موازنة 2023: إجحاف بحقّ موظفي القطاع العام ومن يتقاضى راتبه بالدولار لم يسلَم!


أخبار بارزة, خاص 24 تموز, 2023
موازنة

اعتادت الحكومات المتعاقبة أن تخالف الدستور، ولا سيما لجهة إعداد ومناقشة وإقرار الموازنات العامة، على قاعدة “أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”، هذا إن نجحت الموازنة في امتحان درسها في مجلس الوزراء.


كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

بعد تأخير دام لأكثر من 10 أشهر على مضي الموعد الدستوري، خرجت موازنة العام 2023، وأبصرت النور، بالرغم من بقاء أقلّ من 4 أشهر على انتهاء العام، إذ حدّدت المادة 83 من الدستور “بدء عقد تشرين” موعداً نهائياً لتقوم فيه الحكومة بتقديم الموازنة إلى مجلس النواب. وبحسب المادة 32 من الدستور، فإن هذا العقد يبدأ في الثلاثاء الذي يلي يوم 15 شهر تشرين الأول وتُخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدته إلى آخر السنة. لكنّ الحكومات المتعاقبة اعتادت أن تخالف الدستور، ولا سيما لجهة إعداد ومناقشة وإقرار الموازنات العامة، على قاعدة “أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”، هذا إن نجحت الموازنة في امتحان درسها في مجلس الوزراء. فوزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، رفع مشروع الموازنة إلى رئاسة مجلس الوزراء لدرسها وإقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب وفقاً للأصول، بعد أن أنجزتها وزارة المال. ومن المفترض بحسب الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، أن يعقد مجلس الوزراء جلسات متتالية للبحث في المشروع على أن تكون الجلسة الأولى اليوم الاثنين 24 تمّوز.
فماذا تخبئ هذه الموازنة في طيّاتها من خبايا؟ وعلى أيّ سعر صرف سترسو؟ وهل ينتظر اللبنانيين مزيدٌ من الضرائب؟

لا ضرائب جديدة بل زيادة على الرسوم بنسبة تصل إلى 50%

بحسب المعلومات الأوّليّة التي استحصل عليها موقع “هنا لبنان” فإنّ “موازنة 2023، لن تحمل المزيد من الضرائب ولكنّها ستشهد زيادة على الرسوم بنسبة تتراوح بين الـ30 والـ50% للتوافق إلى حدٍّ ما مع ما كانت عليه العام الفائت بحسب ما ورد في بند المادة 43”.
وعن سعر الصرف الذي قد يعتمد، فهو على الأغلب سعر منصّة صيرفة، إن بقي العمل على المنصّة جارياً، ولم يتمّ استبدال هذه الأخيرة بأخرى. حيث أنّ وزير المال كان قد ألمح في أكثر من تصريح إلى التوجّه نحو توحيد سعر الصرف في الموازنة واعتماد سعر موحّد وهو سعر منصّة صيرفة. وطبعاً ذلك فقط للضرائب التي تدفع بالدولار، كضريبة الدخل على الرواتب بالدولار، أو ضريبة تشغيل الأملاك العامّة، أو ضريبة القيمة المضافة TVA.

إلاّ أنّ هناك نوعاً من التمييز بين ضريبة وأخرى، حيث تطال الموظفين الذين يتقضون رواتبهم بالدولار
إقتطاعات ضريبية تصل إلى 15 في المئة من مدخول موظف يتقاضى 1000 دولار شهرياً، ونحو 25 في المئة من مدخول موظف يتقاضى 2500 دولار شهرياً على سبيل المثال ما يعني أنّ هذا الأخير سيدفع ربع راتبه إلى الدولة من دون الاستحصال على أيّ خدمة في المقابل، (طبابة، ضمان، خدمات اجتماعيّة…) فيما سيحتسب تعويض نهاية خدمته على سعر الصرف الرسمي، أيّ 15 ألف ليرة!

معدّلات الضريبة بالنسبة للرواتب والأجور
وفيما يلي تفصيل لمعدّلات الضريبة بالنسبة للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد بحسب ما حدّدته وزارة المال في موازنة 2023:

٢٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي لا يتجاوز ٧٠ مليون ليرة.

٤٪ المئة عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن ٧٠ مليون ليرة، ولا يتجاوز ١٧٠ مليون ليرة.

٧٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن ١٧٠ مليون ليرة، ولا يتجاوز ٣٣٠ مليون ليرة.

١١٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن ٣٣٠ مليون ليرة، ولا يتجاوز ٦٥٠ مليون ليرة.

١٥٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن ٦٥٠ مليون ليرة، ولا يتجاوز ملياراً و٣٠٠ مليون ليرة.

٢٠٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن مليار و٣٠٠ مليون ليرة، ولا يتجاوز ٢ مليار و٤٤٠ مليون ليرة.

