على طرقات لبنان 650 مليون دولار ضائعة.. من يكافح مزراب الهدر؟!


أخبار بارزة, خاص 18 آب, 2023
طرقات

بات وجود خطّة حكوميّة للنقل العام حاجة ملحّة، في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يمرّ بها البلد. إلاّ أنّه في لبنان، لطالما كانت الأوليّة لدى الحكومات المتعاقبة، صرف الأموال على الجور والأنفاق


كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:

أنفقت الحكومات المتعاقبة، بين عامَي 2010 و2019، ملياراً و 650 مليون دولار على إنشاء الطرقات وصيانتها، وفق “الدولية للمعلومات”. و”صفر دولار” على تطوير النقل العام. إلاّ أنّ المواطنين لم يتأثروا بشكل كبير بغياب خطّة للنقل العام، قبل أزمة الـ2019، حيث كان معظمهم يملكون سياراتهم الخاصّة ويتنقّلون بها، فيما سعر تنكة البنزين لم يتجاوز آنذاك سقف الـ30 ألف (على عكس اليوم حيث وصل السعر إلى المليون و700 ألف ل.ل) ليرة، أمّا قروض شراء السيارات فكانت بالآلاف (توقفت جميعها بعد الأزمة) ما جعل الناس تغضّ النظر عن أهميّة وجود خطّة للنقل العام.

إلى ذلك فإنّ عدد السيارات في تلك المرحلة تخطّى عدد السكان، ووصل إلى الـ 5 مليون سيارة في العام 2016، وكانت تغطّي السيارات حوالي الـ 5000 كلم من مساحة لبنان .

تراجع نسب شراء وتسجيل السيارات
أمّا اليوم، وإستناداً إلى إحصاءات جمعيّة مستوردي السيّارات، فقد تراجعت تسجيلات السيّارات الجديدة في لبنان بنسبة 37.2% سنويّاً.
إذ تمّ تسجيل 3،231 سيّارة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021، مقارنة مع 5،146 سيّارة في الفترة نفسها من العام المنصرم.
كذلك إنخفضت تسجيلات السيّارات بنسبة 83.7% مقارنةً بالمستوى التي كانت عليه في الفترة نفسها من العام 2019 والبالغة حينها 19،865 سيّارة.

وتراجع أيضاً شراء السيارات الجديدة من 21,991 سيارة في العام 2019 إلى 6,152 سيارة في العام 2020 أي بنسبة 72%.

أما مؤخراً، فتراجعت هذه العملية أيضاً بنسبة 63% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020.

النقل الخاص vs النقل العام
أمّا اليوم وبعد الأزمة الإقتصاديّة التي ضربت لبنان عام 2019، وارتداداتها على جميع القطاعات الاقتصاديّة، عاد الإهتمام بالنقل العام،  ليصبح الملجأ الوحيد للموظفين، وخصوصا موظفي القطاع العام، الذين لا تتجاوز رواتبهم سقف الـ200$ كحدّ أقصى.

وبلمحة سريعة على تكاليف النقل، وبمقارنة بين التطبيقات الخاصّة والنقل العام، نجد أنّ كلفة التنقل تتراوح بين 150 و200 ألف ليرة،

أمّا في حال لجأنا إلى أحد التطبيقات، فيتم احتساب التوصيلة على الشكل التالي: 0.16 سنت على كلّ دقيقة + 55 سنت على كل كيلومتر+ دولارين على الرحلة، لتبدأ كلفة أقلّ رحلة من 5$ وما فوق.

أمّا التنقّل عبر الباصات العامّة (وهي باصات لا تعود ملكيتها إلى الدولة بل إلى أفراد) فهو أرخص، وتبدأ التسعيرة من 50 ألف ليرة لبنانيّة للراكب.

إلى ذلك، بات وجود خطّة حكوميّة للنقل العام حاجة ملحّة، في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يمرّ بها البلد. إلاّ أنّه في لبنان، لطالما كانت الأوليّة لدى الحكومات المتعاقبة، صرف الأموال على الجور والأنفاق، لتنفيع بعض رجال الأعمال والمستثمرين واصحاب الشركات والمقاولين، بدل الاستثمار في سياسات تنمويّة، وبنى تحتيّة، وخطط سير.

