خوف على نايل، خوف على فرنسا


أخبار بارزة, خاص 30 حزيران, 2023
نايل - فرنسا

ليس مصرع نايل حدثاً عنصرياً فحسب، إنه مؤشر إلى انسداد الأفق للتقدم والتطور، في ظل سعي ماكرون إلى “أمركة” فرنسا، التي كانت تمسك بقيادة أوروبا مع ألمانيا، وبات الإثنان اليوم ينفذان خطط “الأمركة”، وتدفعان كلفتها عالياً.


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

لم يكن ينقص سوى مصرع نايل الشاب ذي الـ 17 عاماً حتى يرتفع الاحتجاج مجدداً ضد العنصرية في فرنسا، وتغلغلها في نفوس رجال الشرطة. فهذا الحدث ليس الأول، ومحاولات قيادتهم لفلفة الوقائع ليست الأولى، لكن التغطي بها لم يطل، إذ قدمت مواطنة، كانت شاهدة على الجريمة، شريط فيديو التقطته مباشرة، وبثته شبكات التواصل الإجتماعي، لاحقاً، ما أجبر السلطات على لجم روايتها، وزيادة إرباكها، من دون أن يردع ذلك غضب الشارع، فاضطرت إلى نشر 40 ألف شرطي في أنحاء البلاد، منهم 5000 في باريس وحدها.
هذا الحادث ليس الأول الذي يعكس واقع تزايد العنصرية في المجتمع الفرنسي، الذي شهد عشرات الحوادث خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي لم تقف عند حدود جنسيات محددة، لكنها استهدفت معظم، إن لم يكن كل الجنسيات، التي يتم تصنيف المنتمين إليها على أنهم لاجئون، خصوصًا المتحدرون من دول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، برغم أن الدول التي ينتمون إليها ترتبط بعلاقات تاريخية ممتدة مع فرنسا مثل مهاجري تونس والمغرب والجزائر وسوريا ولبنان ومالي وتشاد والنيجر.
يتناقض المشهد اليوم مع القيم الشهيرة (حرية، أخوّة، مساواة) التي أنتجتها الثورة الفرنسية سنة 1789 وصدّرتها إلى العالم، ولطالما تباهى بها الفرنسيون، متغاضين عما رافق احتلالهم الكثير من البلدان، لا سيما في أفريقيا، من ظلم واستبداد، واستغلال ثروات الشعوب.
حسنت فرنسا صورتها بعد هزيمة “العدوان الثلاثي”، وكان انسحابها في الستينات، من القرن الفائت، من الجزائر، أبرز عناوينها عربياً بعد استعمارها لما يزيد على قرن من الزمن (5 تموز 1830 – 5 تموز 1962).
كان اليمين المتطرف وئيداً في إشهار عدائيته العنصرية، لاسيما في الستينات ثم السبعينات وقوي عوده في الثمانينات، حتى اضطر الحزبان الاشتراكي والشيوعي والديغولي إلى التحالف لدعم جاك شيراك للرئاسة في وجه اليميني المتطرف جان ماري لوبان وهزمه كما حدث الأمر في وجه ابنته ماريان في انتخابات الرئاسة الأخيرة، يومها، ونظرًا لعدم فوز أي مرشح بأغلبية في الجولة الأولى في 10 نيسان 2022، أُجريت جولة الإعادة في 24 منه وهزم ايمانويل ماكرون منافسته، ورئس لولاية ثانية.
لكن الهزيمة لم تمنع صعود اليمين الفرنسي، وتصاعد لغة خطابه العنصري الإقصائي، مستنداً إلى النتائج التي حققها “حزب الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية” برئاسة ماريان لوبان، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها فرنسا، فأصبح يشكل الكتلة الثالثة في البرلمان، مستنداً إلى قاعدة جماهيرية أغلبها من رجال الأعمال وجزء من الطبقة البرجوازية، وإلى خطاب شعبوي تجاه قضايا الهجرة واللجوء، و”نقاء الفرنسيين في مواجهة تمدد المهاجرين”، و”الفرنسيون أولاً” ويتيح تدهور الأوضاع الاقتصادية في فرنسا أرضاً خصبة لجذب الناقمين على خلفية تداعيات الحرب الأوكرانية من ناحية، وتراجع الدور السياسي والاقتصادي والأمني في عدد من الدول الأفريقية التي كانت تشكل عمقا استراتيجياً تعتمد عليه فرنسا في سد جزء من احتياجاتها الأساسية، من ناحية أخرى.
وفي مطلع نيسان من العام الماضي، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرًا وثق فيه ممارسات عنصرية وغير إنسانية تجاه اللاجئين غير الأوروبيين كطرد اللاجئين من مراكز الإيواء ليحل محلهم لاجئون أوكرانيون. وبحسب تقارير أخرى أنّ 50 لاجئًا من غينيا ومالي وأفغانستان طردوا من مراكز الإيواء من دون حق الاعتراض لإفساح المجال للاجئين الأوكرانيين.
هذا المشهد المحزن على فرنسا، ومنها، لا يسمح بتجاهل تمسك الفرنسيين في غالبيتهم بالقيم التاريخية التي يعتزون بها، ويشكلون جمعيات اهلية للدفاع عنها وتطبيقها وخوض الاحتجات ضد مشوهيها، ولعل أشهرها، ولا يزال ما نشأ في مطلع الثمانينات تحت شعار
“Touche pas à mon pote” أي لا تمس صديقي.
لم يكن بروز اليمين الفرنسي بسبب قوته الشعبية بسبب ضعف اليسار الفرنسي في وجه الليبرالية والتغول الرأسمالي، إذ فقد اليسار صدقيته، بعد نهاية عهد فرنسوا ميتران وأعقب ذلك تحول الإشتراكيين واليمين إلى ليبيراليين، وظهر فجأة خط وسطي يجمع الكل هو النيوليبرالية فدخل هولاند ثم ساركوزي فماكرون قصر الأيليزيه تحت مظلتها، ومعهم تكرس التماهي بين اليمين واليسار، وباتت اللغة السياسية واحدة وجرى تمييع اللجوء إلى العنصرية، وتسطيح مغزاها، خصوصاً عند اقتراب مواعيد الانتخابات رئاسية ونيابية.
ليس مصرع نايل حدثاً عنصرياً فحسب، إنه مؤشر إلى انسداد الأفق للتقدم والتطور، في ظل سعي ماكرون إلى “أمركة” فرنسا، التي كانت تمسك بقيادة أوروبا مع ألمانيا، وبات الإثنان اليوم ينفذان خطط “الأمركة”، وتدفعان كلفتها عالياً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us