهالي الضحايا إلى مطاردين ومطلوبين دائمين للأجهزة الأمنية، وأن يتحول قاضي التحقيق العدلي إلى متهم، وأن يصبح مطلب العدالة شبهة تجعل من صاحبها عميلاً ومتآمراً.


كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

حسناً فعل القضاء البريطاني بإظهار حرصه على ضحايا انفجار مرفأ بيروت، ربما أكثر بكثير من حرص المسؤولين اللبنانيين وبعض حراس هيكل العدالة حتى لا نذهب للتعميم.

فها هي إحدى محاكم لندن تصدر حكماً يطال تحديداً شركة “سفارو” المسؤولة عن شراء شحنة نيترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ في 4 آب 2020، وألزمتها بدفع تعويضات لضحايا الانفجار، كما أمرت المحكمة الشركة بتسديد 800 ألف جنيه استرليني أي ما يعادل مليون دولار لثلاثة من الضحايا، هم اثنان من المصابين ووالد الطفلة الشهيدة الكسندرا نجار.

الحكم شكّل للبعض بارقة أمل في عدالة قد تُنصف يوماً الأبرياء، وهذا ما عبّر عنه المحامون الذين رفعوا القضية في بريطانيا وتابعوا مجرياتها هناك، واعتبروا أنّ “هذا الحكم هو الأوّل في قضية انفجار المرفأ، ويشكل انتصاراً تاريخياً للعدالة”، وتعهدوا بـ “الاستمرار بالمساءلة وتحصيل التعويضات لجميع المتضرّرين من الانفجار الذي خلّف أكثر من 220 قليلاً وآلاف الجرحى”.

 

صحيح أنّ الحكم البريطاني قد فتح كوّة في الجدار السميك لملف جريمة العصر، لكنّه لا يكفي، أو بالأحرى هذا ليس مراد الضحايا وذويهم الذين يقفون وحيدين في ساحة المواجهة، وتحوّلوا للأسف إلى مطاردين ومطلوبين لمكاتب التحقيق لدى الأجهزة الأمنية، للتهويل عليهم ومحاولة منعهم من التحرك على الأرض والتعبير عن وجعهم والمطالبة بالإفراج عن التحقيق المعطّل منذ أشهر طويلة وإجبارهم على توقيع تعهدات بوقف تحركهم والإعتصام أمام قصر العدل.

الضحايا وأهلهم وأبناء بيروت الذين ما زالوا يعيشون آثار جريمة الرابع من آب، بالإصابات الجسدية والنفسية والمادية، وبعضهم لم يعودوا حتى اليوم إلى بيوتهم المدمرة، لم يطالبوا يوماً بتعويضات مالية أو عينية، فمطلب هؤلاء العدالة قبل كل شيء، عدالة تكشف المتسببين بمأساتهم وقتل أحبائهم، عدالة تقتصّ من المسؤولين عن الفاجعة، من متورطين ومتواطئين أو مقصرين ومهملين، حتى لو كان بينهم رؤساء ووزراء ونواب ومسؤولون أمنيون وإداريون، عدالة تؤسس لمرحلة جديدة تضع كل من يتولى العمل بالشأن العام أمام مسؤولياته.

لا أحد من اللبنانيين يتوَهّم بأنّ قرار المحكمة البريطانية هو آخر المطاف، قد يكون التسليم بالحكم هو منتهى أمل معطّلي التحقيق العدلي بإنفجار المرفأ، هؤلاء طالبوا منذ الأسابيع الأولى المحقق العدلي بأن يكتفي بالتحقيقات الأوّلية وبأن ينشر التقرير الفني ويعزو سبب الانفجار إلى الإهمال ويقفل الملف عند هذا الحد.

قمّة القهر والظلم واللاعدالة أن يتحوّل أهالي الضحايا إلى مطاردين ومطلوبين دائمين للأجهزة الأمنية، وأن يتحول قاضي التحقيق العدلي إلى متهم، وأن يصبح مطلب العدالة شبهة تجعل من صاحبها عميلاً ومتآمراً.

 

قبل أيام تحدّث مرجع قضائي عن تحقيق إنجاز يتمثل بتعيين قاضي تحقيق لاستجواب القاضي طارق البيطار في ملف ادعاء النائب العام التمييزي غسان عويدات ضدّه، وحينها كشف المصدر نفسه أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، يسعى جاهداً لاستكمال عقد الهيئة العامة لمحكمة التمييز، علّها تنظر بدعاوى المخاصمة المقامة ضد البيطار سلباً أو إيجاباً، لكن لم يصل إلى حلّ لهذه المعضلة.

فأيّ دور يبقى للقاضي إذا استنكف عن القيام بدوره، مراعاة لفريق سياسي من هنا أو هناك؟ أيّ شعب سيحكم باسمه ما دام الشعب أو أغلبه فقد الأمل بعدالة بلاده؟

سيدرك المحتفلون بالحكم البريطاني أنّ اللبنانيين يريدون عدالة لا تعويضات مالية، فدم شهداء المرفأ وآلام المصابين وجرح الناس المفتوح على النزف والألم لا توازيه أموال الدنيا وإن حيّزت لهم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us