خطّة السير من العام 1992 وحتى اليوم
فيما يلي عرض تاريخي مفصّل لواقع خطّة السير في لبنان منذ الـ1992:
بين العامي 1992 و 2018، رُصد نحو 2.63 مليار دولار لتطوير النقل العام من دون نتيجة.
عام 1995، صدرت دراسة لإنشاء خطّي مترو في بيروت مع 4 خطوط ترامواي، بكلفة تُقارب 2.5 مليار دولار.
عام 2004، اتّخذ مجلس الوزراء قراراً بشراء 250 أوتوبيساً لبيروت الكبرى، إلّا أنّ القطاع الخاص أحبط تنفيذ المشروع الذي عادت ومنعت البلدية تنفيذه.
سنة 2010 أعلن وزير الأشغال السابق غازي العريضي أنّ خطة النقل العام مُجمّدة بقرارٍ من رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة.
سنة 2013 صدرت النسخة النهائية من دراسة أعدّها بنك الاستثمار الأوروبي حول النقل العام، بكلفة مليوني دولار كهبة للدولة، وكانت جاهزة للتطبيق. إلاّ أنّ الحكومة كان لديها أولويّات أخرى.
سنة 2019، قُبل قرض من البنك الدولي بقيمة 295 مليون دولار لتمويل مشروع الباص السريع، قبل أن يتقرّر أخيراً تحويل 255 مليون دولار منها لتمويل البطاقة التمويلية وبقي فقط 40 مليون دولار في وزارة الأشغال العامة.
وفي عهد وزير الأشغال العامّة والنقل الحالي علي حميّة، استقدم لبنان عددا كبيرا من الباصات الفرنسيّة التي جاءت على شكل هبة، ويقال أنّ عددها تخطّى الـ1000 باصٍ، وبعد أن تفاءل اللبنانيون خيراً بهذه الخطوة، اختفت هذه الباصات، ليتبيّن فيما بعد أنّها تحتاج إلى فيول وقطع غيار، وأنّه لا موازنة من قبل الحكومة لتشغيلها. وعلى غرار الباصات الفرنسيّة، لدى الدولة 45 باصًا متوقفا عن العمل، بذريعة عدم قدرة الجهات المسؤولة على تأمين الأموال اللازمة للصيانة وشراء قطع الغيار.

2 مليار دولار تتكبدها الدولة بسبب الزحمة
ويقابل هذا التلكؤ والإهمال والشلل الحكومي في إقرار خطّة للنقل العام، أرقام مخيفة تصف واقع حركة السير الخانقة في العاصمة بيروت، حيث تسجّل يوميّا 5 ملايين رحلة داخل العاصمة، بالإضافة إلى 400 ألف سيارة تدخل بيروت، وذلك في ظل وجود مليوني راكب يتنقلون يومياً.

هذا ويمضي السائق 60% من وقت الرحلة في الازدحام المروري وذلك وقت الذروة إن بسبب السير المتوقف أو السرعة البطيئة التي لا تتخطى 30 كلم بالساعة. وبالتالي فإن هذا لا ينعكس فقط على الوضع النفسي إنّما على الاقتصاد، بحيث أن الازدحام يكلّف الدولة اللبنانية ما لا يقل عن 2 مليار دولار أي 4% من الناتج المحلي. وعلى الصعيد البيئي فإن قطاع النقل مسؤول عن 25% من الانبعاثات الملوثة.

ماذا عن سكك الحديد؟
بالنسبة لموضوع سكك الحديد، يلفت التحالف إلى أنّ لبنان يملك مساحة 403 كلم مخصصة لسكك الحديد والتي لا يستفيد منها أبداً،  مشيراً إلى أهمية إنشاء قطار بين بيروت وطرابلس يعمل على نقل 2000 راكب في الساعة. ومن شأن هذا القطار أن يخفف من عبء دخول وخروج حوالي 3400 شاحنة كل يوم من وإلى مرفأ بيروت.

ويوجد العديد من الدراسات التي تطرح أهمية عودة سكك الحديد. وآخر دراسة جرى إعدادها في العام 2016 لخطّ بيروت طرابلس وبكلفة قدرت أقل بـ 3 مرات من تكلفة أوتوستراد العقيبة.

