تهالك التهالك


أخبار بارزة, خاص 14 تموز, 2023
تهالك التهالك

هو أمر لم تمر به الدولة زمن الحروب في لبنان وعليه، يوم كانت، وبرغم أهل الميليشيا، تحفظ هيبتها وتمارسها حيثما تستطيع، لأن احترامها للدستور والقوانين أجبر المواطنين على احترامها بينما سقطت يوم صمتت على تجرؤ الميليشيات عليها، “فإذا فسد الملح بم يملّح؟”


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

لا يضير ديما صادق القرار القضائي الأخير في حقها، بقدر ما يضير القضاء نفسه، ويسيء إلى محرابه، ويضيء على انحراف بعضه، الغالب، عن قدسية القانون، وجعله مضغة سياسية، ليّنة، مطواعة، بالقدر الذي يحدده المتسلطون بقوة السلاح، حينا، والإرتباط الحزبي أكثر الأحيان.
لم يكن ينقص القضاء الكثير من الإساءة إلى الذات، كي تزيد صورته اضطراباً، في أعين اللبنانيين، إلى حد حصرهم النزاهة والترفع بقلة ممن يتفيأون ظله في قصور العدل، وليس أدل إلى فداحة ذلك من نشر صحيفة “لوموند” مقالة تنتقد القرار والتقاطعات السياسية المتسلطة على القضاء.
قبل أيام (10 تموز)، أصدرت القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، روزين حجيلي، حكماً قضائياً بسجن ديما صادق لمدة سنة في الدعوى المقامة ضدّها من التيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل)، بجرائم “القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية”، مع إلزامها بسداد 110 ملايين ليرة لبنانية كعطل وضرر لمصلحة التيار، وتجريدها من بعض حقوقها المدنية.
يعود جذر الأمر إلى 3 سنوات خلت، أي زمن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 واستمرت حتى 2021، وقد اندلعت في البداية بسبب الضرائب على البنزين والتبغ و‌المكالمات عبر الإنترنت وتوسعت إلى إدانة الحكم الطائفي، والركود الاقتصادي، 2018، والفساد العام، والتشريعات التي تحمي الطبقة الحاكمة من المساءلة (مثل السرية المصرفية) وإخفاقات الحكومة في توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي. يومها استدعيت ديما والبلوغر جينو رعيدي من جانب الشرطة القضائية في 20 شباط 2020، بناء على شكوى من التيار العوني.
في تلك الفترة، تعرض شابان من طرابلس للضرب والاعتداء، في جونية، من جانب حرس النائب، حينها، زياد أسود، وأُجبرا على ترداد عبارة “ميشال عون تاج راسك وراس طرابلس”. و”ميشال عون هو تاج راسك وراس طرابلس”. وقد اتخذ المعتدى عليهما صفة الادعاء الشخصي بجرم الضرب والتسبب بالإيذاء ومحاولة قتلهما”، وبدل أن يلاحق المعتدون، ويحاكموا، اتهم باسيل الإعلامية بـ”إثارة النعرات الطائفية”، لوصفها ما حدث بأنه من الأعمال العنصرية والنازية. ولكي يمون على المسار القضائي، لم يدّعِ وكيل “التيار” أمام محكمة المطبوعات، المختصة بقضايا الإعلام، بل لجأ إلى القاضي المنفرد الجزائي، الذي تخطى منطوق القانون، بأن نص قراره على حرمان الزميلة الإعلامية “من بعض حقوقها المدنية” وهو أمر تقضي به المحاكم في حال الجنايات.
لا داعي، ربما، للإندهاش أمام هذه الوقائع، فما تنطوي عليه هو في جذور مأساة لبنان ما بعد 2005، فالمؤسسات تتداعى، دوراً وبناءً وبنية، والدولة تتحلل، والإدارة العامة تتفكك، وتكفي جولة تفقدية على المؤسسات الحكومية لنكون شهوداً على الانهيار والتهالك.
هو أمر لم تمر به الدولة زمن الحروب في لبنان وعليه، يوم كانت، وبرغم أهل الميليشيا، تحفظ هيبتها وتمارسها حيثما تستطيع، لأن احترامها للدستور والقوانين أجبر المواطنين على احترامها، لاسيما في بدايات الحروب، بينما سقطت يوم صمتت على تجرؤ الميليشيات عليها، بعد “التشاركيات” بين الجهتين، وتواطؤات المصالح، “فإذا فسد الملح بم يملّح؟”
نقطة تسجل في خانة التخلف عن العصر: ينظر العالم المتحضر إلى منصات التواصل الإجتماعي بكونها وسائل إعلام، توازي الوسائل المتلفزة والمسموعة، والمطبوعة، فكيف إذا كان كتابها إعلاميين أصلاً؟ فإذا نشرت ديما صادق تغريدة على تويتر تتجرد من دورها المهني، وفي المقابل يكتسب صفة إعلامي من يكتب مقالة عن تهالك التهالك في دولة العجائب؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us