“البحبوحة” المصطنعة والأخطاء المكررة!


البحبوحة

لا يمكن للبنان أن يواصل سياسة إشاحة النظر عن المشاكل الاقتصاديّة العميقة التي ستعود لتطل برأسها عند كل منعطف، ومن يدفع الثمن هو الشرائح الفقيرة والمتوسطة وحدها دون سواها


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

لم يسبق أن حصل نقاش اقتصادي معمق في لبنان، لا في حقبات “الرخاء والبحبوحة” ولا في فترات الشدة والانهيار. الصور المستعادة عن ماضي لبنان الجميل على قدر ما تُذكر المواطن بالزمن الغابر، على قدر ما يُفترض أن تدفع في اتجاه بحث اقتصادي عن السياسات المثلى التي على لبنان أن ينتهجها.
ليس الهدف من انتقاد الحقبات التي كانت تُوصف بأنها مرحلة العز في الستينات والسبعينات من القرن الماضي هو الانقضاض على الذات أو جلدها، بل التوضيح بأن تلك المرحلة، رغم نجاحاتها النسبيّة كانت مصطنعة وهشة لأنها كانت تفتقر إلى السياسات الجديّة التي يمكن من خلالها بناء اقتصاد قوي ومتوازن وصلب يقوى على مجابهة الظروف والمتغيرات دون أن يتعرّض لانتكاسات وانهيارات.
لم يكترث اقتصاد ما قبل الحرب كثيراً إلى القضايا الاجتماعيّة مثل الإنماء المتوازن، على سبيل المثال، فبقيت الأطراف والأرياف مهملة وغير قادرة على تشكيل دورتها الاقتصاديّة بسبب غياب المناخ المؤاتي الذي يفترض بالدولة توفيره في المناطق المختلفة بما يتيح نمو المبادرات الفرديّة وتقدمها في المجتمعات المحليّة وبالتالي توليد فرص العمل للشباب والشابات في القرى ويخفف النزوح نحو المدينة والاكتظاظ في أزقتها.
كما لم تكترث الحكومات المتلاحقة قبل إندلاع الحرب الأهليّة في العام ١٩٧٥ إلى ما يُصطلح على تسميته الوظيفة الاجتماعيّة للدولة التي تمارس فيها أي دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها دورها في توفير التعليم والطبابة وضمان الشيخوخة لأبنائها دون تفرقة أو تمييز طائفي أو مناطقي أو طبقي، وأن توفر طبعاً الخدمات الأساسيّة كالبنى التحتيّة والطاقة والمياه والكهرباء.
لقد غرق لبنان في تلك الفترة في التباهي بالحركة السياحيّة والكازينو والمسابح والمنتجعات الترفيهيّة والخدمات الماليّة والمصرفيّة والتي كانت تشكّل الجزء الأكبر من حركة الاقتصاد في ظل إشاحة نظر كاملة عن القطاعات المنتجة الأخرى وفي طليعتها الصناعة والزراعة التي كان من الممكن أن تحقق تقدّماً في حال توفير المناخات المطلوبة لها، وأن تُشكّل صمّام أمان في أوقات التوتر السياسي التي غالباً ما كانت تؤثر سلباً على القطاع السياحي والخدماتي.
واليوم، بالاضافة إلى الانهيار النقدي الكبير، تتواصل سياسة التباهي بازدهار الحركة السياحيّة التي، على أهميتها، إلا أن مفاعيلها تبقى محدودة على الاقتصاد خصوصاً في ظل غياب أي مقاربات جديّة في مجال تطبيق الإصلاحات المطلوبة من الهيئات الدوليّة والتي يحتاجها لبنان لتحقيق تغيير جذري في مستقبله الاقتصادي.
لا يمكن للبنان أن يواصل سياسة إشاحة النظر عن تلك المشاكل الاقتصاديّة العميقة التي ستعود لتطل برأسها عند كل منعطف، ومن يدفع الثمن هو الشرائح الفقيرة والمتوسطة وحدها دون سواها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us