إلّا الله
دعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى حوار دولي بشأن لبنان يقطع الطريق على المراوحة الراهنة، ويتجه مباشرة إلى لب الأزمة، فالعرب منشغلون عن لبنان، ويتجنبون التدخل سوى بالنصيحة، والغرب غارق في أوكرانيا، وليس للبنان إلّا الله.
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
انتشر استخدام كلمة “الوفاق” زمن وساطة الموفد الأميركي، اللبناني الأصل فيليب حبيب، إثر الإجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران سنة 1982. يومها، وبعد إنجازه الشق الإسرائيلي-السوري- الفلسطيني مما عرف بـ”أزمة الصواريخ”، وخروج الفلسطينيين من لبنان إلى تونس، وانسحاب الجيش السوري إلى بلاده، واغتيال الرئيس بشير الجميل، في 14/09/1982، وانتخاب شقيقه الشيخ أمين للرئاسة، تبارت القيادات اللبنانية في الدعوة إلى تشكيل “حكومة وفاق وطني” كمخرج من انسداد الأفق، وإنهاء الأزمة، وصارت كلمة “وفاق” الكلمة المفتاح في كل لقاء حوار لحبيب مع الأطراف الداخلية، ومع عقدة الوفاق، انتشرت نكتة لبنانية زعمت أن حبيب، ولكثرة ما ترددت هذه الكلمة، علق في أحد الحوارات، على ذلك، بالإنكليزية: نحن، في أميركا، نمارس “الوفاق” بكثرة لكننا لا نطالب به.
برزت الحاجة الماسة إلى وحدة اللبنانيين لمواجهة مصيرهم ومصير بلادهم عبر مواجهة نتائج الإجتياح الاسرائيلي. ولأن انتخاب رئيس الجمهورية يجري وفق ميثاق 1943 غير المكتوب والذي يقضي بأن يكون الرئيس من الطائفة المارونية، فقد تزايد الإلحاح على أن يتمتع الرئيس الجديد بثقة المسلمين.
اليوم، لم يتقدم أي موفد، أميركي، أو غير أميركي، بوساطة لشق الأفق اللبناني المسدود، في أخطر أزمة تهدد الصيغة الوطنية، بوقائع تحاك على النمط الإيراني في صنع السجاد، أي ببطء ورَوية، وفن مواراة المشهد الذي ستكون عليه “السجادة” حتى لحظة إنجازها. وإلّا ما جدوى الدعوة إلى الحوار مرفقة بالتمسك بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، علماً بأن المثل الشعبي يؤكد أن “من يريد أن يصاهر لا يقاهر”، ما يجعل الدعوة إليه، تقطيعاً للوقت في انتظار أمر مجهول- معلوم، هو ترقب فرصة قد تتيح الإنقلاب على “الطائف”، وهوية لبنان العربية، وفق ما أعلن وزير التّعاون والعمل والرّخاء الاجتماعي الإيراني سيد صولت مرتضوي، في طهران، في حضور نظيره اللبناني أنّ “لبنان الّذي لم يدّخر جهدًا لتحسين العلاقات مع جيرانه، هو جزء من العالم الإسلامي” و”منح بلاده حق الدفاع عن لبنان لأنه بمثابة الدّفاع عن هذه الأمّة”.
ترمي أدوات طهران المحلية لبنان في ما يعرف إعلامياً بـ “نار باردة” وتستطيب إغلاق مجلس النواب، وفيما المملكة العربية السعودية تحترم “اتفاق بكين”، تحديداً احترام سيادة الدول، يشغّل، شريكها في الإتفاق، أدواته، فيشترط الحوثيون أن يتحاوروا مع الرياض، ويرفضوا الإجتماع بالحكومة اليمنية ذات الشرعية العربية والدولية، وهذا ما سيقدم عليه الحزب المسلح في لبنان في وقت ليس ببعيد، ولربما يذكر اللبنانيون تكرار طهران القول إن البت بأمور لبنان يعود إلى الحزب.
هذه الحال تنذر بإطالة الأزمة، وتجعل من اقتراح الحوار الداخلي نكتة سمجة، يكرسها رمي المواعيد لعودة الموفد الفرنسي جان ايف لو دريان، لإشغال الرأي العام عن نيران الأزمة.
ربما دعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى حوار دولي بشأن لبنان يقطع الطريق على المراوحة الراهنة، ويتجه مباشرة إلى لب الأزمة، فالعرب منشغلون عن لبنان، ويتجنبون التدخل سوى بالنصيحة، والغرب غارق في أوكرانيا، وليس للبنان إلّا الله.
مواضيع مماثلة للكاتب:
انتهى | الجرموز | من سيسرق المليار؟ |