لا خطط للنقل العام منذ الـ90
وتعليقا على ما تقدّم يشرح رئيس جمعية “Train Train” كارلوس نفاع  لـ”هنا لبنان” أنّه “منذ التسعينات وحتى اليوم لم يكن هناك من رؤية للنقل في لبنان ولا اهتمام بحقّ المواطنين بالتنقّل. فكلّ ما تمّ اعتماده هو مشاريع تحملها مكاتب هندسيّة تمّ تمريرها عبر مجلس الإنماء والإعمار وعبر النافذين والمستشارين لرؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على الحكم. والمشاريع كانت بشكل أساسي تخدم العاصمة وتشدّد على مركزيّة الإقتصاد والنظام السياسي في الوقت الذي تحدّث فيه الطائف عن اللامركزيّة الإداريّة التي تعارضت معها مشاريع النقل، بدءا من مشروع بيروت، مروراً بالأتوستراد العربي (وقد بني من دون رؤية شاملة للنقل المتكامل في لبنان) وصولاً إلى مشاريع أخرى باتجاه الجنوب وشمال لبنان، تهدف لتوسعة الأوتوسترادات وبناء الجسور وهي بجميعها مشاريع هندسيّة بالمفرّق، دون أيّ مخطّط وطنيّ توجيهي يعبّر عن الرؤية السياسيّة للوطن. فالنقل يبني الهويّة الوطنيّة للبلد، ويؤمّن عادات التنقّل لجميع المواطنين بغضّ النظر عن قدراتهم الماديّة ويضمن لامركزيّة الإقتصاد، والإندماج الإجتماعي”.
ويتابع “صرف على هذه المشاريع الكثير من الأموال، وأعيدت أكثر من مرّة، كما كان هناك مشاريع بالمفرّق تأتي من الجهات الدائنة كالبنك الدولي، ولها ارتباط مناطقي ولا تنتمي إلى مخطط وطني. أمّا الجمعيّات الأهليّة فتناضل في سبيل إقرار خطّة وطنيّة للنقل المشترك، واستطعنا في العام 2021 تأسيس الشبكة الوطنيّة لعدالة التنقّل وهي مؤلّفة من عدد كبير من الجمعيّات التي تعمل على خلق توعية لدى المواطنين المسؤولين عن سياسات النوّاب الذين ينتخبونهم. وفي انتخابات الـ2021، وعدنا جميع المرشحين على جميع اللوائح الانتخابيّة، بالعمل على تأمين عدالة التنقّل ضمن شبكة نقل مشترك عصريّة، تكون بداية للحدّ من نسبة الانبعاثات المسبّبة للأمراض السرطانيّة (لبنان في طليعة الدول التي لديها نسبة انبعاثات ملوّثة عالية) ولكن للأسف حتى الساعة لم تتقدّم أيّ كتلة بأيّ مشروع يتماشى وهذا الإطار”.


الوزارة تعد ولا تنفّذ

كشف نفاع أنّ “المواطنين اللبنانيين متّجهين إلى مصير أسود إ1 أظهرت الأرقام انخفاض نسبة استهلاك المواطنين للبنزين بنسبة 30% ما يدلّ على انخفاض تنقّل المواطنين إلى أشغالهم وانكماش الإقتصاد. وبالتالي لا بدّ من وجود رؤية نقل مشترك بيئي يراعي العدالة الاجتماعية على طاولة مجلس الوزراء. ونحن كجمعيّة قمنا بتقديم مخطّط للحكومة اللبنانيّة، توجيهي وطني لسكك الحديد، في 30 آب من العام 2019، وأعلنّا عنه في مؤتمر صحفي برعاية وزير النقل آنذاك، وهو يخدم الامركزيّة الإداريّة والنقل المستدام والعادل والأخضر ويؤمّن إزدهاراً إقتصادياً وترابطاً إجتماعياً. وأعدنا تقديم هذا المشروع خطّياً في ديوان وزارة الأشغال، في العام 2022، لنؤكّد إصرارنا على تبنّي رؤية وطنيّة، إلاّ أنّه وحتى اليوم لم يتمّ تبنّي هذا المشروع ولم تتمّ حتّى الدعوة لمناقشته. علماً أنّ رئيس لجنة الأشغال العامّة وعد أن يتمّ التواصل معنا إلاّ أنّ هذا الأمر لم يحصل”.

ولفت إلى أنّ “الأموال التي صرفتها الحكومة على دعم المحروقات في السنوات الماضية كان يمكن استخدامها في إطلاق شبكة نقل عصريّة وطنيّة من ترامواي في قلب بيروت، ومترو بين بيروت والمناطق، وقطار يربط مرفأ بيروت وطرابلس والمرافق الجويّة بين بعضها البعض مع خارج لبنان، مع باصات تغزّي الخطوط قرب سكك الحديد، وتربط القرى بالساحل، وتؤمّن في قلب المدن خفض الانبعاثات الناتجة عن النقل وتؤمّن ترابط بين المستشفيات والمدارس والجمعيات”.

22 مليون دولار لترقيع الطرقات!

وأضاف نفاع “نتفاجأ أنّ وزارة الأشغال استحصلت أخيرا على قرض بقيمة 22 مليون دولار لترقيع الطرقات، في الوقت الذي لا تملك فيه الدولة القدرة على تشغيل 50 باصاً من الباصات الفرنسيّة المستعملة، والمصفوفة بالقرب من باصات قديمة يأكلها الغبار. مع العلم أنّ مبلغ 22 مليون دولار باستطاعته تأمين شبكة نقل مشترك في طرابلس، بيروت، صيدا، صور، وزحلة. ويسمح أيضاً بإشاء سكّة حديد بين الحدود اللبنانيّة السوريّة في منطقة العبوديّة في عكار وطرابلس . ولكن السلطة في لبنان لا تزال تفضّل نهج السرقة من دون رؤيا وطنيّة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us