٢٥٪ عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن ٢ مليار و٤٤٠ مليون ليرة.
ويعطي مشروع الموازنة لوزير المال الحق الحصري بتعديل الشطور والتنزيلات العائلية، بموجب قرار يصدر عنه، استناداً إلى نسب التضخم الصادرة عن إدارة الاحصاء المركزي.
كما يعطي مشروع الموازنة لوزير المال والوزراء المختصين بتعديل التنزيلات والشطور المتعلقة بالرواتب والأجور، وذلك لغاية نهاية العام 2026.

ماذا عن الإيرادات والنفقات؟
بحسب مشروع موازنة 2023، ستبلغ قيمة النفقات نحو 181,923 مليار ليرة وإيراداتها 147,739 مليار ليرة. وسيبلغ عجزها 34,184 مليار ليرة، أي ما يوازي 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من صندوق النقد الدولي بـ 16.2 مليار دولار.
وبالاضافة إلى ما تقدّم، فانّ أخطر ما جاء في الموازنة وتحديداً في المادة 80 منها، هو رفض الدولة الاعتراف بأن ما منحته من زيادات على الأجور لموظفيها هو “غلاء معيشة”، أي أن هذه الزيادات لن تحتسب في أساس الراتب ولا تدخل في حساب التعويض والمعاش التقاعدي. وبالتالي سيبقى الموظفون المتقاعدون يتقاضون رواتبهم وفق الراتب الأساسي القديم.

رواتب القطاع العام مأزومة
وفي هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ “الموازنة لا تزال على شكل مسودة وبالتالي قد يتغيّر الكثير من بنودها، بعد أن تتمّ مناقشتها في مجلس الوزراء ومن بعدها في مجلس النوّاب”، آملاً أن “يتمكّن المعنيّون من إقرارها قبل انتهاء السنة، في ظلّ التجاذبات السياسيّة الحاصلة”.
ولفت عبد الصمد إلى أنّ أهمّ ما يجب تعديله في الموازنة هو “مصير الرواتب والأجور، حيث سيتمّ احتسابها في الموازنة الجديدة، وفق الحدّ الأدنى للأجور السابق، ما يعني أن الزيادات والمساعدات الاجتماعيّة لن تدخل في صلب الراتب وبالتالي بهذه الخطوة تكون الدولة قد ضربت القطاع العام ضربة قاضية، للسنة الخامسة على التوالي منذ اندلاع الأزمة، حيث أن رواتب هؤلاء لا تزال على سعر صرف الـ1500 ليرة، فيما سعر الصرف الذي يحتسب في أيّ ضريبة أو أيّ موازنة، أو لاحتساب أيّ سلعة هو وفق السوق السوداء”.

وعن اعتماد سعر صيرفة في احتساب الضرائب سأل عبد الصمد “أيّ سعر تحديداً؟ فسعر المنصّة غير ثابت، محذّراً من اعتماد سعر صيرفة في كلّ الضرائب، ومنها ضريبة الخليوي، معتبراً أنّ ذلك سيكون بمثابة ضربة للقطاع العام كلّه والقطاع الخاص أيضاً، الذي لم يتمكّن من تحسين رواتبه وفق السعر الجديد للمنصّة. فمن كان راتبه 1000 دولار قبل الأزمة أصبح 200$ بعد الأزمة وهذه مشكلة حقيقيّة”.

الموازنة وعقدة سعر الصرف
ويعتبر أنّ “أزمة صيرفة تمتدّ لإلغائها كليّا، فما يطلبه المجتمع الدولي هو توحيد سعر الصرف، وإذا كنّا سنذهب بهذا الاتجاه دون تجهيز الأرضيّة، فبانتظارنا مشاكل كارثيّة على صعيد القطاعين العام والخاص (الشركات اللبنانية وليس الأجنبيّة)، فسنكون أمام فارق كبير في الطبقات الاجتماعيّة، والغلاء سيرتفع إلى نسب لم يشهد لها مثيل من قبل، أمّا مصير أكثر من 450 ألف عائلة تعمل في القطاع العام فسيصبح مجهولاً”.
ويتوقّع عبد الصمد أن “تواجه الموازنة مشاكل عديدة، وأن تأخذ وقتاً طويلاً، حتى يتمّ إقرارها، وسط أزمة انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وماذا سيحصل من بعدها، وذلك بدأ فعلاً يؤثّر على سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي ارتفع من 90 ألف ليرة إلى 94 ألف ليرة، أيّ بزيادة 4 آلاف ليرة ببضعة أيّام، ما سينعكس تلقائياً على سعر صرف دولار منصّة صيرفة، وبالتالي قد تقرّ الموازنة على سعر صرف معيّن وبعد فترة ستتغيّر معطيات سعر الصرف فتتغيّر بدورها أرقام الموازنة وهو أمر غير صحّي أبدا”.
ويرى أن “هناك احتمالين ينتظران الموازنة، فإمّا أن تقرّ على غرار موازنة 2022، كمن يخبئ رأسه في الرمل، وإمّا أن يدخل المعنيون بمتاهات هم عاجزون عن حلّها”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us