“الفدراليّة” على مائدة العشاء!


أخبار بارزة, خاص 27 حزيران, 2023
حرائق

التجربة الفيدراليّة، رغم نجاحها في عدد من البلدان، إلا أنها لا تصلح للبنان. والدعايات التلفزيونيّة التي تروّج للمشروع بطريقة مسطحة وتبسيطيّة لا تعدو كونها محاولة بائسة لا تتعدّى نتائجها طاولة العشاء التي صُوّرت عليها!


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

لماذا هناك من يعتبر أن القفز فوق تطبيق اللامركزيّة الإداريّة والذهاب نحو الفدراليّة هو الحل الأمثل للبنان، وقد وصلت الطروحات النظريّة المتصلة بالفدراليّة إلى حدود رسم الخرائط وتلوينها وتوزيع الأقضية بين المذاهب والملل بطريقة تثير الغثيان السياسي لأنها، بكل بساطة، تتغاضى عن طبيعة الاختلاط المناطقي القائمة اليوم وهي ميزة مهمة للبنان.
طالما أنّ اتفاق الطائف لم يُطبّق بالكامل، خصوصاً في عدد من البنود الإصلاحيّة، التي لو أتيحت فكرة تطبيقها، لكانت غيّرت وجه النظام السياسي ودفعته في إتجاهات سياسيّة ومؤسساتيّة جديدة تكون أكثر قدرة على تلبية طموحات الشباب اللبناني ورؤيته لمستقبل البلاد.
تطبيق اللامركزيّة الإداريّة الموسعة دون المس بالمرتكزات الوحدويّة في البلاد هو المدخل الصحيح الذي قد يُحدث جانباً كبيراً من التغيير المنتظر، ومن الطبيعي أن يحقق نتائج أكثر أهميّة إذا ترافق مع تنفيذ سياسات الانماء المتوازن وخطوات تدريجيّة أخرى تصب في تحقيق الهدف المنشود.
قد يدّعي البعض من مروجي الفدراليّة في لبنان أن الفكرة الفدراليّة بتعريفها تحافظ على وحدة البلاد بالنسبة إلى الخارج حتى ولو أعادت تقسيم الداخل وفق معطيات جديدة وتضرب أمثلة عديدة من الدول التي تُطبّق الفدراليّة حول العالم مثل الولايات المتحدة الأميركيّة أو سويسرا أو النمسا.
ولكن ما يتجاهله هؤلاء، عن قصد أو جهل مفتعل، هو أن تطبيق الفدراليّة في لبنان من خلال تشكيل كانتونات مناطقيّة ترتكز إلى العنصر الطائفي والمذهبي دون سواه هو بمثابة وصفة جاهزة لتفجير الوضع الداخلي بعد عمليّات “الترانسفير” المفترضة من أبناء الطوائف إلى مناطق “صافية” تتلاءم مع طائفتهم.
لن يكون التعايش بين الدويلات الطائفيّة اللبنانيّة مسألة يسيرة خصوصاً أن كلًّا منها ستتحوّل مع الوقت إلى “محميّة” تابعة لطرف خارجي، يمدّها بالدعم المالي والسلاح ليؤلبها على المناطق اللبنانيّة الأخرى التي قد تكون محميّة لخصم مناهض لها.
هل يتوقع هؤلاء فعلاً أن تنتظم الدويلات الطائفيّة اللبنانيّة في الإطار الفيدرالي وأن تترك فعلاً للدولة المركزيّة أن ترسم دون تدخل منها السياسات الخارجيّة والدفاعيّة؟ إذا كان الإطار المركزي الحالي، رغم عثراته العديدة، غير قادر على “ضبط” بعض الأطراف المحليّة عن تطبيق أجندات دول إقليميّة فاعلة، فهل سينجح النموذج الفيدرالي في تحقيق ذلك؟
هذه الأسئلة المنطقيّة المشروعة كفيلة بالقول بأن التجربة الفيدراليّة، رغم نجاحها في عدد من البلدان، إلا أنها لا تصلح للبنان. والدعايات التلفزيونيّة التي تروّج للمشروع بطريقة مسطحة وتبسيطيّة لا تعدو كونها محاولة بائسة لا تتعدّى نتائجها طاولة العشاء التي صُوّرت عليها!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us